صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مع الإمام القائد: الوحدة الإسلامية



على أعتاب أسبوع الوحدة الإسلامية الذي يوافق ما بين الثاني عشر وحتى السابع عشر من ربيع الأول، التقى القائد الخامنئي جمعاً من العلماء وأئمة الجمعة والجماعة وألقى كلمة قيمة في المناسبة هذا نصها:

قبل كل شيء أشكر من صميم قلبي كل السادة المحترمين والأخوات الذين حضروا إلى هنا، وخصوصاً السادة العلماء الأعلام، وأئمة الجمعة المحترمين، وعوائل الشهداء والمفقودين والمعوقين والأسرى، وأسأل الله تعالى التوفيق لكم أيها الإخوة والأخوات.

إننا، ونحن على أعتاب "أسبوع الوحدة" علينا أن نؤكد للشعب الإيراني وللمسلمين في كل مكان أهمية الوحدة بين المسلمين وتوثيق الأواصر بين الإخوة المسلمين في كل مكان وفي مختلف الظروف.
في البداية يجب أن نوضّح مقصودنا من وحدة المسلمين، فهل نستهدف أن يغض المسلمون المنتمون إلى مذاهب مختلفة أبصارهم عن مذاهبهم ويعتقدوا بمذاهب أخرى؟ كلا ليس المقصود ذلك.

إننا عندما ندعوهم إلى الوحدة فلسنا ندعو إلى نبذ أي فريق في السُنّة أو الشيعة أو الاتجاهات الفرعية لهما، مذهبه وعقيدته والإيمان بمعتقد آخر أو الميل لعقيدة الطرف الآخر. كلا، فإن هذا الأمر رهين الفحص والتحقيق والمطالعة التي يقوم بها كل شخص لنفسه ويعيّن بذلك موقفه أمام الله تعالى.
وإنما نركّز -حين نطرح مسألة الوحدة أمام الشيعة والسُنّة- على حقيقة أن بين المسلمين نقاط اشتراك وبعض النقاط المختلف عليها، فهم يفكرون في الساحة الأولى بشكل مشابه وهي أكثر من نقاط الافتراق، بمعنى أن كل المسلمين يؤمنون بالله الواحد، والقبلة الواحدة، والرسول الواحد، والأحكام الواحدة: (الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج) ولن تجد مُسْلِمَين لا ينهضان لصلاة الصبح إلا أن يريدا مخالفة التكليف الإلهي، ومع غض النظر عن ذلك فإن كل المسلمين يعتقدون بوجوب صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، واستحباب صلاة الليل.. نعم، كلهم يؤمنون بذلك، ويصلون إلى كعبة واحدة، وأن الصلاة يجب أن تؤدي بلغة القرآن وتتضمن آيات القرآن، وفي طليعتها: سورة الحمد.

وهكذا يؤمن المسلمون جميعاً بأنه متى ما حل شهر رمضان كان عليهم أن يصوموا الشهر، إلا أن يشاء أحد مخالفة التكليف الإلهي والدخول في مسيرة الفسق.
وكل المسلمين يعتقدون بوجوب دفع الزكاة، وهم مؤمنون جميعاً بوجوب الحج في العمر مرة واحدة، وهكذا.
مجموعة كبرى من البشر تبلغ أكثر من (مليار) إنسان وتسكن في نقاط مختلفة من العالم، وتتحشد جماعتهم في هذه المنطقة بين الشرق والغرب في وسط العالم وفي النقطة الحساسة منه، وتتمتع بأهم المناطق استراتيجية، وجغرافية وإقليمية، المناطق التي قامت فيها أقدم الحضارات، وأعمق الثقافات.
وحين كانت البشرية في الأماكن الأخرى تحيا حياة وحشية، كان الناس في هذه المنطقة يديرون العالم بعلمهم ومعرفتهم.
نعم، إن المسلمين اليوم مجتمع منسجم متشكل، وأقطارهم متقاربة، ولهم امتدادات في كل نقاط العالم.

وكل ما نريد أن نقوله للمسلمين أينما كانوا في أنحاء العالم هو: أنكم إذا لم تناصبوا بعضكم بعضاً العداء، ولم تتقاتلوا، وإذا ميزتم أعداءكم وعرفتم أصدقاءكم، فإن حياتكم سوف تتغير عمّا هي عليه الآن. إنكم اليوم تعيشون في تشتت، وضعف وتأخر، والأقطار الإسلامية اليوم فقيرة على العموم، وذليلة وأسيرة.
وأعداء الإسلام يسعون لإبعاد الإسلام عن حياة الأقطار الإسلامية بكل ما أوتوا من قوة. أما الناس وأفراد المسلمين فقلوبهم مع الإسلام، مع الله، وهم يتوقون للإسلام.

إن السياسات والقوى الشيطانية الكبرى من خلال الدول العميلة لها تسعى لإبعاد الناس عن الإسلام. فإذا اتحدتم وإذا تركتم النزاع جانباً، ولم تفرّطوا بقواكم عبر الصراع الداخلي، توفرت لكم قوة عظمى يمكن استخدامها لإعلاء دينكم ودنياكم، وهذا هو ما ننادي به.
إننا لا ندعو السُنّة في العالم ليتحولوا إلى شيعة، ولا الشيعة في العالم ليغضوا النظر عن عقائدهم. طبيعي إذا حقق الفرد وبحث وتوصل إلى نتيجة فله الحق في اعتناق ما يشاء وعليه العمل بمقتضى ما يعتقد. هذا هو تكليفه الخاص بينه وبين ربّه.
إننا في أسبوع الوحدة -وباعتبار ما نقول إعلاناً للوحدة- نركّز على أن يتحد المسلمون ولا يعادي بعضهم بعضاً. وهذا كلام لا يرفضه أحد إنه كلام يقبله كل عاقل منصف غير مغرض، ومحور هذه الوحدة هو: كتاب الله وسُنّة نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والشريعة الإسلامية.

ومنذ السنين التي سبقت نجاح الثورة الإسلامية، كان هذا النداء يعلن بشكل أخف مما نعلنه الآن، فكانت الأجهزة العميلة للاستكبار العالمي تخالفه، وعندما انتصرت الثورة الإسلامية وتنبّه المستكبرون في العالم إلى أن هذه الحقيقة إذا تجسّدت واتحد المسلمون فإنهم سيتوجهون إلى معقل الإسلام ومركزه إيران الإسلام. عرفوا هذا، فراح عملاؤهم في الدول الرجعية يبذلون الأموال لزرع الخلاف، وتعمل أيديهم الخفيّة في الأقطار المختلفة العربية وغير العربية، بل وحتى في داخل إيران، على أن تتحقق هذه الوحدة وهي: رسالة الثورة ورسالة الإسلام.

من الطبيعي أن بعضهم يقع في الخطأ عندما يتعرض لهذا الموضوع، وربما لم يكن ساذجاً، أنه عندما يركّز على الوحدة الإسلامية يعلن أنه ما دام المسلمون في صدر الإسلام لم يكونوا سُنّة ولا شيعة فالتسنن والتشيع أمر خاطئ، كلا! هذا كلام واه وغير صحيح. إننا لا نبحث في صدر الإسلام، وهل كان المسلمون فيه شيعة أم سنة.

لقد وقع الخلاف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان لبعضهم رأي خاص في الإمامة وللآخرين رأي آخر، واختلفوا في مصدر الأحكام. وعليه فقد وجدت خلافات في الأصول والفروع منذ البدء ولا معنى للقول بنفي التشيّع والتسنّن عند صدر الإسلام إلا محو معارف الفقه والنتاج الفكري لكل فرق المسلمين، إنه كلام شبيه بالتآمر أن نضع أيدينا على هذا الموضوع وذاك وننفيه لأنه شيعي أو سني.
لقد لاحظنا في الأيام الأولى للثورة في إيران بعض المنحرفين ذوقياً (أو المنحرفين حقاً في نواياهم) يطرحون أمثال هذا الكلام، ونشاهد هنا وهناك في أنحاء العالم أناساً لم يعرفوا من الإسلام شيئاً يضاهونهم في هذا الكلام.

إننا لا نقول بذلك، وإنما نقول بواقع وجود هذين الاتجاهين التسنن والتشيع، اتجاه العمل بالفقه الإسلامي من وجهة نظر أهل البيت وهو اتجاه التشيع، واتجاه العمل بالشريعة الإسلامية من غير طريق أهل البيت وهي طريقة الإخوة من أهل السنة، وطبيعي أنهم يقبلون أهل البيت ولكن لا كما نقول فيهم، إنهم يقبلونهم على أنهم مجرد رواة يمكن أن ينقلوا شيئاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم. أما نحن فكل ما قاله أهل البيت نعتبره حكماً لله ونصدقه كما نصدق ما يأتينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باعتبارهم معصومين.
نعم، لكل مبناه وهذان الاتجاهان كانا منذ مطلع الإسلام، وبعد رحلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملأ الأعلى، حتى اليوم، ولكل منهما حياته ولا عداء بينهما.
إن أموال النفط تصرف اليوم لتأليف الكتب ضد الشيعة، والدولارات الأمريكية تبذل لرد التشيع، وتنشر وتترجم إلى مختلف لغات العالم.
إنهم أيادي الشيطان، وإنهم أناس مغرضون حين يكتبون هذه الأمور، إنهم كذلك أينما كانوا.

إننا نقول: يجب أن لا نشعل النار اليوم، فليعتقد كل بما يعتقد، وليدافع عن عقيدته، إننا لا نرفض أن يصعد المتحدثون من المذاهب الإسلامية المنابر ويستدلوا على عقائدهم. نعم، طبيعي أن يستدل كل لما يعتقد. ولكن إثبات العقيدة شيء والعداء للطرف الآخر، والتناغم مع نداء الاستكبار العالمي، وبذل الطاقات لإشعال الحرب الداخلية بين المسلمين، شيء آخر.

لذا، فإن نداء ثورتنا -وهو أحد النداءات الأساس للثورة- هو نداء: وحدة المسلمين. إننا نعلن هذا في كل العالم الإسلامي، وننصح أولئك الذي صبّوا كل همهم في الأقطار الإسلامية، للوقوف بوجه الثورة الإسلامية واتهامها والافتراء عليها وعلى قائدها الراحل العظيم، وانتقاد الشعب المسلم الذي يسعى بكل وجوده مخلصاً مجاهداً في سبيل الله والإسلام، ننصحهم بالكف عن إضاعة جهودهم.
إننا لاحظنا في تلك الأيام التي كان شعبنا يعاني فيها ضغوط أمريكا والاستكبار والحرب المفروضة دون أن يرضخ لهذه الضغوط، لاحظنا مجموعة من الأقلام العميلة، والأيدي العميلة، والحناجر العميلة، قد بدأت بالهجوم، والتجريح بالمقدسات، والآراء التي يحملها شعبنا البطل المكافح الشجاع المضحي في سبيل الله والإسلام.
إننا نقول: أن هذه الحناجر غير السليمة، التي راحت تنادي ضد الثورة الإسلامية والشعب الإيراني ومذهبه، وتلقي الشعارات هنا وهناك، حناجر عميلة.

إننا لا ننظر إلى طرف واحد، وإنما نخاطب كل مسلمي العالم ونوصيهم، نوصي السُنّة ونوصي الشيعة: (بالخير والوحدة).

إننا نلاحظ الإخوة الشيعة والسنة يقفون جنباً إلى جنب في صلوات الجماعة، وفي ساحات الحرب القانية، وفي ميادين الصراع السياسي، وكل السوح الثورية: في الانتخابات، في مجلس الشورى الإسلامي، وفي كل مكان، متّحدين متحابّين، ولا تقوم بينهم أية مشكلة، لا يوجّه أحدهم الإهانة لمقدسات الآخر.. وإذا شاء أحد توجيه الإهانة لمقدسات الطرف الآخر -محتجاً بأنه يعتقد بذلك- فهذا أمر لا يقبل أي دفاع عنه. إن بينهم الحب المتبادل، وعلى الجميع أن يتعاونوا لتسود المحبة ولكيلا يسمح للعدو ـ الذي لا يحب الشيعة ولا أهل السنة، بل يعادي أصل الإسلام، الإسلام الذي يحمله أهل السنة والشيعة وتبغضه أمريكا والرجعية ـ أن ينفذ من هذه الكوّة ويستغلها لصالحه.

دعونا نؤجل خلافاتنا الداخلية إلى ذلك الزمان الذي لا يهددنا فيه أي عدو عالمي، وإذا جاء مثل هذا اليوم، فليجلس كل طرف ليحاسب الآخر، أما اليوم فلا مجال لمثل هذا مطلقاً.
لذلك، فإني أوصي الجميع بأن يكرموا أسبوع الوحدة الذي يستمر من اليوم الثاني عشر إلى اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول بمناسبة مولد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وليعتبر كل أفراد الناس، وخصوصاً العلماء والفضلاء والمتحدثين، وذوي الكلمة النافذة ليعتبروا هذه المسألة شعاراً من شعارات الجمهورية الإسلامية بشكل دائم.
إن الأقطار في المنطقة اليوم تتمسك بالشعارات المفرّقة والباعثة على الاختلاف.

فإذا رفع شعبنا في الحج شعاراً ضد أمريكا وضد "إسرائيل" نراهم يعترضون عليه بأنه يرفع شعاراً جديداً بين المسلمين ويعتبرونه كلاماً ممزقاً لوحدتهم، في حين أنه لا يمزق الوحدة وإنما هو أداء للواجب، وعلى المسلمين الآخرين أن يتعلموا هذا الشعار ضد أمريكا "وإسرائيل" من الشعب الإيراني. إنهم يستخدمون أموالهم وأقلامهم وكل إمكاناتهم، وأبواقهم وعناصرهم العميلة ضد الثورة الإسلامية وإيران الإسلام وشعبها المضحّي، وهذه هي التفرقة، وهذا وهو العمل على إيجاد الشروخ بين المسلمين، فلعن الله تلك الأيدي التي تعمل هكذا لتمزيق المسلمين.

إننا نوصي المسلمين جميعاً، وخصوصاً إخوتنا في باكستان، بشكل مؤكد بأن لا يسمحوا لبعض المنتسبين زوراً للعلم والعلماء، ووعّاظ السلاطين، والضالعين في ركاب الاستكبار العالمي بأن يزرعوا الفرقة بين المسلمين عبر طرح الشعارات الممزقة التي نرى بعضهم يرفعها.

عليكم أن تهتموا بالوحدة وأسبوع الوحدة وليكن أسبوعاً مليئاً بالمعاني والعطاء، وإننا لنؤكد على الوحدة بين الإخوة الشيعة وأهل السنة والمذاهب الإسلامية المختلفة لتحقيق الأهداف الإسلامية، فإننا بطريق أولى ندعو للوحدة بين الفئات المختلفة من الشعب الإيراني. أن على الشعب المضحّي والمجاهد في كل مدينة وفي كل محافظة، وعلى المتحدثين بأية لغة وأية لهجة، عليهم جميعاً بطريق أولى أن يقيموا الوحدة بينهم، لئلا تقوم الأيدي المفرّقة والمغرضة أو الجاهلة ـ وقد لا يقل ضرر الجاهلين عن ضرر المغرضين -من خلال قولة هنا وهناك، أي شعار أو حديث- يزرع الاختلاف، وليكن الجميع على حذر من ذلك، خصوصاً أولئك الذين يسخرون ألسنتهم وحناجرهم للحديث مع الجماهير، هؤلاء يجب أن يراقبوا ما يقولون بكل دقة لئلا تصدر حركة أو إشارة توجب الفرقة بين الناس، وليقيموا الوحدة على أساس مبادئ الثورة، والمسيرة الصحيحة للنظام الإسلامي وولاية الفقيه.
هذا هو أساس الأمر.

فإذا احتفظنا بهذا الانسجام وهذا الاستحكام، الذي نشاهده الآن، فإن هذا البلد سيصل بكل اطمئنان إلى أهدافه الثورية.

أسأل الله جلّ وعلا لكم أيها السادة المحترمون، ولكل الإخوة والأخوات أينما كانوا، وفي أي عمل اشتغلوا وفي أية نقطة من نقاط البلاد سكنوا، اللطف والفضل والتوفيق الإلهي، وأن يرضي عنّا ولي العصر (المهدي) أرواحنا له الفداء، ويوفقنا للقيام بتكاليفنا الإلهية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع