نانسي عمر
في عصرٍ باتت فيه التكنولوجيا المسيطر الأبرز على عقول
الناس، وأصبحت فيه الشاشات تحتكر أنظارهم، صار الفضاء الافتراضيّ عالماً نعيش فيه
بكلّ تفاصيل حياتنا، نعرف منه أخبار الناس من حولنا -القريب منهم والبعيد- ونتواصل
معهم، نراقب الأوضاع الأمنية والسياسية، نقيّم الأحداث، ونشارك الآراء والأفكار...
* ساحة حرب حقيقيّة
أضحى العالم الافتراضيّ منطلقاً للثورات ومركزاً للجبهات والجبهات المضادة، ليكون
سلاحاً فعّالاً موجّهاً ضدّ أيّ مشروع لا يعجب روّاد وسائل التواصل، فصاروا
يتقاذفون التّهم، يطلقون الإشاعات، ينشرون الأخبار والصور، ويقيمون حرب "الهاشتاغ"
ضدّ هذا أو ذاك.
من هنا أصبح العالم الافتراضيّ ساحة حرب حقيقية، قادَتُها ناشطون، لهم عدد كبير من
المتابعين، الذين يشكّلون الجنود في هذه الحرب. أمّا أسلحتها المستخدمة فـ"هاشتاغ"
من هنا، و"بوست" من هناك، و"تغريدة" من مكان آخر، لكلّ منها فعاليته ودقّته في
الإصابة، لتشتعل بعدها حرب التعليقات، وتنتقل المعركة إلى الإعلام المرئيّ والمسموع
والمكتوب، الذي بات يعتمد على صفحات التواصل المختلفة ويتابع نشاطها ساعة بساعة،
ليستفيد منها إمّا في تقييم الأحداث وتفاعل الناس معها، أو في تجييش الجمهور وإشعال
الفتن. كما إنّ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية حول العالم باتت تعتمد عليها في
خططها وتحقيقاتها وعمليّاتها الأمنيّة.
* التصدّي للإشاعات
من جهة أخرى كان للإعلام الإلكترونيّ دور كبير في التصدّي للإشاعات المغرضة التي
كان يطلقها الأعداء في حروبهم ضد الشعوب المضطهدة، منها ما شهدناه في الحروب
الدائرة في سوريا والعراق واليمن، وفي المظاهرات التي كان يقوم بها المستضعفون في
السعودية والبحرين وغيرهما من الدول الاسلامية، حيث أشاع الأعداء فكرة مغلوطة عن
الشعوب المظلومة التي تدافع عن حقوقها، وبيَّن المتصدّون لهم من ناشطين على وسائل
التواصل كذبهم وتلفيقهم، وما يجري فعلاً على الأرض. كما تمكّنوا من فضح الحسابات
والمواقع الإلكترونية الوهمية، وكشف حقيقة العدوان المذهبيّ والطائفيّ على الشعوب
المسلمة حول العالم.
* القائد ومواجهة الأعداء
ونظراً إلى أهمية العالم الافتراضيّ، خصوصاً على الصعيدين السياسيّ والأمنيّ، كان
لسماحة القائد الإمام السيّد علي الخامنئيّ دام ظله كلام من ذهب؛ إذ نبّه في العديد
من خطاباته إلى خطورة الانجرار نحو ما يريده الأعداء من هذا الفضاء، وأكّد فيه
أهمية الاستفادة من هذا العالم، عبر فتح جبهات مجازية تتصدى لجبهات أعداء الإسلام،
أولئك الذين يتربّصون بنا، وينتظرون منّا الاستسلام والخضوع، حتى في الساحات
الافتراضية التي هم قيِّمون عليها ومسيطرون على منشئيها ماديّاً وفكريّاً.
* صحراء العالم الافتراضيّ
يعتبر السيد القائد دام ظلهأن الفضاء الافتراضيّ اليوم هو صحراء لا نهاية لها ويمكن
التحرّك فيها من كلّ الجهات، ويؤكّد أن أول مَن يجب أن يقف في وجه أعمال العدو
الهادفة إلى حرف أذهان الشباب هو المجتمع العلميّ والدينيّ؛ إذ يقول القائد دام ظله
في أحد خطاباته: "يجب أن نعرف حاجات المجتمع اليوم، فالأعداء ينفقون أموالاً طائلة
ليتمكّنوا من تغيير ذهن الشباب المسلم المؤمن وحرفه عن أصل الدين، ولذلك يختلقون
الشبهات بشكل دائم... وإنّ مواجهة ذلك الشيء المتعلّق بالذهن والفكر والقلب لا يمكن
حلّه بالحركة والعمل الأمني والمخابراتيّ والعسكريّ، بل يحتاج إلى إدارة مناسبة،
وهنا تأتي مسؤوليّة علماء الدين.
إنْ كان عندنا علم وتمتّعنا بالتقوى والشجاعة اللّازمة، ولكننا لم نكن نعرف
مسؤوليّتنا وواجبنا، فإنّ العلم والتقوى والشجاعة وبقيّة المميّزات الإيجابية، لن
تنتج آثارها المتوقّعة ولن يكون لديها المردود اللازم".
* أدواتهم سلاحٌ لكم
يشير السيد القائد إلى أنّ للمجال الافتراضيّ منافع ومضارّ لا تُحصى، وفي حين
يستفيد العدو من منافعه بفتح جبهة حرب إعلامية مضلِّلة ضدنا، يجب علينا أن نستفيد
في الجهة المعاكسة، من خلال نشر المفاهيم والمعارف الإسلاميّة على مستوى العالم دون
أي مانع أو رادع، ما يربك الطرف المقابل فيحار ماذا يفعل.
واعتبر دام ظله أنّ مفهوم الهداية الدينيّة يعني "تبيين الأفكار الإسلامية
الأصيلة"، قائلاً: "إنّ هذه الساحة هي ساحة حرب حقيقية وينبغي للعلماء وطلبة
العلوم الدينية تسليح وإعداد أنفسهم للدخول إلى الساحة".
* وسائل لغرض السيطرة
في هذا السياق اعتبر سماحته الأدوات الحديثة في الفضاء الافتراضيّ أدوات لهندسة
المعلومات وسيطرة الغرب على ثقافة الشعوب، مشيراً إلى أنّه يمكن لهذه الأدوات أن
تكون مفيدة، ولكن ينبغي سلب سيطرة العدو عليها، والتصرف بحيث لا يتحوّل الفضاء
الافتراضي إلى وسيلة لنفوذ العدوّ وهيمنته الثقافيّة، وأضاف: "لا أحد يعارض استخدام
الفضاء الافتراضيّ، إنّما يجب علينا توفير الأرضيّة للاستخدام الصحيح، لا أن يترك
الفضاء الافتراضيّ لحاله من دون سيطرة".
* المجلس الأعلى للفضاء الافتراضيّ
أشار القائد دام ظله إلى الدور الكبير والمهمّ الذي يلعبه الشباب الجامعيّ
والمثقّف، الذين وصفهم بضبّاط هذه الحرب؛ أي أنّهم من يدير العمليات ميدانيّاً
ويقوم على إنجاحها، وأكّد ضرورة أن يعي الشباب أهمية دورهم وكيفية أدائه بالشكل
الصحيح. ولهذه الغاية أسّس المجلس الأعلى للفضاء الافتراضيّ، لكي يجتمع المسؤولون
ويركّزوا جهودهم وقراراتهم وإجراءاتهم لمواجهة هذه الحرب الكبرى.
* العالم الافتراضي: ساحة مكشوفة
بحسب الحاج عبد الله قصير (رئيس المجلس الأعلى لاتّحاد الإذاعات والقنوات
الإسلامية)، فإنّ العالم الافتراضيّ بات جزءاً من الأمن القوميّ للدول. فهذه
الساحات الافتراضية تحوّلت إلى إحدى أهمّ ساحات الحرب الناعمة والنفسية، التي
يستهدف فيها جيل الشباب باعتبارهم الأكثر حضوراً في هذه الساحات، في محاولة للتأثير
على منهج تفكيرهم. ويضيف: "هي ساحة مكشوفة لدى أجهزة المخابرات التي تستفيد من
حضورهم في هذه الساحة لتجمع أكبر كمّ من المعلومات. فجهاز الـCIA المخابراتيّ يعترف
بأن الـ"سوشيال ميديا" توفّر له أهم مصدر للمعلومات في هذا القرن".
ويؤكّد قصير على كلام القائد بوصفه للشباب الجامعيّ بأنهم ضبّاط يديرون الحرب
الناعمة في الساحات الافتراضية، ولكن هذه الإدارة -حسب قصير- بحاجة إلى تنسيق
وتعاون، ليكون الحضور في الساحة الافتراضيّة حضوراً هادفاً غير عشوائي، له أهداف
واضحة تنطلق من قيَمنا وثقافتنا ومعتقداتنا.
* الوحدة الإسلاميّة الإلكترونيّة
من جهة أخرى يشدّد قصير على أن يكون الشباب فعّالين غير منفعلين في استخدامهم
لوسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عبر تحويلها من ساحة تهدّد ثقافتنا ومجتمعنا وتخطف
عقول أطفالنا، إلى فرصة حقيقية لتحصين مجتمعنا وأطفالنا من الهجوم الثقافي الغربي،
لننتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الترويج لثقافتنا وقيَمنا، وبثّ آرائنا
ومعتقداتنا على مستوى العالم. مردفاً: "توجد مجموعة من المحظورات التي يجب أن
نتجنّبها، كعدم الخوض في سجالات ومشادّات كلامية لا جدوى منها، أو استخدام العبارات
النابية والشتم والكلام الجارح، أو الدخول في سجالات طائفيّة ومذهبيّة بما يخدم
أعداء الإسلام، فعدوّنا ليس من يختلف معنا في الرأي إنّما هو العدوّ الإسرائيلي ومن
خَلفه الإدارة الأميركية. وفي المقابل، يجب علينا الترويج لثقافتنا وقيمنا ومناصرة
أهلنا المستضعفين في كل مكان، والدفاع عن قضايانا وفي مقدّمها القضية الفلسطينية
التي يجب أن تكون الحاضر الأبرز في كل الساحات. وكذلك في محاربة الفكر الإرهابيّ
التكفيريّ وداعميه، وفضح الفتن والأضاليل والأكاذيب التي يبثها هؤلاء وأدواتهم.
ومجابهة كل ذلك يكون عبر الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، والتعاون، والتكامل،
والاتفاق على المشتركات وعلى رأسها قضية فلسطين".
يعتبر قصير أنّ "ثمة حاجة فعليّة لتدريب الإخوة والأخوات وتطوير أدائهم، ليصبحوا
قادة رأي فعليّين على وسائل التواصل، لذا لا بد من اكتساب مهارات معيّنة في الكتابة
الإبداعيّة وكيفيّة مخاطبة الجمهور والوصول إليه بشكلٍ سهل وفعّال".
والأهمّ -بحسب قصير- عدم الاكتفاء بالنشاط الافتراضيّ على وسائل التواصل، بل بتحويل
هذا النشاط إلى نشاط حقيقيّ على أرض الواقع، لأنّ اختبار المصداقيّة والفاعليّة يتم
عبر النشاط الفعليّ، من خلال التقاء الناشطين في الساحة الواقعيّة وإقامة نشاطات
تخدم القضيّة، كما في قضيّة عاشوراء وقبلها في نُصرة أهلنا في اليمن والبحرين
وفلسطين..
* الـ"نحن" وليس الـ"أنا"
أخيراً، حثّ الحاج عبد الله قصير الشباب على أن تكون لديهم نظرة استراتيجيّة واعية
تقرأ خلف الظاهر في هذه الساحات، وتدرك خطورتها على المستويَيْن الأمني والسياسي.
لهذا يجب عليهم أن يفكروا جيّداً قبل أن يكتبوا أو ينشروا أيّ معلومة أو صورة أو
رأي على وسائل التواصل المختلفة؛ لأنها مراقَبة ومرصودة من قبل أجهزة الاستخبارات
العالمية، التي ستستفيد حتماً من كشف ساحتنا. كما أكّد على ضرورة التعاطي في هذه
الساحة من موقع مسؤول ومن جانب الـ"نحن" وليس الـ"أنا"؛ لأنّ العمل الفرديّ تبقى
فاعليّته ضئيلة أمام العمل الجماعي المنظَّم والمنسَّق. ودعا الشباب إلى عدم
الاكتفاء بالمجال الضيّق والانتقال إلى الرصد على مستوى العالم؛ لأن الساحة مفتوحة
عالميّاً، ونحن نطمح لأن يكون تأثيرنا عالميّاً وليس محليّاً أو عربيّاً فقط.