مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كشكول الأدب


إبراهيم منصور

* من جذور الكلام
المَلْحَمَة: هي الوَقْعَةُ العظيمةُ القتلِ، وقد جاء في الحديث الشريف: "اليوم يومُ الملحمة"؛ هي الحربُ وموضعُ القتال، والجمع مَلاحِم مأخوذٌ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها؛ وقيل: الملحمة حيث يُقاطِعون لُحومَهم بالسيوف، قال الشاعر:

بملحمةٍ لا يستقلُّ غُرابُها دفيفاً، ويمشي الذئبُ فيها مع النَّسْرِ

أي لكثرة القتلى يمشي الذئبُ فيها مع النسر لينالا حِصَّتهما من اللحوم المتناثرة! وفي قولهم: "إنّ محمداً نبيُّ الملحمة" أن الملحمة: الحرب. وتقول العرب: أُلْحِمَ الرجُلُ إلحاماً واستُلْحِمَ استلحاماً: إذا نَشِبَ في الحرب فلم يجد مَخْلَصاً، وكذلك إذا أَلْحَمَهُ القتالُ، وفي حديث جعفر الطيّار عليه السلام أنه أخذَ الرايةَ بعد قتل زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في موقعة مؤتَة، فقاتل والرايةُ معه حتى ألحمهُ القتال فقُطعتْ يداه ثمَّ قُتِل رحمه الله (1).

*من لغة العرب
اللَّدْم؛ هو ضربُ المرأة صدرَها، أي اللَّطم، يُقال: لَدَمَتِ المرأةُ وجهها تَلْدِمُهُ لَدْماً: ضربَتْه؛ وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام لدى خروجه إلى العراق: "والله لا أكون مثلَ الضَّبُعِ تسمعُ اللَّدْمَ فتخرُجُ فتُصاد"، وذلك أنَّ الصيَّاد يجيء إلى حُجْرِها فيضرِبُ بحجرٍ أو بيده، فتخرُجُ وتحسَبُه شيئاً تَصِيدُه لتأخُذَه، فيأخُذُها، وهي من أحمق الدوابّ؛ أراد عليه السلام أني لا أُخْدَعُ كما تُخْدَعُ الضَّبُعُ باللَّدْم، ويُسمَّى الضربُ لَدْماً؛ وفي حديث مرويٍّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أنَّ الأنصار لمَّا أرادوا أن يُبايعوه في بيعة العَقَبَة بمكَّة قال أبو الهَيْثم بن التَّيِّهان: يا رسول الله، إنَّ بيننا وبين القوم (أهل مكَّة) حِبالاً ونحن قاطِعُوها، فنخشى إنِ الله أعزَّكَ وأظهَرَكَ أن تَرْجِعَ إلى قومك، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "بل الدمُ الدمُ والهَدَمُ الهَدَم"، أي أُحارِبُ مَنْ حارَبْتُم وأُسالِمُ مَنْ سالمْتُمْ، ورواهُ بعضُهُم: "بل اللَّدَمُ اللَّدَم والهَدَمُ الهَدَم"، فاللَّدَمُ: الحُرَمُ، نساءُ المرء، جمع لادِم، وهي التي تلدِمُ وَجْهها أي تلطمه إذا مات ذَوُوها، أمَّا الهَدَمُ فهو القَبْرُ، ومعنى الحديث: حُرَمُكُم حُرَمي، والمَحْيا مَحْياكم والمماتُ مَمَاتُكم، لا أُفارِقُكُم؛ وهكذا فَعَلَ صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أجمل الوفاء(2).

*أعذبُ الشعر أكذَبُه!
هذا الحُكمُ أطلقه أحد النقَّاد القُدامى، والحقيقة أن العرب - منذ عصر الجاهلية - كانوا يميلون إلى المبالغات وذِكْرِ غير المعقول في شعر المديح والفخر والفروسيَّة، من ذلك قول الشاعر عمرو بن كُلثوم في الفخر بقومه:

إذا بلغ الفِطامَ لنا صبيٌّ تَخِرُّ له الجبابرُ ساجدينا!

ويقول الشاعر القُحَيْف بن عُمَيْر:

إذا ما غَضِبْنا غَضْبَةً مُضَرِيَّةً هَتَكْنا حِجابَ الشمسِ أو مَطَرَتْ دما!

وهذا البيت سرقه الشاعر بشّار بن بُرْد لشدَّةِ إعجابهِ به.

*من غريب اللغة
التَّغَذْرُم؛ من فعل تَغَذْرَمَ، تقول العرب: تَغَذْرَمَ فلانٌ الشيءَ؛ أَكَلَهُ، وتَغَذْرَمَ يميناً: حَلَفَ بها، وإذا قالوا: "تَغَذْرَمَها" عُرِفَ أنَّهم يريدون: حَلَفَ يميناً، فأضمروا اليمينَ لمكانِ العِلْمِ بها؛ والتَّغَذْمُرُ: مقلوبٌ عن التَّغَذْرُم، ومعناه الغضبُ وسوء اللفظ والتخليط بالكلام، ومنه الحديث أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لمَّا طَلَب إليه أهل الطائف أن يكتُبَ لهم الأمانَ على تحليل الرِّبا والخَمْر فامتنع، قاموا ولَهُم تَغَذْمُرٌ وبَرْبَرَةُ، والبربرةُ مثل التَّغَذْمُرِ، أي الغضب، وسوءُ اللفظ والتخليط بالكلام، والبَرْبَرَةُ مشهورةٌ في العاميَّة بهذا المعنى(3).

*مُفردة غنيَّة بالمعاني
العَلَم؛ هو الشَّقُّ في الشَّفَةِ العُليا، فهو أعلَمُ أي مشقوقُ الشَّفَةِ العُليا، وهي عَلْماءُ، والعَلَمُ: ما يُبْنَى من المنازلِ والمعالِمِ على جادَّةِ الطريق، وقيل: العَلَمُ شيءٌ يُنْصَبُ في الفلواتِ تهتدي به الضالَّةُ؛ والعَلَمُ: الجَبَلُ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (الشورى: 32)، أي الجبال؛ والعَلَمُ: رَسْمُ الثَّوْب، فعَلَمُ الثوبِ رَقْمُه في أطرافه؛ والعَلَمُ: الرايةُ تجتمعُ إليها الجُنْدُ؛ والعَلَمُ: السيِّدُ في قومه، أعلامُ القومِ ساداتُهُم؛ وبعدُ، فالعَلَمُ هو الوِسامُ، فقَدْ عَلَمَهُ عَلْماً: وَسَمَهُ، وعَلَمَ البطلُ نفسَهُ: وسَمَها بسيماء الحرب، ورجُلٌ مُعْلِمٌ إذا عُلِمَ مكانُه في الحرب بعلامةٍ أَعْلَمها، وقد أعلَمَ حمزةُ (رض) يومَ بدْر، ومنه قوله:

فَتَعَرَّفوني، إنني أنا ذاكُمُ شاكٍ سلاحي في الحوادثِ مُعْلِمِ(5)

*من أجمل الاستعارة
تقولُ العرب: استَطْعَمَ فلانٌ صاحبَه، أي سألَهُ أن يُطعِمُه، ثمّ استعاروا الطَّعْمَ للحديث فقالوا: اسْتَطْعَمْتُهُ الحديث، أي طلبتُ منه أن يُحدِّثني وأن يُذيقَني طَعْمَ حديثه، وهو من أجمل الاستعارة والتجسيم، ومنه الحديث المرويّ: "إذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمامُ فأَطْعِمُوه"، أي إذا أُرْتِجَ عليه في قراءةِ الصلاةِ واسْتَفْتَحَكُمْ فافْتَحُوا عليه، وهو من باب التمثيل تشبيهاً بالطعام. ثمَّ تَوَسَّعوا في التعبير فقالوا: فلانٌ طَيِّبُ الطِّعْمَةِ وفلانٌ خَبيثُ الطِّعْمَة، إذا كان من عادته ألَّا يأكلَ إلَّا حلالاً أو حراماً(4).

*مسألة صَرْفيَّة
مُخَضْرَمٌ أو مُخَضْرِمٌ؟ تقول العرب: ناقةٌ مُخَضْرَمَة، أي مقطوعة الأُذُن، والخَضْرَمَةُ: قطْعُ إحدى الأُذُنَيْن، وهي سِمَةُ الجاهلية، إذ كان أهلُ الجاهليَّةِ يُخَضْرِمون أنعامَهُم لكي تُعْرَف فلا تُستباح، فلمَّا جاء الإسلام أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين أن يُخَضْرِموا نَعَمَهُم من غير الموضع الذي يُخَضْرِمُ منه أهلُ الجاهلية، وأصل الخَضرمَة أن يجعل الشيء بين بين ومنه قيلَ لكلِّ مَنْ أدْرَكَ الجاهلية والإسلام مُخَضْرَم لأنه أدركَ الخَضْرَمتَيْن: خَضْرَمَةَ الجاهلية وخَضْرَمَة الإسلام. ولكنَّ أكثرَ أهلِ اللغة على أنه مُخَضْرِم بكسْرِ الراء لأنَّ أهلَ الجاهلية لمَّا دخلوا في الإسلام خَضْرَمُوا آذان إبلهِم ليكون علامةً لإسلامهم إن أُغيرَ عليها أو حُورِبوا؛ وأمَّا مَنْ قال مُخَضْرَم، بفتح الراء، فتأويلُه أنه قُطِعَ عن الكُفْر إلى الإيمان. ويقال رجلٌ مخضرَم لمن كان أبوه أبيض وهو أسود، وتُقال رجل مخضرَم: إذا كان ناقص الحسب أو هو ليس بكريم النسب(6).


1- لسان العرب، ابن منظور، مادة لحم.
2- م.ن، مادة لدم.
3- م.ن، مادة غذرم.
4- م.ن، مادة طعم.
5- م.ن، مادة علم.
6- م.ن، مادة خضرم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع