نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الأصحاب: صلاحُكم استقامة للرعية


الشيخ خليل رزق


جاهد الإمام عليّ عليه السلام، وحارب كلّ أنواع الظلم في المجتمع. وتمثّل ذلك في القضاء على كلّ أشكال ومظاهر الانحراف، في جسم الخلافة الإسلاميّة. واستتبع ذلك بخطوات عمليّة، حيث وضع المبادئ والأُسس الكفيلة بسدِّ حاجات الناس، وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعيّ بين جميع أفراد المجتمع، الذي يؤمِّن لكلّ واحد من هؤلاء الأفراد حاجاتهم الضروريّة، ويعيش كلّ إنسان عيشةً إنسانيّة كريمة.

* مبادئ الإصلاح والتغيير
ارتكز الإمام عليّ عليه السلام في خطواته الإصلاحيّة على مجموعة من المبادئ، شكّلت المحور الأساس في العمليّة التي قادها نحو الإصلاح والتغيير، فتوجّه نظرهُ إلى الطبقة المحيطة به من الأصحاب والولاة، الذين إذا صلحوا واستقاموا ساد العدل وارتفع الظلم.

ومن تلك المجالات التي عمل الإمام عليه السلام على إصلاحها نذكر:

أولاً: في المجال الإداريّ
أ- تبديل الولاة والحُكّام:
رأى الإمام عليّ عليه السلام الفساد الواضح في الأجهزة الإداريّة للدولة بسبب فساد معظم الولاة، وعدم كفاءتهم. لذلك، قام بعَزل الولاة السابقين، الذين كانوا السبب الهامّ في الثورة على عثمان، نتيجة ظُلمهم وبَغيهم، وعدم دِرايتهم بالسياسة وأصول الحُكم، واستبدلهم بنُخبة من الولاة، المعروفين بالوَرع والصلاح، ومن الذين لهم تاريخ في الإسلام والجهاد في سبيل الله.

وولّى الإمام عليه السلام رجالاً من أهل الدين والعِفّة والحزم. فولّى على البصرة عثمان بن حنيف، وعلى الشام سهل بن حنيف، وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة. وهذه هي الأمصار الكبرى في دولة الخلافة حينذاك. وقد أصاب هذا الإجراء قريشاً بضربةٍ قاصمة في كبريائها وسلطانها. وفي هذا المجال، يقول عليه السلام: "فليست تصلح الرعيّة إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة"(1).

وأمّا في شأن هؤلاء الولاة الذين تحدّثنا عنهم يقول عليه السلام: "ولكنّني آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذوا مال الله دُوَلاً، وعباده خَوَلاً(2)، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً، فإنّ منهم الذي قد شرب فيكم الحرام، وجُلِدَ حدّاً في الإسلام، وإنّ منهم من لم يُسلِم حتى رُضِخَت له على الإسلام الرضائخ"(3).

ب- تنظيم جهاز المحاسبة والرقابة:
بعد عزل الولاة السابقين، وتعيين الولاة الذين كانوا موضع ثقة الإمام عليه السلام، لم يكتف الإمام بذلك، بل إنّه وانطلاقاً من مبدئه في الحِفاظ والسَهر على شؤون الأمّة، ورعاية مصالحها، كان على اطّلاع دائم على ما يقوم به هؤلاء الولاة من أعمال، من خلال مراقبتهم وإرسال الكتب إليهم التي يذكر فيها مبادئه في العدل والمساواة.
فهذه الرسائل والكتب تدلّ على مدى اهتمام الإمام عليه السلام بمتابعة شؤون الولاة والعمّال. وتعكس الدلالة الواضحة على مراقبة الإمام لمجاري الأمور، صغيرها وكبيرها.

ومثالاً على ذلك، رسالته إلى عثمان بن حنيف الأنصاريّ، عامله على البصرة.
ومنها ما ورد إلى سمْع الإمام عليه السلام من أنّ شُريح بن الحارث، قاضي الإمام، اشترى على عهده داراً بثمانين ديناراً فاستدعاه وحقّق معه في ذلك وبعث إليه برسالة يقول فيها: "بلغني أنّك ابتَعْتَ داراً بثمانين ديناراً، وكتبت لها كتاباً وأشهدْتَ فيها شهوداً.
فقال له شُريح: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فنظر إليه نظر مُغْضب..."(4).

ج- السؤال عن مصدر الثروة:
من جملة الأمور التي كان يتابع الإمام عليّ عليه السلام من خلالها مراقَبة الولاة وأعمالهم، سؤالهم عن مصادر أموالهم وثرواتهم. ففي كتاب له إلى بعض عمّاله يقول:
"أمّا بعد فقد بلغني عنك أمرٌ إن كنت فعلتهُ، فقد أسخطت ربّك وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك! بلغني أنّك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك فارفع لي حسابك. واعلم أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس..."(5).
وبهذا أقفل الإمام عليّ عليه السلام الأبواب، وسدَّ كل المنافذ التي كان من الممكن أن يصل من خلالها البعض، لإفساد الدولة الإسلاميّة عبر إفساد رموزها ورجالاتها، ممّن يعيشون في الدائرة الضيّقة حوله عليه السلام.

ثانياً: في المجال الاقتصاديّ
وقَف الإمام موقفاً حازماً من السياسة المتّبعة في أسلوب توزيع المال، وعدم التسوية في العطاء، فكان عليه أن يواجه الموقف بوضع خُطط وأساليب للقضاء على التفاوت الطبقيّ الناشئ من سياسة الحكّام والولاة السابقين، بما لهُ من ذيول سلبيّة على الناس.

ومن هنا، كانت الخطوات التي اتّبعها الإمام للقضاء على الظلم، والتفاوت الطبقيّ، من خلال سياسته الماليّة الجديدة التي ظهرت في:

أ- المساواة في توزيع المال:
افتتح الإمام عليّ عليه السلام عهده بأشرف مبدأ على وجه الأرض، فأعلن شعاره المساواة في العطاء بين الناس دون أيّ تفضيل لعربيّ على عجميّ، ولا لأسود على أبيض، ودون أن تكون هناك حصّة لفريق أو جهة أكثر من الفريق الآخر.
"ولا يتخلّفن أحدٌ منكم عربيّ ولا عجميّ، كان من أهل العطاء أم لم يكن، إلّا حضر..."(6).

ب- مصادرة أموال الطبقة الأرستقراطية:
ومن المبادئ التي أعلنها الإمامعليه السلام في بداية عهده، تحقيقاً للعدل والمساواة، حكمه بمصادَرة جميع ما أَقطعه الخلفاء من القطائع، وما وهبوه من الأموال العظيمة للطبقة الأرستقراطية، وفي هذا يقول عليه السلام:
"أيّها الناس، إنّي رجل منكم، لي ما لكُم وعليَّ ما عليكم، وإنّي حامِلُكُم على منهج نبيِّكم، ومُنَفِّذٌ فيكم ما أمر به، ألا وإنّ كلّ قطيعةٍ أقطعها عثمان، وكل مالٍ أعطاه من مال الله فهو مردودٌ في بيت المال، فإنّ الحقّ لا يُبطِلُهُ شيءٌ، ولو وجدتُهُ قد تُزوِّج به النساء، ومُلِكَ به الإماء، وفُرِّق في البلدان لردَدتُهُ، فإنّ في العدل سَعَةٌ، ومن ضاق عليه العدلُ فالجور عليه أضيقُ"(7).

ج- التكافل الاجتماعيّ ومواساة الآخرين:
من الأمور الواضحة، في سياسة أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه لم يكن بعيداً عن تطبيق مبادئه على نفسه، حيث كان عليه السلام يعيش كما يعيش أضعف رعيّته، فيواسيهم في فقرهم وحرمانهم، ويأبى إلّا أن يكون كواحدٍ منهم، انطلاقاً من رفضه لكلِّ أشكال التمايز الطبقي وسعيه لأن يكون المجتمع طبقة واحدة، فأمر وُلاته بأن يكونوا عيناً ساهرة على مصالح الأمّة وشؤونها كما فرض الله عليهم ذلك، وطلب إليهم أن يتحسّسوا آلام الفقراء، وحثّهم على تقديم المعونةِ إليهم.

ففي وصيةٍ له لأحد ولاته يقول الإمام عليّ عليه السلام:
"اضرب بطرفك حيث شئت من الناس، فهل تُبصر إلّا فقيراً يكابد فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتخذ البخل بحقِّ الله وفراً..؟"(8).


1- نهج البلاغة، الخطبة 216.
2- الخَوَل: العبيد.
3- نهج البلاغة، الكتاب 62.
4- (م.ن)، الخطبة 242.
5- (م.ن)، الكتاب 41.
6- (م.ن)، ج7، ص37.
7- (م.ن)، ج1، ص269 - 270.
(م.ن)، الخطبة 219.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع