إعداد: إبراهيم منصور
* من أجمل الإيهام
ليس جميلاً أن يوهِم الإنسان غيره بفكرة معيّنة أو بأي شيء، إذ المصارحة والتعبير المباشر أجدى وأنفع. ولكن بعض الإيهام جميل، كقول عقيل بن أبي طالب، لما طلب إليه معاوية أن يُعلن سبَّ أخيه علي عليه السلام، فصعد عقيل المنبر وقال: "أمرني معاوية أن أسبّ عليّاً، ألا فالعنوه".
وهذا الإيهام جاء من اشتراك عوْد الضمير، فأظهر عقيل أنه استجاب لدعوة معاوية، وإنما قصد لعنَهُ هو.
ومثلُ هذا جواب من سئل: "من أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده؟". فأجاب: "من بِنْتُه في بيته"1
* تعريف فلسفي للنَّغم
جاء في شرح رسالة ابن زيدون لسلطان المتأدّبين ابن نباتة ما نصّه: النغم فضلٌ بقي من المنطق (النّطق) لم يقدر الّلسان على إخراجه، فاستخرجته الفطرة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع. فلمّا ظهر عشقتْه النفس وحنّ إليه القلب 2.
* من أجمل الردود
تنقل الكتب التاريخية أنَّ ابن كوار (وهو من الخوارج) كان يقرأ هذه الآية، في المسجد، عندما كان الإمام علي عليه السلام يصلي بالناس:
﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(الزمر:65). كان هذا الخارجيُّ يقصد أن الإمام عليّاً عليه السلام قد أصبح مشركاً وكافراً، وقد حبطت أعماله، لقبوله بالتحكيم في معركة صفّين. وكان أمير المؤمنين عليه السلام يكظم غيظه، ويردُّ على الخارجيّ بالآية الشريفة: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الروم:60).
* من جمال اللغة
الدّبجُ: النّفش والتزيين، أصله فارسي معرّب. وقد ارتاح العرب لهذه المفردة فأسلكوها في نظام لغتهم، وأنزلوها منازلها الاشتقاقيّة، واستعملوها في الحقيقة والمجاز، فقالوا: دبَّج المطرُ الأرض دبْجاً، أي روَّضها (جعلها روضة زاهية). كما اشتقّوا منه الديباج، وهو ضرْبٌ من الثياب3.
* من أجمل ما قيل في الإمام عليّ عليه السلام
من أجمل ما قيل في هذا الإمام العظيم الذي لا نظير له، في الخلق، سوى النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ما قاله المفكّر والباحث عبّاس محمود العقاد: "ولد عليّ عليه السلام في داخل الكعبة، وكرَّم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنما كان ميلادُه، ثَمَّة، إيذاناً بعهدٍ جديد للكعبة وللعبادة فيها...
بل قد وُلد مسلماً على التحقيق، إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح؛ لأنّه فتح عينيه على الإسلام، ولم يعرف، قطُّ، عبادة الأصنام.
فهو قد تربَّى في البيت الذي خرجَتْ منه الدعوة الإسلامية، وعرف العبادة من صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه الطاهرة (خديجة)، قبل أن يعرفها من صلاة أبيه وأُمِّه. وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة قرابة مضاعفة ومحبَّة أوثق من محبَّة القرابة. فكان ابن عمِّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وربيبه الذي نشأ في بيته ونَعَمَ بعطفه وبِرِّه.
وبحقّ ما يُقال إنّ عليّاً عليه السلام كان المسلمَ الخالص على سجيَّته المُثْلَى، وإنّ الدينَ الجديد لم يعرفْ، قطُّ، أصدقَ إسلاماً منه، ولا أعمقَ نفاذاً فيه"! 4.
* من فوائد اللغة
لا جَرَمَ: قال تعالى: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ (النحل:23).
وقد جاء في كتاب "جامع الدروس العربية"، في معنى "لا جَرمَ" وإعرابها: الفتح هو الغالب (جرمَ)، ووجه الفتح أن تجعل ما بعد أنّ مؤوَّلاً بمصدر مرفوع لجرمَ. وجَرَمَ، معناهُ: حقَّ وثبُتَ. وأصل الجَرْم: القطعُ، فعِلْمُ الله بالأشياء مقطوعٌ به لأنه حقٌّ ثابت 5.
* مفردات ثريَّة بالمعاني
في اللغة العربية كثيرٌ من المفردات التي لكلٍّ منها معانٍ كثيرة ومختلفة اختلافاً بيِّناً، ممَّا لا نكاد نرى له مثيلاً في اللغات الأخرى، والله أعلم. ومن هذه المفردات: القُطْرُب: فِعْلُه: قَطْرَبَ، بمعنى أَسرَعَ، وقَطْرَبَهُ: صَرَعَهُ. وعلى هذا فالقُطرُب هو المصروع.
ومن معانيه: دويبة لا تستريح من الحركة، أو هي التي تُضيء في الليل، كأنها شعلة. والقُطْرُبُ هو الذئب الأمعط، وهو ذَكَرُ الغيلان، والصغيرُ من الكلاب، والصِّغارُ من الجنّ، واللص، والجاهل، والسفيه، والجبان.
والقُطربُ مرضٌ من أمراض الدماغ، وكذلك هو نبات شائكٌ يحملُ حَبّاً يلتصق بمن يمرُّ به 6.
* من أمثال العرب
"كَمُبْتغِي الصيْدِ في عِرِّيَّةِ الأسد".
العِرِّيَّة (وكذا العِرِّين): مأوى الأسد. يُضرَبُ هذا المثل لمن يطلب الحاجة في غير موضعها، حيث يُغلَب على أمره، ويعود خائباً نادماً، هذا إذا عاد!
* من أجمل الحديث
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي لا أتخوَّف على أُمَّتي مؤمناً ولا مشركاً، أمّا المؤمن فيحجزُه إيمانُه، وأمّا المشرك فيقمعُه كفرُه. ولكنْ أتخوَّف عليكم منافقاً عالمَ اللسان يقول ما تعرفون، ويعملُ ما تُنكرون" 7.
* من جذور الكلام
"عدسة العين": هي ذلك الغشاء الرقيق الذي يدخل منه النور إلى داخل العين، وينعكس على الشبكيَّة. أمَّا أصلُ هذه التسمية فهو حبّةُ العدس، وذلك لأنّ الطبيب الروماني القديم "روفوس" الذي ازدهر حوالي سنة 800 م. كان له أبحاث ناجحة في العين، وقد أتى بأسماء لأجزاء العين لا تزال سائدة إلى يومنا هذا. فهو الذي ابتدع كلمة "عدسة"، كما رآها عند التشريح، فإنّ هذا الجزء من العين بدا له كحبَّة العدس.
* التقارُب لفظاً ومعنًى
من الأفعال التي تتقارب في الشبَه بين رسمها ومعناها: "زاغ" و"راغ"، فمعنى "زاغ" مالَ وجار، يُقال: زاغَ البصر، إذا انحرف واضطرب. ومعنى "راغ": مال وحاد عن الطريق مكراً وخديعة. وطريقٌ رائغ هو طريق مائل. واستُعيرَ منه المراوغة، وهي المَيْل عن الحقّ. وبهذا المعنى قولُ الشاعر:
يُعطيكَ من طرف اللسانِ حلاوةً |
|
|
وغَداً يروغُ كما يروغُ الثعلبُ |
* من الأضداد
ـ نَذَرَ الشيءُ: قلَّ وجودُه ونَدَرَ السيفُ من يده: سقَطَ. ونوادرُ الكلام: غرائبُه، وما شذَّ منه، وما كان منه فصيحاً مُستجاداً، فهو من الأضداد؛ إذ يجمع بين الساقط الشاذّ، وبين الفصيح النادر.
ـ الصَّبَبُ: صبَّ الماءَ ونحوه: أراقَه وسكبَه، فالصبَبُ، هو الكْبُّ والانحدار والغَوْر. ويُقال: صبَّتِ الحيَّةُ عليه: إذا ارتفعت فانصبَّتْ عليه من فوق. فالصبَبُ، هنا: الارتفاع والمساورة، أي الانقضاض، فمن هنا كان التضادّ. وقولُه تعالى:
﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ (الفجر: 13)، أي: أنزل عليهم عذابه.
1- مطارح الأنظار، الشيخ الأنصاري، ص225.
2- الواسطة في معرفة أحوال مالطة، أحمد فارس الشدياق، ص54.
3- لسان العرب، ابن منظور، ج2، ص262
4- العبقريَّات الإسلامية، عبّاس محمود العقّاد، ص 67 و 676.
5- جامع الدروس العربية، الغلاييني، ص 324.
6- المواكب، جبران خليل جبران، ص 5.
7- ميزان الحكمة، الريشهري،ج4، ص 3341