مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام القائد: معنى المجتمع الإسلامي‏




إن المجتمع الإسلامي هو تلك الجماعة التي ترجع في حاكميتها إلى اللَّه، فهو مصدر تشريعها، ومقنن قوانينها فقوانين هذه الجماعة، قوانين إلهية، وحدود اللَّه هي الجارية والذي يعين القائد أو يعزله هو اللَّه، فإذا تصورنا المجتمع على شكل هرم كما يشاء بعض علماء الاجتماع، فإن دين اللَّه سبحانه وتعالى هو قمة الهرم، وقاعدته هي الجماعة المسلمة، والذي يوجد الجماعة والتشكيلات هو دين اللَّه، والقرار الرباني هو الذي يحدد وقت الصلح والسلام، أو الحرب والقتال، كما أن دين اللَّه هو الذي يعين الروابط الاجتماعية والاقتصادية وهو الذي يشكل الحكومة، ويحدد الحقوق، وكل شي‏ء على الإطلاق يمر من خلال دين اللَّه وشريعته ورسالته، وعلى الجميع أن يتبعوا المنهج الذي يرسمه دين اللَّه، هذا هو المجتمع الإسلامي.

* مجتمع الرسول الإسلامي‏
عندما جاء الرسول إلى المدينة أُسس المجتمع الإسلامي، واللَّه سبحانه وتعالى هو الحاكم على هذا المجتمع، ومن الناحية العملية والتنفيذية، كان المنفذ والحاكم الفعلي هو خليفة اللَّه ووليه وهو الرسول، فكان يضع أو ينفذ المقررات الإلهية، وكان هو المسؤول عن هداية الناس، وقيادتهم، وإدارتهم، وكان كل شي‏ء من اللَّه سبحانه وتعالى في هذا المجتمع، فصلاة الجماعة كانت تقام، وتعقبها خطبة الرسول صلى الله عليه وآله أو نداء للقتال لا فرق بين الاثنين.

* التكامل بين مجتمع الرسول وبين المسجد
كان الرسول يقوم إماماً للصلاة في المسجد، ثم يرتقي المنبر للموعظة والوصية بالتقوى والتربية وتزكية النفس، وفي نفس المسجد يؤتى براية الجهاد ليضعها الرسول بيد أُسامة بن زيد أو بيد قائد كفؤ آخر، ثم يقول انطلقوا على اسم اللَّه، ثم يصدر أوامره التي تنتهي إلى انتصار المسلمين على أعدائهم، وفي نفس هذا المسجد كان الرسول يقيم الحدود الإلهية ويجريها، ويقضي بين الناس ويحل مشاكلهم، ويرفع نزاعاتهم. وكان المسجد هو مكان إدارة الأعمال، ودراسة المسائل الاقتصادية، تجمع الزكاة في المسجد، وتوزع منه، الدرس في المسجد والصلاة والدعاء والعبادة، كان نشيد القتال يردد "فضلاً فضلاً في المسجد"، ولا تُدرس أمور الثروة والاقتصاد إلا في المسجد، ولم تجد أمور الدنيا والآخرة مكاناً تُتداول فيه غير المسجد، فكلها تشكل كياناً واحداً في وعاء واحد هو بيت اللَّه وتحت قيادة الرسول هذا هو المجتمع الإسلامي.

* المجتمع الإسلامي مصنع لإعداد الإنسان المتكامل‏

إنما جاء الأنبياء لبناء مثل هذا المجتمع، والذي يدخل هذا المجتمع يخرج منه إنساناً فاضلاً، وإذا لم يتكامل فهو لا يجد مجالاً يتحرك فيه غير مجال حركة هذا المجتمع، ومن أراد أن يكون منسجماً مع مجتمع الرسول فإن بإمكانه ذلك، بينما لا نجد ذلك في المجتمعات المادية وغير الإلهية. فالإنسان في المجتمع غير الإسلامي إذا أراد أن يكون فرداً صالحاً فهو لا يستطيع، يريد أن يكون من أهل الإيمان والتقوى لكنه لا يستطيع، لا يريد أن يأخذ الربا، أو يتعاطاه، لكنه يجد ذلك صعباً غير ميسور، تريد المرأة أن لا تخرج عن حدود الشريعة الإسلامية، فتواجه من المجتمع الضغوط التي تدفعها للسير في الاتجاه المعاكس. كل الأجواء تبعد الإنسان عن ذكر اللَّه، فالصور والمعارض، والذهاب والإياب والمعاملات والمحاورات تبعد الناس جميعاً عن ذكر اللَّه وتجعل ذكر اللَّه غريباً على النفس الإنسانية.

أما في المجتمع الإسلامي فالمسألة معكوسة، فإن السوق والمسجد ودوائر الدولة والأصدقاء والأقارب والآباء والشباب وكل من في المجتمع، وكل ما فيه يدعو إلى ذكر اللَّه، ويجتذبه إلى ساحة مقدسة، ويجعله منسجماً مع ما يريده اللَّه، ويوثق الروابط الإنسانية باللَّه، كل شي‏ء في المجتمع الإسلامي يبعث على عبودية اللَّه، وهذا بدوره يعد الإنسان العابد للَّه عبادة حقيقية، ويبعده عن العبودية لغير اللَّه، ولو استدامت حياة المجتمع الإسلامي الذي أسسه الرسول على حالته مدة خمسين سنة، ولو كانت القيادة في ذلك المجتمع للرسول، أو لعلي بن أبي طالب، الذي عينه الرسول قائداً للناس من بعده، فإن جميع المنافقين سيتحولون إلى مؤمنين واقعيين في هذه الخمسين سنة، وإن أولئك الذين كانوا ضعاف الإيمان وفي منتصف الطريق، والذين يمزجون الحق بالباطل وهم يوماً مع هذا ويوماً مع ذلك إن هؤلاء سيتحولون إلى مؤمنين مخلصين، لو كانت القيادة نبوية ثم علوية. إن أولئك الذين لم تعرف أرواحهم المعاني العميقة للإيمان سيعرفون اللَّه والإيمان معرفة رفيعة، وهذا هو مقتضى طبيعة المجتمع الإسلامي، وهذا هو مبتغى الأنبياء وهدفهم، وهذا المجتمع هو المصنع الذي يعد وينتج الإنسان الكامل، وتخرج من هذا المجتمع مجاميع تعمل بالإسلام في الظاهر، وتؤمن بالإسلام في قلبها وأعماقها ولهذا الهدف أرسل النبي، ولمثل هذا الهدف كان يعمل.

طبيعة علاقة المؤمنين مع بعضهم في المجتمع الإسلامي‏
جاء النبي ليبني المجتمع المسلم وهو لانجاز هذا الهدف يحتاج إلى جماعة متراصة متحدة يشد بعضها بعضاً، وتسير بخطى كاملة نحو تحقيق هدفها... كانت فاتحة أعمال الرسول لإيجاد مثل هذه الجماعة المتراصة عن طريق تلاوة الآيات القرآنية والمواعظ الحسنة، حيث كان القرآن ومواعظ النبي التي تصدر من أعماق قلبه هما السبيل لإنشاء ذلك المجتمع... كانت بداية أعمال الرسول تجميع المسلمين ليشكلوا الجماعة الأولى والصف الأول، والجبهة التي تقابل جبهة الشرك،... ونواة هذه الجبهة تتألف من المسلمين الثابتين أصحاب الاعتقاد الراسخ والقلوب القوية... وكان على المسلمين في ذلك الحين أن يكونوا كالفولاذ إذا أرادوا لجبهتهم أن تكون مستقلة عن الجاهلية، وهي جبهة حديثة النشأة، قليلة العدد مع كثرة المشاكل والضغوط التي يخلقها المجتمع الجاهلي، كان عليهم الارتباط القوي، والاتصال المحكم حتى لا يستطيع أي عامل النفوذ إلى جبهتهم ليفرق بينهم، كانوا بأشد الحاجة إلى ما يسميه المثقفون هذه الأيام بالانضباط الحزبي الحديدي عليهم الاتصال أكثر ما يستطيعون، والتفاعل بأقوى ما يقدرون، وعليهم الابتعاد ما استطاعوا عن الصفوف والتيارات المضادة لأنهم يشكلون أقلية... لأنه قد تُسحق شخصية الأقلية وعملها وفكرها ضمن شخصية الأكثرية وتوجهاتها. إذاً لا بد لتلك الجماعة من الانسجام، والاتصال والوحدة، والانفصال عن سائر الجبهات الأخرى، من أجل أن تبقى هذه الجماعة متشكلة ومؤتلفة، وأساساً لبناء المجتمع الإسلامي الكبير القائم على أسس القوة والمتانة والثبات، ذلك المجتمع الذي تبنيه أيادي هذه الجماعة الصغيرة... إن حالهم كحال متسلقي الجبال... فمن أجل أن يصل هؤلاء إلى قمة الجبل لا بد أن يلتزموا بالوصايا التي تقدم لهم بهذا الشأن...

