افتتحت صفحات كتاب البشرية في مشهدٍ عظيم. وخرج إبليس مدحوراً بعد أن طبل: خلقتني من نار وخلقته من طين. واستعلى واستكبر حيث نظر بعين جهله إلى مقام الترابية والطين وعميَ عن مقام علم الأسماء. ومنذ ذلك الحين والمشهد نفسه يتكرر صانعاً من ابن آدم ولياً مقرباً أو عدواً مبعداً.
لعلنا لا نجد في امتحانات البشرية وابتلاءاتها امتحاناً أعظم من موقع الخضوع لمثل ﴿قل إنما أنا بشرٌ مثلكم﴾ تحت مرتبة ﴿وإنّك لعلى خلُق عظيم﴾. وهذا الإنسان المتمرد يأبى أن ينصاع لأوامر الفطرة الأصيلة فيلتحق بركب السالكين نحو الجمال المطلق، ويرفض أن يدخل في ساحة الولاية الحقة التي تقع على رأس الأعمال. وعندما نقرأ الحديث: "بني الإسلام على خمس الصلاة والصوم والحج والزكاة والولاية وما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية".
الولاية التي جعلت في أحد معانيها عملاً عبادياً مقدساً يقف على رأس الأعمال والطاعات فيعطيها قيمتها الحقيقية.
فهو الخضوع وترك الأنا وهجران الشرك المحبط للعمل والمبطل للعبادة. وهو صلاح الدين والدنيا ونظام الملّة به تحفظ أركان الدين ومعالمه.
ولم يكن يوم الغدير الأكبر بعيداً عن يوم سجود الملائكة وسقوط إبليس. فهناك سجدت ملائكة الطاعة وخرجت الأبالسة شاهرة سيف المحاربة على أمير المؤمنين ويعسوب الدين.
في هذا الشهر تعود إلى القلوب فجائع الأحزان تختصرها ذكرى الرابع من حزيران حيث التحق سيد جمران بالأولياء العظام يقف في جوارهم معلماً للأسماء ناظراً إلى سجود الأرضيين في محضر سيد حسيني قد جعله أهلاً للقيادة.