نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: شمس الانتصار (*)



زينب الكبرى عليها السلام أحد نماذج التاريخ البارزة التي تظهر عظمة حضور امرأةٍ في إحدى أهمّ قضايا التاريخ. فعندما يُقال إنّ الدم انتصر على السيف في عاشوراء وفي واقعة كربلاء، وهو كذلك، فإنّ عامل هذا الانتصار هو زينب عليها السلام؛ وإلّا فإنّ الدم في كربلاء قد انتهى، والذي أدّى إلى تبديل الهزيمة العسكريّة الظاهريّة في ميدان عاشوراء إلى انتصار قطعيٍّ دائم فهو زينب الكبرى بمفردها؛ وهذا أمرٌ في غاية الأهميّة.

*العفاف والعزّة الجهاديّة
لقد دلّت هذه الواقعة على أنّ المرأة ليست على هامش التاريخ؛ بل هي في صلب الأحداث التاريخيّة المهمّة.
أظهرت زينب عليها السلام أنّه يمكن للمرأة أن تسمو بالحجاب وعفاف المرأة إلى العزّة الجهادية؛ إلى جهاد كبير في الميدان، يمكنها أن تقوم بعملٍ يذلّ ويحقّر العدوّ، الذي بحسب الظاهر، قد انتصر في المعركة العسكرية واقتلع المعارضين وجلس على عرش النصر في قصر رئاسته؛ فوُسم جبينه بوصمة العار الأبديّ وتبدّل انتصاره إلى هزيمة.

وما بقيَ من خطب زينب الكبرى، ممّا هو في متناول الأيدي، يُظهر عظمة حركة زينب الكبرى. فخطبتها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عاديّاً؛ بل بيّنت، بتحليل عظيم، أوضاع المجتمع الإسلامي في ذلك العصر، بأجمل الكلمات، وأعمق وأغنى المفاهيم في مثل تلك الظروف.

*تحديد الآفات
انظروا كم هي قويّة شخصيّة السيّدة زينب عليها السلام! لقد فقدت قبل يومين، في تلك الصحراء، أخاها وقائدها وإمامها مع كلّ الأعزّاء الشباب والأبناء، وكانت ضمن الجمع المؤلّف من بضع عشرات من النساء والأطفال حيث أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس، بعضهم كان يهلّل، وبعضهم كان يبكي؛ في مثل هذه المحنة، تسطع فجأةً شمس العظمة، زينب عليها السلام، فتستعمل نفس اللهجة التي كان يستعملها أبوها أمير المؤمنين عليه السلام، تنطق بنفس الطريقة وبذلك السموّ في المضمون والمعنى: "يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر والخذل"(1)؛ أيها المخادعون، أيها المتظاهرون! لعلّكم صدّقتم أنكم أتباع الإسلام وأهل البيت؛ ولكن سقطتم في الامتحان وصرتم في الفتنة عمياً، "هل فيكم إلّا الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الإماء، وغمز الأعداء"(2)؟ فتصرّفكم وكلامكم لا ينسجم مع قلوبكم. غرّتكم أنفسكم، وظننتم أنكم مؤمنون، وأنّكم لا زلتم أتباع أمير المؤمنين؛ في حين أنّ واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكّنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكنوا من النجاة بأنفسكم ﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا (النحل: 92)؛ فبدون بصيرةٍ ووعيٍ للظروف وبدون تمييز بين الحقّ والباطل أبطلتم أعمالكم وأحبطتم سوابقكم. فالظاهر ظاهر الإيمان؛ أمّا الباطن فهو باطنٌ أجوف خالٍ من المقاومة مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً للآفات.

*هكذا نفهم عظَمة زينب عليها السلام
بهذا البيان القويّ والكلمات البليغة، في تلك الظروف الصعبة، تحدّثت زينب الكبرى. فلم يكن الأمر بحيث نرى مجموعة من المستمعين يجلسون أمام زينب وهي تتحدث معهم كخطيب عاديّ؛ كلا، فالجماعة هم من الأعداء، وحَملة الرماح يحيطون بهم؛ منهم الذين سلّموا مسلماً إلى ابن زياد، أولئك الذين كتبوا الرسائل للإمام الحسين عليه السلام وتخلّفوا... وهم الآن يشاهدون ابنة أمير المؤمنين ويبكون. فكانت زينب الكبرى في مواجهة هذه الجماعات المتفاوتة التي لا يمكن الثقة بها، ولكنّها كانت تتحدث بهذه الطريقة المحكمة. فهي امرأة التاريخ. إنّها تبيّن علل الثورة النبويّة والثورة العلويّة؛ وتقول إنكم لم تتمكنوا من معرفة الحق في الفتنة، ولم تستطيعوا أن تعملوا بتكليفكم، وكانت النتيجة أن يُرفع رأس فلذة كبد النبي على الرماح.. من هنا يمكن فهم عظمة زينب.

*اكتشفن دوركنّ
إنّ إحياء ذكر زينب؛ هو دعوة لنسائنا أنِ اكتشفْنَ دوركنّ؛ فأدركنَ عظمة كونكنّ نساءً في معادلة مزج الحجاب والحياء والعفّة مع العزّة الإسلامية والإيمانيّة. هذه هي المرأة المسلمة عندنا.
عظمة المرأة لا تكمن في جذب أنظار الرجال إلى نفسها؛ وليس هذا فخراً للمرأة، وليس هذا تعظيماً لها، بل هو تحقير. إنّ عظمة المرأة في تمكّنها من الحفاظ على الحجاب والحياء والعفاف الأنثويّ الذي أودعه الله في جبلّتها، فتقوم بمزج هذا كله مع العزّة الإيمانية، وتخلطه بالشعور بالتكليف والمسؤولية، فتُعمل تلك اللطافة في محلّها وذاك الحزم الإيمانيّ في محلّه. وهذا هو الامتياز الذي أعطاه الله تعالى للمرأة فقط، لهذا يضرب الله في القرآن نموذجاً لإيمان كل الناس نساءً ورجالاً - امرأتين: ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ (التحريم: 11)، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ (التحريم: 12). فهذه إشارات ودلائل على منطق الإسلام.

*هي القدوة
فعندما يريد العدوّ أن يشمت بزينب الكبرى، لما جرى عليها، فإنّها تقول: "ما رأيت إلّا جميلاً"؛ فقد قطّعوا إخوتها وأبناءها وأعزاءها وأقرب أنصارها أمام ناظريها إرباً إرباً وسفكوا دماءهم ورفعوا رؤوسهم فوق الرماح وهي تقول: جميل! فأيّ جميل هو هذا؟ فاربطوا هذا الجميل بما نُقل من أن زينب الكبرى لم تترك صلاة الليل حتّى في ليلة الحادي عشر. فطول مرحلة الأسر لم يضعف انقطاعها إلى الله وتوجّهها إليه وتعلّقها به، بل ازداد. هذه المرأة هي القدوة.


(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاءِ جمعٍ غفيرٍ من السيدات 21/4/2010.
1- الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص29.
2- م.ن.




 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع