نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع: التثقيف الصِحِّيّ


تحقيق: فاطمة الجوهري غندورة


إذا قمت بزيارة إلى المستشفى تلفت انتباهك عبوات معلّقة، بشكل مدروس، بين غرف المرضى. وفي عيادةٍ للطبيب تجذبك "بروشورات" ملقاة على الطاولة، في غرفة الانتظار. هي ظاهرة اتّسع انتشارها في مؤسّسات المجتمع، ظاهرة "التثقيف الصحّيّ". كيف بدأت؟ وما هو هدفها؟ وما دورها في مواجهة أمراض مهما عظمت قيل عن بدايتها "درهم وقاية خير من قنطار علاج".

* ما هو التثقيف الصحيّ؟
التثقيف الصحيّ هو علم اجتماعيّ يعتمد على العلوم البيولوجيّة، البيئيّة، النفسيّة، الفيزيائيّة والطبيّة لرفع المستوى الصحيّ ومنع الأمراض، كالعجز، والوفيّات المبكرة في المجتمع من خلال سلوك اختياريّ من قبل الأفراد، نتيجة وعيهم للمخاطر الناتجة عن السلوك غير السليم الذي يمكن أن يؤدّي إلى اعتلالهم، إذا ما خالفوا قواعد السلامة في حياتهم.

وعادة تقوم مؤسّسات المجتمع من إعلام، ومدارس ومستشفيات بلعب دور بارز في موضوع التثقيف الصحيّ ونشر الوعي بين الأفراد، وذلك للارتقاء نحو مجتمع سليم، خالٍ من الأمراض، وأكثر قوّة ومناعة على مواجهة الآفات.

* المعرفة الصحيّة بين يديك
قبل الولوج في معالجة موضوع التثقيف الصحيّ، كانت لنا الاستصراحات التالية:

حدّثنا عليّ عن هَوسه بجمع البروشورات، وقال إنّ لديه أكثر من 300 بروشور، كلّ واحد منها يتحدّث عن مرض مختلف وفيها عناوين المستشفيات. أمّا سبب تعلّقه بجمعها فهو سهولة الحصول منها على المعلومات الطبيّة للاستفادة منها.
وتقول ليلى إنّ ما يعجبها بالبروشور، أسلوبه البسيط والواضح بإيصال المعلومة، ما يسمح للجميع الاستفادة منها، وبالتالي، الحؤول دون انتشار الأمراض والمساهمة كذلك في توعية صحيّة سليمة.
ويرى سمير أنّ لون البروشور وشكله الخارجيّ يجذب الانتباه إليه والاهتمام به.
أمّا عليّ، فيرى أنّ الغرض من اهتمام الناس بالبروشورات في المستشفيات والعيادات هو تسلية المريض وليس أخذ المعلومات والاستفادة منها.

* أصل الفكرة
تحدّثنا مع الحاج محمد إبراهيم حجازي (مدير العلاقات العامة في مستشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم) لنتعرّف منه كيف نشأت فكرة التثقيف الصحي في المستشفى، فقال: جاءت الفكرة نتيجة تقدّم الأبحاث العلميّة عن الأسباب المؤدّية إلى أمراض قاتلة مثل:
1. أمراض السمنة (زيادة الوزن المرَضيّ).
2. بعض أنواع السرطان وبعض الأمراض المعدية.

فتبيّن أنّ هذه الأمراض يمكن الحدّ منها نتيجة تغيير أنماط السلوك بأنواع الأغذية التي نتناولها على مستوى التسبّب بالسمنة أو تجنّب العوامل المعرضة للسرطان (الرئوي) كالامتناع عن التدخين، أو الحثّ على غسل اليدين لمنع نقل الأمراض المعدية. وتبيّن بالدليل الملموس أنّ نشر الوعي بالمخاطر الصحيّة، عبر التثقيف الصحيّ، أصبح حاجة يجب أن تصاحب الأجيال كلّها، الأطفال في مدارسهم والأهل في بيوتهم، وكبار السنّ من خلال مَن يقدّم لهم الرعاية أو يعتني بهم. كما ظهر أن بعض الأمراض يمكن استئصاله من خلال التلقيح. لذلك، وجب على المهتمّين بالصحة العامة التأكيد على تلقيح الجمهور بمختلف شرائحه العمرية، وحسب الحاجة، باللقاحات التي تمنع انتشار بعض الأمراض كداء الكبد (ب) حيث أمكن تخفيض نسبة المصابين به بنسبة 85 % عمّا قبل التلقيح.

لذا، أصبحت التوعية الصحيّة من الأمور الواجب التأكيد عليها عند كلّ شرائح المجتمع، لضمان زيادة نسبة الأصحّاء والتمتّع بحياة أفضل وأطول.

* أهميّة التثقيف الصحيّ
وعن أهمية التوعية الصحيّة، أشار حجازي إلى أنّه نتيجة لزيادة الوعي حول الصحّة، واهتمام الناس باختيار نمط معيشة صحيّ وجيّد أو اهتمامهم بممارسة النشاط الرياضيّ المنتظم، زادت الحاجة لتوفير معلومات وإرشادات للحصول على جسم سليم.

وأكّد حجازي أنّ لنشر الوعي الصحيّ أساليب مختلفة، إن كان عبر: التلفزيون، الراديو، أو المنشورات على اختلافها، إلى الجريدة اليوميّة أو المجلّات المتخصّصة، حيث يتمّ إيصال المعلومات إلى شرائح واسعة من المجتمع. ممّا يساعد المتلقّي على تغيير مسلكيّاته المضرّة إلى مسلكيّات سليمة، لتجنّب المخاطر التي تتسبب بأمراض قاتلة أو تؤدي إلى الاعتلال الصحيّ للفرد.

ونظراً إلى الكلفة العالية لنشر الوعي عبر وسائل الإعلام تلجأ المؤسسات الصحية إلى إصدار بروشورات متخصّصة، بعناوين مختلفة، حسب الأمراض التي تعتبر شائعة كأمراض السكريّ، أمراض القلب، زيادة الوزن، أو تعليمات للأمّ المقبلة على الحمل والولادة أو المرضى الذين يحتاجون إلى عمل جراحيّ.

أما الجهة التي تقوم بإصدار المطبوعات فهي لجنة متعاونة من أطباء ذوي اختصاص بمجال المعلومات المراد نشرها، إلى جانب أصحاب اختصاص في تصميم البروشور والاستعانة بوسائل إيضاح من صُور أو رسوم.

أمّا عن كيفية التقييم لنجاح البروشور فبيّن حجازي أنّ معرفة حجم استفادة المريض منه يحتاج إلى إجراءات، عادة، لا يقبلها المريض كسؤاله، مثلاً، عن المعلومات التي اطّلع عليها ومدى أهميّتها بنظره. ومن خلال التجربة نعتقد أن المريض، عادة، يهتمّ بمعرفة حجم الخطر الذي يتهدّده وسبُل الوقاية منه.

* من الوصايا الإسلاميّة
إنّ الدين الإسلاميّ عالج موضوع التثقيف الصحيّ. وفي مراجعة سريعة للأحاديث الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام نجد الاهتمام الواضح في هذه المسألة من خلال اتّباع إرشادات أو وصفات طبية تقيهم وتعالجهم من الأمراض، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "نحن قوم لا نأكل حتّى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع"(1).

وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "في العسل شفاء من كل داء، مَن لعق لعقة عسل على الريق يقطع البلغم ويكسر الصفراء ويقمع المرّة السوداء ويصفو الذهن ويجود الحفظ إذا كان مع اللبان الذَكَر والسكّر ينفع من كل شيء ولا يضرّ من شيء وكذلك الماء المغليّ"(2).

روايات شريفة بلسان من اختصّهم الله بالهداية والتقوى، هي بمثابة قوانين طبيّة احترازية، مَن اتّبعها سلم من السقم والمرض فسلامة البدن كسلامة الروح. لذلك، لا بدّ من الوقاية والوقاية خير من قنطار علاج كما يؤكد الإمام الكاظم عليه السلام: "الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء وعَوِّد بدناً ما تعوّد"(3).


1- سنن النبي، الطباطبائي، ص181.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج59، ص261.
3- (م.ن)، ج78، ص212.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع