نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: صلاةٌ بقلب مطمئن(*)




من الآداب القلبيّة المهمّة للعبادات -وخصوصاً العبادات الذِّكريَّة- الطمأنينة. وهي غير الطمأنينة التي اعتبرها الفقهاء (رضوان الله عليهم) في خصوص الصلاة، فهذه عبارة عن أنّ السالك يأتي بالعبادة مع سكون القلب، واطمئنان الخاطر؛ لأنّ العبادة إذا أُتي بها حال اضطراب القلب وتزلزله فإنّه لا ينفعل بمثل هذه العبادة، ولا يحصل أثر منها في ملكوت القلب ولا تصير حقيقة العبادة صورة باطنيّة للقلب.


* تأثُّر القلب بالعبادة

إنّ من إحدى جهات تكرار العبادات وتكثير الأذكار والأوراد أن يتأثّر القلب منها وينفعل، حتّى يتشكّل باطن السالك شيئاً فشيئاً من حقيقة الذكر والعبادة، ويتّحد قلبه بروح العبادة. وطالما لم يكن للقلب اطمئنان وسكون وطمأنينة ووقار، لم يكن للأذكار والنسك فيه تأثير، ولا يسري أثر العبادة في ظاهر البدن وملكه إلى ملكوته وباطنه، ولا يؤدي إلى القلب حظوظه من العبادة. وهذا من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى بيان، وتُعلم بأدنى تأمّل.

وإذا كانت العبادة بحيث لا يشعر القلب بها أصلاً، ولا يظهر منها أثر في الباطن؛ فلا يتحفّظ عليها ولا تصعد من نشأة المُلك إلى نشأة الملكوت، ومن الممكن أن تُمحى صورتها بالكليّة عن صفحة القلب (ونعوذ بالله) عند شدائد مرض الموت وسكراته المهيبة. والأهوال والمصائب التي تكون بعد الموت، فيُقدم الإنسان على الله وهو صفر اليدين.

* لقّن قلبكَ الذّكر
ونذكر لذلك مثلاً، الذكر الشريف: "لا إله إلّا الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله" إذا قاله أحد من قلبه وباطمئنان من لبّه، وراح يعلّم القلب هذا الذكر الشريف، فيتعلّم القلب الذّكر ويتكلّم به شيئاً فشيئاً؛ حتّى يتبع لسان القلب اللّسان الظاهر، فيكون القلب ذاكراً أولاً ثم يتبعه اللسان الظاهر، فيصبح ذاكراً. وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق عليه السلام، في رواية مصباح الشريعة قال: "فاجعل قلبك قبلة، ولسانك لا تحرّكه إلّا بإشارة القلب وموافقة العقل ورضى الإيمان"(1).

ففي أوّل الأمر ما لم ينطق لسان القلب فعلى سالك طريق الآخرة أن يعلّمه النطق ويلقّنه الذكر، مع طمأنينة وسكون، فإذا انفتح لسان القلب بالنطق يكون القلب قبلة للّسان ولسائر الأعضاء. وأمّا إذا قال هذا الذكر الشريف بلا سكون في القلب ولا طمأنينة منه، ومع العجلة والاضطراب واختلال الحواس، فلا يكون منه أيّ تأثير في القلب، ولا يتجاوز حدّ اللسان والسمع الظاهريّين، إلى الباطن والسمع الإنسانيّ، ولا تتحقّق حقيقته في الباطن، ولا يصير صورة كماليّة للقلب غير ممكنة الزوال، فإنْ أصابته الأهوال والشدائد، وبالخصوص أهوال الموت وسكراته؛ ينسَ الذكر كليّاً وينمحِ الذكر الشريف عن صحيفة قلبه، وعند سؤال القبر لا يحير جواباً. والتلقين أيضاً لا يفيد حاله؛ لأنّه لا يجد في نفسه عندها من حقيقة الربوبيّة والرسالة وسائر المعارف أثراً. ولأنّ ما قاله بلقلقة لسانه وما حصلت له صورة في القلب قد انمحى من خاطره [ذاكرته]؛ فلا يكون له نصيب من الشهادة بالربوبيّة والرسالة وسائر المعارف.

وفي الحديث أنّ طائفة من أمّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إذا أوردوهم في النار ونظروا إلى "مالك" (خازن جهنم) نسوا اسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هيبته مع أنّهم من أهل الإيمان، كما هو في نفس ذلك الحديث.

* كنت سمعه وبصره

قال المحدّث العظيم الشأن المجلسي رحمه الله في مرآة العقول في شرح الحديث الشريف: (كنت سمعه وبصره) ما حاصله أنّ من لم يصرف بصره وسمعه وسائر أعضائه في سبيل إطاعة الحقّ تعالى لم يكن له بصر وسمع روحانيّان، وهذا البصر والسمع الملكيان الجسمانيان لا ينقلان إلى ذاك العالم، ويكون الإنسان في عالم القبر والقيامة بلا سمع وبلا بصر. والميزان في السؤال والجواب في القبر تلك الأعضاء الروحانية.

والأحاديث الشريفة في هذا النحو من الطمأنينة وآثارها كثيرة، ومن هذه الجهة أُمر بترتيل القرآن الشريف، وفي الحديث: عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول: "من نسي سورة من القرآن مُثّلَت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة، فإذا رآها قال: من أنتِ؟ ما أحسنك! ليتكِ لي، فتقول: أما تعرفني؟ أنا سورة كذا وكذا، لو لم تنسني لرفعتك إلى هذا المكان"(2).

وفي الحديث الشريف: "ما من شيء أحبّ إلى الله عزّ وجل من عمل يداوم عليه وإن قلّ"(3). ولعلّ السرّ العمدة فيه أنّه مع المداومة يكون العمل صورة باطنيّة للقلب، كما ذكرنا.


(*) الآداب المعنوية للصلاة، الإمام الخميني، في بيان الطمأنينة من ص (47-50).
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج90، ص158.
2.الوافي، الفيض الكاشاني، ج9، ص1713.
3.(م.ن)، ج4، ص357.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع