الشيخ حسين كوراني
البعد السياسي في العلاقة ب"صاحب الأمر" شديد الثراء،
وافر الدلالات...
* وهنا نقطتان:
الأولى: موقع السياسة من الدين. والثانية: مقتضيات ذلك.
* أما في الأولى...
فإنّ السياسة التي هي التدبير هي الدين نفسه... فاللَّه الذي "يدّبر الأمر" بعث
الأنبياء وأقام الأوصياء، ليقوم الناس بالقسط، ولم تعرف البشرية السياسة، إلا في
هدى الأنبياء وأوصيائهم... وكل ما يدعى أنه سياسة، مما كان خارج هذا المسار، ليس
إلا خبط عشواء... من هنا كان الفصل بين الدين والسياسة مستحيلاً استحالة الفصل بين
الشيء ونفسه... إما أن نعتقد بوجود دين يساس الخلق على أساسه، أو فالتنكر للدين
جذرياً... وهل الدين إلا قلب نابض بأسمى القيم وأنبل الأحاسيس والمشاعر؟... وما
معنى "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"؟ على هذا الأساس، لم تنفصل
المرجعية الدينية يوماً عن المرجعية السياسية. وقد كان كل نبي يجسِّد المرجعية
الدينية التي هي السياسة الحقيقية لا المدعاة... ولذلك كان الطواغيت عبر القرون،
الهدف الأول للخطاب الديني... على قاعدة
﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾
(طه: 43). ولم تخلُ الأرض يوماً من حجة للَّه تعالى على الناس... ولا يمكن
أن تخلو... وهو يعني أن المرجعية الدينية، أو فقل السياسية، ليست فحسب من العناصر
الرئيسة التي تتكون منها الحياة، بل هي بإذن اللَّه سبحانه العنصر الأساس، التي
تتوقف عليه مكونات الحياة التي نعرفها عادة، من الماء والهواء والنور.
ينبغي التفريق بوضوح بين أهمية ما يدل عليه
﴿سخَّر لكم﴾ وبين أهمية المخاطب ب"لكم"،
لندرك أن الإنسان أكثر أهمية من الماء ونظائره، فهذه مكونات الحياة، والحياة بدورها
تكتسب أهميتها من الإنسان "الحي" بإذن اللَّه. ولا تكون هذه الحياة حقيقية، إلا
بالهدى الإلهي المستلزم لوجود "الحجة" ولو غائباً، تصل أشعة نوره إلى القلوب، كما
تصل أشعة الشمس وقد "غيبها عن الأنظار السحاب".
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ،كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ
لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا
﴾ (الأنعام: 122) وكما لا تتحقق الحياة في زمن النبي إلا باتباعه،
فكذلك الأمر في زمن الوصي. وما عدا ذلك و"التعطيل" من سنخ واحد.
* وأما في الثانية... المقتضيات... فأقف عند ما يلي:
أولاً: إن من أوضح مقتضيات العلاقة ب"صاحب
الأمر" في البعد السياسي، الالتزام بمبدأ ولاية الفقيه... بالمقدمات التالية:
1 - ضرورة وجود المرجعية الدينية السياسية، في زمن الغيبة، لأن عدم وجود هذا
الإطار، نقض للهدف من وجود الدين، وخروج بلا دليل، ومن دون أدنى سبب يعقل، من
المسار الديني من آدم عليه السبلام إلى الخاتم صلى الله عليه وآله. وهو بالتالي نسف
لحقيقة أن الأرض لا تخلو من حجة، التي تقع في سياق "لئلا يكون للناس على اللَّه
حجة"، وهو بعدُ والعبثية سواء.
2 - إن تحديد هذه المرجعية، بالفقيه المتولي لإدارة "الأمر" بالنيابة عن صاحب
الأمر" هو من الوضوح بحيث لا يعدو التشكيك فيه إلا لوناً من ألوان التحريف
والتجديف، كما هو شأن ادعاء الفصل بين الدين والسياسة.
3 - يؤكد هذه الحقيقة إجماع الفقهاء، على أن للفقيه في زمن الغيبة، ولاية القضاء،
التي تعني إقامة الحدود عند بسط اليد، وهو ما يعني أن الفقيه هو المرجعية الدينية
السياسية... فليس الفارق بين إقامة الحدود وغيره بالحجم المتصور عادة، خصوصاً إذا
أدخلنا في الحساب حكم المنكر للحدود، الذي ينبغي أن يقيم عليه الفقيه الحد.
ثانياً: من تجليات البعد السياسي به عليه
السلام من خلال الفقيه الولي، الإنتماء السياسي إلى "صاحب الأمر عجل الله فرجه". لا
علاقة حقيقية فاعلة بالولي الفقيه، إلا على قاعدة الاستحضار الدائم للإنتماء إلى
"صاحب الأمر" أرواحنا فداه... وإلا فهي علاقة عابرة... والعبرة بالنتائج.
ثالثاً: ما تقدَّم يفرض تظهير كل التعابير
التي تؤكد هذا الانتماء في كل مجالات العمل الحركي، تربوياً كان أم تبليغياً، ولا
سيما في وسائل الإعلام...