نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الحياة اليومية مع القرآن الكريم‏


الشيخ أحمد وهبي‏


﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَالله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ الله وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْه (المزمل: 20).

* القرآن نور الله:
قال عزّ وجلّ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (المائدة: 15). القرآن هو تجلٍ للنور الإلهي على قلب رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله، لينطق به ويخرج الناس من ظلمات الحجب والمعاصي إلى نور معرفة الله والتقرب إليه. ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ... (إبراهيم: 1). هذا النور الذي لما تجلى للجبل صار دكاً وخر موسى صعقاً، لأنه لا يستطيع أن يتحمل ثقل القرآن وعظمة نوره، الذي عندما كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله كان يُسمع لبدنه أزيزٌ كأزيز الرجل، لثقله الذي تشعر به الروح فيضطرب الجسد ويتأثر بتأثر الروح. ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله.

* القرآن كتاب الروح:
فالقرآن كتاب الروح والنفس أنزله الله عزّ وجلّ لها، وخصها به، واختص بها، لهدايتها، لسعادتها، لكمالها. قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (الرحمن: 2). فهو كتاب الإنسان أنزله الله لسعادته لا لشقائه ورحمة له وشفاء لأمراض نفسه. فهو من روح الله التي بثها في الإنسان ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، والذي يعلم سرها ومستودعها ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد. ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور والهوى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن؛ فإنه كلام الرحمان وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان". فهي له وهو لها وهو صاحبها ومؤنسها، وبدونه تستوحش وتشقى، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "من أنس بتلاوة القرآن، لم توحشه مفارقة الاخوان". وهو شفاؤها وصحتها ونورها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، قيل يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن".

وهو عهد الله تعالى الذي أخذه على عباده يوم الميثاق: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى"، والذي أخذه على آدم: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً"، الذي نزل بالتدريج إلى الأنبياء حتى وصل إلينا كاملاً شاملاً، وهو حي منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وآله. فيه كل ما يحتاج الإنسان لسعادته وهدايته، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عليكم بالقرآن فاتخذوه إماماً وقائداً". وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "آيات القرآن خزائن العلم فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها". وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن..." فهو الشفاء لأمراض المجتمع ومشاكله وفتنه. ونحن أحوج ما نكون إليه في هذا الزمن.

* قراءة عهد الله في كل يوم:
وأن يكون هذا النظر يومياً، فعن الصادق عليه السلام: "القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يومٍ خمسين آية". فعلى أي حال على المؤمن أن يقرأ القرآن، ولا يترك ذلك. ولو بالنظر، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "النظر في المصحف من غير قراءة عبادة". وهذه هي صفة الشيعة، عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنما شيعة علي كثيرة صلاتهم، كثيرة تلاوتهم للقرآن". وهذه هي صفة أهل الله فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" وهذه صفة المتقين كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتلونها ترتيلاً...". وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عزّ وجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضي‏ء لأهل السماء كما تضي‏ء الكواكب لأهل الأرض، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، ولا يذكر الله عزّ وجلّ فيه، تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين". لذلك يأمر عليه السلام: "ليكن كل كلامكم ذكر الله وقراءة القرآن".

وهكذا كلما قرأ الإنسان عهد ربه إليه، وكتاب روحه، ونور إلهه، ورسالة نبيه إزدادت عليه الأنوار والبركات حتى يصير والقرآن واحداً هو الصامت وقارئه الناطق. وبالأخص في زمن الشباب والصبا. عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله من السفراء الكرام البررة وكان القرآن مجيزاً عنه يوم القيامة". فلنقرأ القرآن ولنحذر أن نكون كما أخبر أمير المؤمنين عليه السلام: "إنه سيأتي من بعدي زمان ليس فيه شي‏ء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل... ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه... فالكتاب يومئذٍ وأهله طريدان منفيان...".

* برنامج اليوم القرآني:
وقت السحر: يبدأ البرنامج اليومي القرآني بوقت السحر والليل وإحيائه، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (المزمل: 1 - 5). عند الاستيقاظ لصلاة الليل: فليقرأ وهو ينظر إلى السماء الآيات الخمس من سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ... (آل عمران: 190 - 194). وليتدبر في هذه الآيات وبالأخص الآية 190 لأنه ورد في الحديث "ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها" فإذا استفاق باكراً ولديه وقت يزيد عن صلاة الليل فيشتغل بقراءة ما تيسر من القرآن، وهناك من سور القرآن العظيم ما ينفعه في كل حاجة، وقد ذكر في كتب التفسير خواص السور القرآنية الكريمة وآثارها وفوائدها. أو يقرأ ما يستحب الإدمان على قراءته من السور مثل سورة: يس والرحمن والواقعة والفجر والمدثر وغيرها. أو يقرأ عدداً من الآيات بالتدريج حتى يختم القرآن. إن طلب الرزق قد يكون بالسعي والضرب في الأرض، وقد يجتمع مع الدعاء وغيره فيكون حصول الرزق أسرع وأقرب.

ففي الحديث: "الجلوس في المسجد قبل طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض". وهناك أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى، وتؤكد لزوم أن يستعين الإنسان بالله تعالى لتكون معه الأسباب الغيبية. وقد حكى الله عزّ وجلّ في سورة (ن) قصة أصحاب الجنة الذين نسوا الله فجاؤوا إلى جنتهم فإذا هي محترقة. ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. فلنستعن بالله في كل أمر، وفي كل أمر نحتاجه هناك آية كريمة أو سورة شريفة تفيد في قضائه. نجد في كتب الكثير من الخواص للآيات والسور القرآنية. حتى عند قراءتها في الصلاة. ولكن أفضل ما يقرأ في الصلاة، غير سورة الإخلاص والكافرون سورة القدر. وهناك بعض الأيام يستحب فيها قراءة سور خاصة في الصلاة.

إذا انتهى من صلاة الليل ونافلة الفجر وصلاة الصبح، فليقرأ بعد دعاء العهد ما لا يقل عن عشر آيات، والأفضل أن يقرأ قبل أن يتكلم بشي‏ء سورة التوحيد إحدى عشرة مرةً ففي الحديث: أن من قرأها إحدى عشر مرة، لا يعصي الله، وفي الحديث أيضاً أن من قرأها ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن كله لأنها ثلث القرآن. لا بأس قبل طلوع الشمس بحفظ ولو خمس آيات كل يوم. في النهار إذا كان في العمل وكان باستطاعته أن يقرأ القرآن حال العمل، فليداوم على قراءة سورة التوحيد أو سورة القدر، أما إن كان يحفظ بعض السور فلا بأس بتكرارها لكي يبقى ذاكراً لها. ويستحب في بعض الأيام والشهور قراءة سور خاصة، وتفصيلها موجود في كتب الأدعية والأعمال المستحبة. عند الظهر، فليجلس بين الصلاتين مقداراً قليلاً لقراءة القرآن ولا يقرأ أقل من عشر آيات، وهكذا عند صلاة المغرب والعشاء، بحيث لا يقرأ يومياً أقل من جزء بقدر الإمكان فيكون قد قرأ القرآن كاملاً في شهر. في الحديث عن محمد بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اقرأ القرآن في ليلة؟ قال: "لا يعجبني أن تقرأ في أقل من شهر". في رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أن لا يقرأ بأقل من سبعة أيام". قبل النوم يستحب أن يقرأ سورة الواقعة، وآية الكرسي ليكون كمن حج، وسورة الإخلاص ثلاث مرات ليكون كمن ختم القرآن، وسورة التكاثر ليكون كمن صام شهر رمضان، مع تسبيح الزهراء وأدعية أخرى. وفي الحديث أنه لا سهر بعد العشاءين إلا للصلاة أو مدارسة العلم أو قراءة القرآن أو عروس تهدى إلى زوجها. فلا يسهر المرء لكي يستطيع أن يقوم باكراً ليداوم على عمله وخير العمل ما داوم عليه الإنسان.

* آداب القرآن:
الآداب المعنوية:

1 - معرفة عظمة القرآن ومنزله وحامله ومبلغه وأهله. أهل البيت صلوات الله عليهم.
2 - رفع الحجب والموانع (المعاصي) بالتوبة والندم والاستغفار.
3 - التفكر. والتدبر بآياته والنظر في خزائن كنوزه. والجلوس أمامه مجلس المتعلم الجاهل.
4 - العزم على التطبيق. فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
5 - الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
6 - العمل به "من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى..." عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

* الآداب الظاهرية:
1 - الطهارة.
2 - النظافة. وبالأخص نظافة الفم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "نظفوا طريق القرآن"، قالوا: يا رسول الله! وما طريق القرآن؟ قال: "أفواهكم"، قالوا: بماذا، قال: "بالسواك".
3 - الجلوس إلى القبلة.
أخيراً: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من قرأ القرآن فظن أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد حقَّر ما عظم الله، وعظَّم ما حقَّر الله".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع