مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مصباح الولاية: النجاة من غائلة المال



لا نجاة من غائلة المال إلاَّ بالمحافظة على أمور:
الأوَّل أن يعرف مقصود المالِ وأنَّه لماذا خلق وأنه لم يحتجْ إليه حتَّى يكتسب ولا يحفظ إلاَّ بقدر حاجته.
والثاني أن يراعي جهة دخل المال فيجتنب الحرام المحض وما الغالب عليه الحرام ويجتنب الجهات المكروهة القادحة في المروة.
والثالث أن يراعي جهة الخرج ويقتصد في الإنفاق غير مبذر ولا مقتر قال الله تعالى:  ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وفي الحديث النبوي "ما عال من اقتصد".
والرابع أن يضع ما اكتسبه من حلّه في حقه ولا يضعه في غير حقه فإن الإثم في الأخذ من غير حقّه والوضع في غير حقه سواء.
والخامس أن يصلح نيته في الأخذ والترك والإنفاق والإمساك، فيأخذ ما يأخذ ليستعين به على العبادة ويترك ما يترك زهداً فيه واستحقاراً له، وإذا فعل ذلك لم يضرّه وجود المال.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "لو أن رجلاً أخذ جميع ما في الأرض وأراد به وجه الله فهو زاهد، ولو أنه ترك الجميع ولم يرد وجه الله فليس بزاهد".

إن قيل: أيهما أفضل الغنى بنية الاستعانة على العبادة أم الفقر بنية التفرغ لها؟
قلنا: الأفضل منهما ما لا يشغل العبد عن الله، فإن كان الفقر يشغله عن الله فالغنى أولى به، وإن كان الغنى يشغله عن الله فالفقر أولى به، وذلك لأن فضل الفقر والغنى بحسب عدم تعلق القلب بالمال وفقده، فإن تساويا فيه تساوت درجتهما إلا أن هذا مزلة الأقدام وموضع الغرور، فإن الغني ربما يظن أنه منقطع القلب عن المال ويكون حبّه دفيناً في باطنه وهو لا يشعر به، وإنما يشعر به إذا فقده فليجرب نفسه، وهذا حال كل الأغنياء إلا الأنبياء والأولياء، وإذا كان ذلك محالاً وبعيداً فلنطلق القول بأن الفقر أصلح لجميع الخلق وأفضل، لأنّ علاقة الفقير وأنسه بالدنيا أضعف غالباً وبقدر ضعف علاقته يتضاعف ثواب تسبيحاته وعبادته، فإن حركات اللسان والأبدان ليست مرادة لأعيانها بل ليتأكد بها الأنس بالمذكور ولا يكون تأثيره في آثار الأنس في قلب فارغ من غير المذكور كتأثيره في قلب فارغ من غير المذكور كتأثيره في قلب مشغول، ولهذا ورد في فضل الفقراء على الأغنياء على الإطلاق ما ورد، ثمّ ليس معنى الفقر أن لا يملك شيئاً البتة.

قال الصادق عليه السلام في كلام له مع الصوفية: "ثم علم الله نبيّه كيف ينفق وذلك. إنه كانت عنده صلى الله عليه وآله وسلم أوقية من الذهب فكره أن يبيت عنده فتصدّق بها فأصبح وليس عنده شيء، وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السَّائل واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيماً رفيقاً صلى الله عليه وآله وسلم فأدّب الله نبيّه بأمره فقال:﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ـ يقول: إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال ـ قال: ثمّ من علمتم بعده في فضله وزهده سلمان الفارسي وأبو ذر رضي الله عنهما.

فأمَّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنة حتى يحضر عطاءه من قابل، فقيل له: يا أبا عبدالله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غداً فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النّفس قد تلتات على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
وأمَّا أبو ذرّ فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم فيقسمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضّل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء؟ وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئاً البتة كما تأمرون النَّاس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم.

واعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوماً: ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له، وكلّ ما يصنع الله به فهو خير له، وصدق إمامنا الصادق عليه السلام.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع