مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في كتاب: ولاية الفقيه والديموقراطيّة (دراسة مقارنة)


حوراء حمدان


وردَ عن الإمام الخمينيّ قدس سره في معرض رده على التصوّرات المعترضة حول صلاحيّات الوليّ الفقيه قوله: "الحكم للقانون ليس إلّا. ولا يمكن أن يحكم سوى القانون الإلهيّ. وليس لأحد أن تكون بيده الحكومة المطلقة لا للفقيه ولا لغير الفقيه. وإنّما الجميع يعملون طبقاً للقانون وهم مجرّد منفّذين له"(1).

تواجه الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران اليوم تحدّيات عظيمة، وتُعدّ النظرة إلى نظامها السياسيّ أحد أوجه التحدّيات. فالغرب وبعض أزلامهم من العرب ما فتئوا يشنّون حملات واسعة النطاق تستهدف البند الرئيس من هذا النظام ألا وهو "ولاية الفقيه". فهل يتمتّع الوليّ الفقيه بصلاحيّات استثنائيّة مقارنة بقادة الدول الغربيّة؟ يجيبنا عن هذا التساؤل الدكتور مسعود أسد اللّهي في مؤلّف بعنوان: ولاية الفقيه والديموقراطية، ترجمته إلى العربيّة د. دلال عباس، وأصدره مركز الاستشارات والبحوث.

* المنهج المتّبع
يتألّف الكتاب من خمسة أبواب وعِدّة فصول، وهو عبارة عن دراسة مقارنة وبحثٍ تطبيقيّ بين الأنظمـة السياسيــّة والمهام المُوكّلة إلى الوليّ الفقيه من جهة والسلطات التنفيذيّة في البلدان الغربيّة من جهةٍ أخرى (بريطانيا، فرنسا، أمريكا). تَتبّع الكاتب: المناصب العليا في كلٍّ من البلدان المذكورة، شروط اختيارها والصلاحيّات الدستوريّة المُوَكّلة لكلّ منها. ثم قام بإجراء المقارنة والجَدَاول التوضيحيّة على قاعدة المُشتركات والاختلافات بين المهامّ والصلاحيّات الإجرائيّة.

ذكر الكاتب، في المقدمة، سبب اختياره هذه البلدان دون غيرها، وعَزا ذلك إلى أنظِمتها المُختلفة قانونيّاً والمُعدّة عالميّاً كأنظمة ديمقراطيّة، وهي إلى ذلك تُعتمد أيضاً في البلدان الأخرى.

* المناصب الأولى في الدستور وصلاحيّاتها

- في إيران
يُعدّ منصب الوليّ الفقيه أعلى منصب في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. يُنتخب من قبل "مجلس الخبراء"(2) الذي ينتخبه الشعب مباشرة. وعليه أن يتمتّع بمواصفات محدّدة تُخوّله للقيادة، كالكفاءة العلميّة، والعدالة، والتقوى، والبصيرة وغيرها من المواصفات.

وإنْ كان الدستور لم يذكر مدّة زمنيّة محددة لتولّي هذا المنصب، إلّا أنّه ذكر إمكانيّة عزل القائد في حال فَقد أهليَّته لذلك. وهو إلى هذا متساوٍ مع كلّ أفراد البلاد أمام القانون. أمّا صلاحيّاته في الدستور فتشمل، مضافاً إلى قيادة القوّات المسلحة وقرار السلم والحرب وتعيين السياسة العامّة للبلاد، إمكانيّة عزل وتعيين القيادات العسكريّة، وتعيين المناصب القضائيّة العليا، ومراقبة السلطات الثلاثة الأخرى التي تستمدّ شرعيّتها منه.

- في بريطانيا
في بريطانيا، حدثت تحوّلات سياسيّة كثيرة خلال القرون الماضية أدّت إلى العبور من الملكيّة المطلقة إلى النظام البرلمانيّ المعتدل، الأمر الذي أدّى إلى تقليص صلاحيّات الملك. ورغم أنّ صلاحيّاته تُعدّ امتيازات لا تترتّب عليها أي مسؤوليّة، إلّا أنّها تشمل من الناحية الحقوقيّة رئاسة السلطة التنفيذيّة، ورئاسة الوزراء والقوّات المسلّحة. كما يُمكنه عَزل أيّ مسؤول مدنيّ أو عسكريّ وتعيين المناصب القضائيّة العليا.

ورغم هذه الامتيازات وغيرها إلّا أنّ السلطة النافِذَة الحقيقيّة في بريطانيا هي للبرلمان المؤلّف من مجلسين: اللوردات الذين يعيّنهم الملك، ومجلس العموم المنتخب من الشعب. وعلى العموم، فإنّ مسألة انتخاب الملك تتمّ بشكل وراثيّ ولا تعتمد على الجدارة.

- في فرنسا
تمّ إقرار الدستور للجمهوريّة الفرنسيّة الخامسة بعد مراحل عديدة. أوْكلت فيه المسؤوليّات السياسيّة والتنفيذيّة لرئيس الجمهوريّة المنتخب من قبل الشعب بالأكثريّة المطلقة لمدّة خمس سنوات. ولم يحدّد الدستور شروطاً خاصة للترشّح على أن يُعرّف عنهم من قبل أشخاص معيّنين.

ورغم الصلاحيّات الواسعة التي يحوزها رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة إلّا أنّه غير مسؤول سياسيّاً في الدستور إلّا في حال الخيانة العظمى. من صلاحيّاته، مضافاً إلى كونه قائداً للقوات المسلّحة ومجلس الدفاع الوطني، اختيار رئيس الوزراء والمصادقة على قرارات الحكومة والبرلمان، كما يترأّس مجلس القضاء الأعلى. وهو إلى ذلك في ظروف خاصّة يمكنه أن يقوم مقام السلطات الثلاثة. ولَحِظَ الدستور مسألة عزل الرئيس وأوكلت المهمّة إلى المجلس الدستوريّ وهو المرجع الأعلى المخوّل تفسير الدستور. ويمكن عزل الرئيس بناءً على طلب الحكومة بموافقة الأكثريّة المطلقة.

- في الولايات المتحدة الأميركيّة
يُعمل في الولايات المتحدة بمبدأ فصل السلطات ويتجلّى فيه حكم الشعب في بُعدين: البعد التشريعيّ والتنفيذيّ. ويعدّ منصب رئيس الجمهوريّة أعلى مقام رسميّ، وينتخب الرئيس من قبل الهيئات الانتخابيّة(3). من صلاحيّاته الدستوريّة، مضافاً إلى قيادة القوّات المسلّحة وقرار السلم والحرب، توقيع القوانين والمعاهدات الدوليّة، وحقّ تعيين المناصب القضائيّة العليا وكبار المسؤولين المدنيّين والعسكريّين، وحقّ اقتراح القوانين على الكونغرس، كما يمكنه استخدام الفيتو ضمن قيود معيّنة.

يمكن لمجلس الشيوخ أن يعزل رئيس الجمهوريّة بموافقة ثلثي أصواته في حال وجّهت إليه تهمة الخيانة العظمى أو سائر الجرائم والمخالفات.

* واجبات السلطات التنفيذيّة وصلاحيّاتها
إنّ المقام الرسميّ الثاني في إيران هو رئاسة الجمهوريّة، وهو ما يمكن أن تعادله في البلدان الغربيّة رئاسة الوزراء. ينتخب الرئيس مباشرة من الشعب ويجب أن ينال الأكثريّة المطلقة وإلّا فإنّ الانتخابات ستعاد. وهناك مراحل قانونيّة خاصّة من حين الانتخاب إلى تسلّم الولاية. إنّ رئيس الجمهوريّة هو المخوّل تطبيق الدستور وتعيين الوزراء وتوقيع المعاهدات، وهو رئيس المجلس الأعلى للأمن القوميّ، وهو إلى ذلك مسؤول أمام القائد مباشرة. كما يمكن لمجلس الشورى المنتخب من الشعب مباشرة مساءلة الرئيس. كما يمكن عزله أيضاً ضمن شروط معيّنة.

أمّا في بريطانيا، فإنّ رئيس الوزراء له مكانة رفيعة جداً لنيله دعم أعضاء حزبه المنتخَبين من الشعب، وله السلطة الواقعيّة والتنفيذيّة وهو رئيس المجلس الأعلى للأمن القوميّ. يمكنه عزل الوزراء واختيار أعضاء الحكومة وتعيين سياستها العامّة وتوقيع القوانين والمعاهدات الدوليّة. في حين لا يملك رئيس الوزراء الفرنسيّ حقّ توقيع القوانين والمعاهدات الدوليّة، الّا أنّه رئيس السلطة التنفيذيّة ومسؤول عن تطبيق الدستور. لذا، يمكنه اختيار وعزل الوزراء ومسؤولي السلطة والمبعوثين والسفراء وإبداء رأيه في السياسة الداخليّة للحكومة.

تجدر الإشارة إلى أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة هو نفسه رئيس السلطة التنفيذيّة ويملك الصلاحيات المعطاة لرئيس الوزراء في البلدان الأخرى إلا أنّ الكونغرس (المؤلّف من مجلسي النواب والشيوخ) له مهمّة المصادقة على مشاريع القوانين المقترحة، وهو يستمدّ سلطته من الشعب.

* النتيجة
إنّ طريقة انتخاب الوليّ الفقيه مشابهة إلى حدّ ما لطريقة انتخاب رئيس الجمهوريّة الأمريكيّة، وكلاهما يتحمّلان مسؤوليّات وطنية إلى جانب مهامّهما الدستوريّة. من ناحية العزل، فإنّ الملك البريطانيّ هو الوحيد غير القابل للعزل، في حين أنّ القائد في الجمهوريّة الإيرانيّة يخضع لرقابة مجلس خبراء القيادة. أمّا من حيث الصلاحيّات، فإنّ من الواضح، كما تبيّن من خلال البحث، عدم وجود مهامّ استثنائيّة على الأقلّ مقارنةً بصلاحيّات المناصب المشابهة في البلدان المذكورة.

يستنتج الكاتب، في الختام، أنّ النظام في إيران يُعدّ شعبيّاً وشرعيّاً(4)، يصل قادتُه إلى الحكم من خلال الشعب وهو إلى ذلك حُكم قانونيّ يتساوى فيه الجميع أمام القانون. هذا فضلاً عن الشروط القاسية للترشّح وتوزيع السلطات بين المناصب العليا مما يُخفّض تمركز السلطة عن نظائرها في البلدان المذكورة.


1- الحكومة الإسلاميّة، الإمام الخميني قدس سره. (مقدمة حول صلاحيّات الوليّ الفقيه)، ص32.
2- مجلس الخبراء: كلّ محافظة يُمثّلها خبير واحد ويبلغ عدد أعضائه حاليّاً 83 شخصاً. هذا المجلس من المؤسسات البنيويّة والأساسيّة في الجمهوريّة الإسلاميّة. ولاية الفقيه والديموقراطيّة. مسعود أسد اللّهي، ص21.
3- ينتخب أفراد الشعب في كل ولاية مجموعةً من المرشحين تسمى هيئة منتخبي رئيس الجمهوريّة.
4- ولاية الفقيه والديموقراطيّة، (م.س)، ص178.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع