الشهيد السيد عباس الموسوي قدس سره
من خلال مناسبة الغدير نطلُّ على واقع عاشه المسلمون في
الصدر الأول للدعوة الإسلاميّة. لقد كانت الناس تصلّي مع رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، ومنهم من اكتسب رتبة صحابيّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من
قدّم روحه على هذا الطريق: جاهدوا، وقاتلوا، وخاضوا المعارك ونصروا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في أشدّ الحالات، ثم جاء يوم الغدير في حجّة الوداع، وكان في
آخر عام عاشه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الناس.
*إكمال الدين وإتمام النعمة
جمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الناس الذين كانوا في حجّ بيت الله الحرام،
وقال لهم مسألة بعبارات بسيطة جدّاً، لكن هذه المسألة وجعلها الله تبارك وتعالى في
كتابه المجيد إكمالاً للدين وإتماماً للنعمة، وأكّد عليها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في توجيهاته. وكان ذلك اليوم الذي نُصّب فيه عليُّ بن أبي طالب خليفة على
المسلمين.
في ذلك اليوم أنهى المسلمون عبادة عظيمة اسمها حجّ بيت الله الحرام. أهل المدينة
الذين أطلق عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسم "الأنصار"، وأهل مكة الذين
سمّاهم صلى الله عليه وآله وسلم "المهاجرين"، وكلّهم كانوا يخدمون رسالة الله
تعالى، وضعهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمام اختبار صعب هو اختبار الولاية،
التي نزلت فيها الآيات القرآنية في ذاك اليوم:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (المائدة: 3)، إكمال الدين، إتمام النعمة، ارتضاء الإسلام
ديناً بعَليّ بن أبي طالب عليه السلام.
*الولاية الركن الأهم
أراد الله تبارك وتعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من خلال ذلك أن
يثبّتا مسألة أساسيّة ليس في أذهان الصحابة فحسب؛ بل على امتداد التاريخ جيلاً بعد
جيل: أنّ الصلاة ركن من أركان الدين، وأنّ الصوم ركن أساسٌ أيضاً، والحج، والجهاد،
والقتال في سبيل الله من أركان الدين، لكنّ الأهم من ذلك كلّه، أيُّها الناس، أن
تؤمنوا بالولاية. طبعاً، ليس المقصود من الولاية التي يُحب أن يفهمها البعض أننا مع
ولاية عليّ عليه السلام، لكنّنا لسنا مع ولاية الحسن بن عليّ عليه السلام، وإذا
كنّا مع ولاية الحسن بن علي عليه السلام لسنا مع ولاية الحسين بن عليّ عليه السلام،
وهكذا حتى تصل الكرَّة أننا مع ولاية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إذا
جاء لكننا لسنا مع ولاية نائب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
*الولاية بمعناها العام
فالولاية التي هي إتمام نعمة وإكمال دين هي الولاية بمعناها العام سواءً كانت ولاية
المعصوم، أو ولاية الفقيه التي تقوم مقام ولاية المعصوم. ولذلك لا فرق أبداً بين
الذين قالوا يوماً من الأيام: نحن مع ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
لكنّنا لسنا مع ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام وبين مَن يقول: نحن مع ولاية
الإمام المهديّ إذا خرج، ولسنا مع ولاية نائبه بالحق الإمام الخمينيّ!! هذا مصيره
كمصير ذاك تماماً، لا فرق.
كثيرون من المسلمين كانوا يحتجّون ويستنكرون على عليّ عليه السلام، وكان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، في بعض الحالات، يعنِّفهم: ماذا فعل لكم عليّ عليه
السلام؟ عليّ بن أبي طالب عليه السلام الكرّار غير الفرار في معركة خيبر، عليّ بن
أبي طالب عليه السلام نصف المعركة في بدر وكلّ المعركة في أُحد، عليّ بن أبي طالب
عليه السلام وحده في معركة الأحزاب، كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام كلّ شيء في
حياة المسلمين، ثمّ يأتي رجلٌ ليقول: عليّ عليه السلام ليس بشيء، حتّى يحقّق مآربه
الشخصية.
*الغدير يحدّد مصير الأمّة
يوم الغدير، هذا اليوم السياسيّ الكبير عند المسلمين، هو أفضل يوم، لأنّه يُحدِّد
مصير الأمة بأكملها، فإذا كنت مع الولاية، فأنت على الصراط المستقيم. فمن خلال هذه
الولاية -أيها المسلمون- نستطيع أن نعرف مواقع أقدامنا إلى آخر الطريق، وكلّ خطوة
من خطواتنا من خلال هذا الدليل.
الوليّ المعصوم أو الوليّ الفقيه وحده الذي يقلب كلّ المعادلات. أتمنّى عليكم أن
ترسموا هذه الصورة في أذهانكم: لو التزم المسلمون بمضمون الغدير وجاء عليّ بن أبي
طالب عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ الحسن عليه السلام، ثمّ
الحسين عليه السلام، ثمّ عليّ بن الحسين عليه السلام، ثمّ الباقر عليه السلام، ثمّ
الصادق عليه السلام، ثمّ الكاظم عليه السلام، وهكذا ثلاثة عشر معصوماً. رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام وأبناء عليّ عليهم السلام ثلاثة عشر
معصوماً يتناوبون على ولاية وخلافة المسلمين، كيف سيكون المسار في هذه الدنيا؟ فقط
في ثلاثة وعشرين عاماً بنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجد أمة بكاملها. لو
قُدِّر للأئمة المعصومين عليهم السلام الذين يمتازون بمواصفات رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، ويمتازون بكفاءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يتسلّموا
الحكم لحكموا أكثر من ثلاثة أو أربعة قرون، كيف كان سيتّجه الوضع السياسيّ والوضع
العقائديّ لكل الناس؟
أيضاً في عصرنا الحاضر عندما يتوجّه كل المسلمين في العالم إلى الإيمان بولاية
وقيادة الإمام الخمينيّ قدس سره، الإمام الذي وضع نفسه وما يملك من قدرات شعب
بكامله في إيران، في خدمة الإسلام لرفع كلمة "لا إله إلّا الله، محمد رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم". عندما يتّبع كل المسلمين في العالم هذه القيادة، سترفرف راية
الإسلام في كل مكانٍ في العالم.
*الاستكبار في موقع الاستنفار
الإسلام ليس فقط صلاة وصوماً. الإسلام من خلال يوم الغدير بيّن أنّ موضوع القيادة
هو الأساس. فعندما جاءنا قائدٌ حكيم، صلب الإرادة، قويّ العزيمة، لا يخاف في الله
لومة لائم، يريد للإسلام أن ينتصر، وأن يكون عزيزاً في كل العالم، صار كل الاستكبار
العالميّ في موقع الاستنفار والخوف. وقد عبّر [ميخائيل] غورباتشوف زعيم الاتحاد
السوفييتي، عن ذلك في قوله: لا يجوز أن يبقى هذا الشعور، شعور الانتصار، عند
المسلمين: انتصار الشعب الأفغانيّ على الاتحاد السوفييتيّ، والشعب المسلم في إيران،
وفي لبنان أن يشعر المسلم أنّه انتصر على أمريكا. هذا الشعور يجب أن لا يبقى، ويجب
أن يُقضى عليه.
لكن مَنِ الذي صنع هذا الشعور؟ لقد صنع هذا الشعور العزيز والقويّ صوت الإمام
الخمينيّ قدس سره، صوت القيادة الحكيمة. ولذلك، يخاف الاستكبار العالمي اليوم من
الإسلام الذي يزحف عبر هذه القيادة الحكيمة، قيادة الإمام الخميني قدس سره.
(*) خطبة جمعة ألقاها سماحته قدس سره في تاريخ: 5-8-1988م.