التصقوا ببعضكم، شدوا الظهور سوية، لا تسيروا متفرقين، فإن من يبقى وحده قد ينزلق ويسقط... هذه الحالة الشديدة الاتصال والتفاعل تعتبر مثالاً واضحاً لحالة المسلمين الأوائل انسجاماً واتصالاً وتفاعلاً. هل تقبل الانفصال والذوبان تلك العلاقة الصميمية بين المسلمين الأوائل الذين شكلوا الجبهة الإسلامية الأولى؟ ألم تكن هذه الجبهة منفصلة بنحو كامل عن سائر الجبهات المضادة فكراً وسلوكاً ومبدأ وغاية؟ مع أنها شديدة الالتحام والتفاعل، فالأيادي متشابكة متلاصقة، والقلوب متوحدة، والأجساد متراصة، والمسلمون يشد بعضهم بعضاً، كالبنيان المرصوص.

هنالك اسم لهذه العلاقة الإلتحامية، ولهذه الجبهة المتميزة، والتي شكلتها مجموعة من الأفراد ذوي الفكر الواحد، والطموح الواحد، والهدف الواحد والواضعين خطاهم في طريق واحدة، والمتحركين من أجل غاية واحدة، والذين يعتقدون بعقيدة واحدة، هؤلاء الذين كانوا يلتحمون ويتآزرون فيما بينهم بقوة تشتد يوماً بعد يوم، وكانوا متمايزيين عن باقي الجبهات والتيارات والرؤى الفكرية بصورة واضحة على كل المستويات الفكرية والسلوكية وهم يحافظون على تميزهم واستقلالهم هذا. لأنهم لا يريدون الذوبان والتحلل في الآخرين، كان الرسول هو الذي أوجد تلك الجماعة المتفاعلة المنسجمة، فآخى بينهم، ووحدهم وحولهم إلى جسد واحد، ومن هذا الكيان المنسجم تولد المجتمع الإسلامي وقد فصلهم الرسول وأبعدهم عن أعدائهم ومخالفيهم ومعانديهم وعن سائر من يعاديهم... وقد أوجد الرسول حاجزاً بين المسلمين وبين سائر الجبهات ومنعهم من تكوين أية علاقة مع جبهات اليهود والنصارى والمشركين وكان يسعى ما أمكنه ليجعل الصفوف الإسلامية متصلة محتشدة، متوحدة متفاعلة منسجمة، لأنهم إن لم يكونوا على هذه الحالة، ولم يكن بعضهم يوالي بعضاً، لا يستطيعون حمل الأمانة الملقاة على عواتقهم وسوف يعجزون عن النهوض بها، وإيصالها إلى غايتها المنشودة، ونهايتها المطلوبة. وقد أطلق القرآن الكريم على هذا النسيج الخاص من العلاقات بين المسلمين مصطلح الولاية، بمعنى أن المؤمنين يوالي بعضهم بعضاً. وعندما يتحول المجتمع الإسلامي "الصغير" إلى أمة عظيمة تبقى ضرورة الولاية "قائمة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع