مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشكاة الوحي: المراء والجدال والخصومة





إنَّ المراء طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير غرض سوى تحقيره وإهانته، وإظهار تفوقه وكياسته المرائي.. والجدال: مراء يتعلق بإظهار المسائل الاعتقادية وتقريرها، والخصومة: لجاج في الكلام لاستيفاء مال أو حق مقصود، وهذه تكون تارة ابتداء وتارة اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا اعتراضاً على كلام سبق، فالمراء داخل تحت الإيذاء، ويكون ناشئاً من العداوة أو الحسد، وأما الجدال والخصومة، فربما صدرا من أحدهما أيضاً، وربما لم يصدرا منه.

وحينئذٍ، فالجدال إن كان بالحق - أي تعلق بإثبات إحدى العقائد الحقة - وكان الغرض منه الإرشاد والهداية، ولم يكن الخصم لدوداً عنوداً فهو الجدال بالأحسن، وليس مذموماً، بل ممدوح معدود من الثبات في الإيمان الذي هو من نتائج قوة المعرفة وكبر النفس، قال اللّه سبحانه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون.

وإن لم يكن بالحق، فهو مذموم اقتضته العصبية أو حب الغلبة أو الطمع، فيكون من رذائل القوة الغضبية أو الشهوية، وربما أورث شكوكاً وشبهات تضعف العقيدة الحقة، ولذا نهى اللّه سبحانه عنه وذم عليه، فقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِير، وقال:  ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .

والخصومة أيضاً إن كانت بحق، أي كانت مما يتوقف عليه استيفاء مال أو حق ثابت، فهي ممدوحة معدودة من فضائل القوة الشهوية، وإن كانت بباطل، أي تعلقت بما يدعيه كذباً أو بلا علم ويقين، فهي مذمومة معدودة من رذائلها. فالخصومة المذمومة تتناول المخاصمة في ما يعلم قطعاً عدم استحقاقه، وفي ما لا علم له بالاستحقاق، كخصومة وكيل القاضي، فأنه قبل أن يعرف أن الحق في أي جانب، يتوكل في الخصومة من أي جانب كان، ويخاصم من غير علم وإيقان، فمثله خباط العثرات وركاب الشبهات، يضر بالمسلمين بلا غرض، ويتحمل أوزار الغير بلا عوض، فهو أخسر الناس أعمالاً وأعظمهم في الآخرة أوزاراً ونكالاً. وتتناول أيضاً مخاصمة من يطلب حقه ولكنه لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد والعناد في الخصومة قصداً للتسلط والإيذاء، ومن يمزج بخصومته كلمة مؤذية لا يحتاج إليها في إظهار الحق وبيان الحجة، ومن يحمله على الخصومة محض العناد بقهر الخصم وكسره مع استحقاره لذلك القدر من المال، وربما صرح بأن قصدي العناد والغلبة عليه وكسر عرضه، وإذا أخذت منه هذا المال رميته، ولا أبالي، فمثله غرضه اللدد واللجاج.

فتنحصر الخصومة الجائزة بمخاصمة المظلوم الذي يطلب حقه وينصر حجته بطريق الشرع من غير قصد عناد وإيذاء، مع الاقتصار على قدر الحاجة في الخصومة من دون أن يتكلم بالزائد ولا بكلمات مؤذية، ففعله ليس بحرام وإن كان الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً، إذ ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال متعذر أو متعسر، لأنها توغر الصدر، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب ذهب المتنازع فيه من البين، واشتد الحقد بين المتخاصمين حتى يحزن كل واحد بمسرة صاحبه ويفرح بمساءته.

 فالخصومة مبدأ كل شر، فينبغي ألا يفتح بابها إلا عند الضرورة على قدر الضرورة، ولا يتعدى عن الواجب، إذ أقل درجاتها تشوش الخاطر، حتى أنه في الصلاة ليشتغل بمخاصمة الخصم، ويتضمن الطعن والاعتراض أي التجهيل والتكذيب، إذ من يخاصم غيره إما يُجهله أو يكذبه، فيكون آتياً بسوء الكلام، ويفوت به ضده، أعني طيب الكلام، مع ما ورد فيه من الثواب، وكذا الحال في المراء والجدال.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع