تحقيق: ريان سويدان
يزرع شتول التبغ باليد اليمنى ويُدخّن سيجارته باليد اليسرى، غير آبهٍ بأنّ التبغ النظيف الذي يُزرع لم تعد تحتوي سيجارته منه إلّا على نسبة ضئيلة جداً.. فأدركه المرض الخبيث برئتيه وفتك بجسده.. ذاك حال عبّاس الرجل المزارع الستّيني الذي ما زال يخضع لعمليّات جراحية لاستئصال المرض الخبيث من رئتيه، اللتين فتك بهما الإدمان على التدخين منذ عمر الشباب..
*دوافع التدخين
من هنا، يستوقفنا السؤال عن أسباب ودوافع التدخين الذي أضحى آفة متفشّية بشكل كبير في مجتمعاتنا، بشكل عامّ، وتهدِّد عنصر الشباب بشكل خاصّ. فعليّ (22 عاماً، موظف) يردّ سبب تعلّقه بالتدخين منذ السادسة عشر من عمره إلى البيئة العائليّة المدخّنة التي يعيش ضمنها. أمّا حسين (21 عاماً، موظف) فوجد في السيجارة ملاذاً للشعور بالقوّة والشهرة تأثّراً بمشاهير الأفلام المتلْفزة.
وللاطّلاع أكثر على دوافع وأسباب التدخين كان لنا وقفة مع الأخصّائي التربويّ والنفسيّ الدكتور محمود غنوي الذي استعرض الأسباب والدوافع العامّة للتدخين:
1- التدخين عادة من العادات الاجتماعية القديمة التي يجري تناقلها عبر الأجيال.
2- مادّة التبغ أو التنباك بمختلف أنواعها، هي مادّة بسيطة زهيدة الثمن، بمتناول الجميع، كباراً كانوا أم صغاراً، وتُباع بنكهات متنوّعة.
3- الدعاية والإعلان المسلّط لتسويق الدخان عبر مختلف وسائل الإعلام، تعطي المُشاهد الانطباع بالقوة والثقة التي يكون عليها المدخّن، وتؤثّر على المُشاهد بشكل لا واعٍ - لا إراديّ.
4- رغبة الصغار من الشباب والمراهقين بتقليد الكبار في التدخين.
5- العادات السلبية بالتفاخر والتباهي، حيث أصبح الشخص يبرز للآخرين مستواه الماليّ والاجتماعيّ من نوع الدخان الذي يستخدمه بدءاً من السيجارة العادية حتّى استخدام السيغار.
*هل أسباب التدخين حقيقيّة؟
بالإضافة إلى الأسباب والدوافع العامّة للتدخين هناك دوافع نفسية يعتبرها الفرد المدخّن أسباباً حقيقيّة يتذرَّع بها. ويردّ غنوي الفشل في توقيف التدخين لهذه الأسباب. فعليّ (28 عاماً، موظف) مدخّن منذ السادسة عشر من عمره، حاول مراراً وتكراراً الإقلاع عن التدخين لكنّ محاولاته باءت بالفشل بسبب ظروف العمل الصعبة أولاً، وبسبب البيئة المدخّنة المحيطة به، ثانياً. من هنا يبيّن لنا الدكتور محمود غنوي الأسباب الكامنة وراء تذرّع المدخّن بأسباب وهميّة تجعله يدمن التدخين أبرزها:
1- يظنّ بعض الناس أنّ التدخين عند التوتّر والغضب يحافظ على حالة اليقظة، وهذا اعتقاد خاطئ.
2- إنّ طريقة التنفّس أثناء التدخين تتحكّم بعامل التوتّر، فتزيد من الحالة أو تقلّلها، من هنا نميِّز بين حالتين:
الأولى: التنفّس السريع الذي يزيد من سرعة نبضات القلب، ولذلك من كان متوتّراً وغاضباً وينفث الدخان بسرعة، تزيد حالة القلق والتوتّر لديه لتصل إلى مرحلة الغضب غير الحميد.
الثانية: أمّا التنفس البطيء من خلال الشهيق بهدوء ثمّ حبس النفس والزفير ببطء وهدوء، فهذا من شأنه أنْ يساعد على إنقاص سرعة نبضات القلب وبالتالي يعطي الشعور بالطمأنينة النفسيّة. وهذا ما نجده لدى من يدخّن بهدوء تامّ ويشعر بالراحة. ولكن هدوءه يعود في الحقيقة للتنفّس البطيء الذي كان بإمكانه أن ينفّذه بعيداً عن التدخين.
*الخطر يهدّد صحتك
وللتعرّف أكثر إلى مضارّ التدخين تحدّثنا إلى الأخصائيّة في الأمراض الصدرية الدكتورة رنا زعرور التي أطلعتنا على الأضرار التي تفتك بصحّة المدخّن:
1- الانسداد الرئويّ المزمن: تبدأ أعراضه بنوع من الحساسيّة الزائدة عبر حالة من الهيجان في الأغشية المخاطيّة والتي تؤدّي إلى سعال مزمن، ومع الاستمرار في التدخين تتفاقم تلك الأعراض لتفرز القصبة الهوائية مادة تسمى «البلغم»، ويتكاثر ليُحدِث فيما بعد انسداداً رئوياً يؤدّي إلى صعوبة في عملية التنفّس والاضطرار لتناول أدوية وبخّاخات بشكل مستمرّ أو الحاجة إلى تنفّس اصطناعيّ. وهذا الضرر يتفاوت احتمال الإصابة به من مدخّن لآخر بحسب قابليّة جسده.
2- مشاكل في القلب بسبب ضُعف كمية الأوكسيجين التي تصل إلى الرئتين كالانسداد في شرايين القلب، ويتبعه انسداد في الشرايين الممتدة إلى كافّة أنحاء الجسد.
3- التسبّب بالضرر للآخر، غير المدخّن، فيصبح مدخّناً سلبياً، لأنّه يستنشق نسبة كبيرة من دخان السجائر والذي يمكن أن يسبّب له انسداداً رئوياً.
4- تأثّر الجهاز العصبيّ بشكل كبير بمادّة النيكوتين التي يحتوي عليها الدخان.
5- التسبّب بأمراض سرطانية في الفم والحنجرة والرئة بسبب احتواء التدخين على موادّ مسرطنة.
6- اصفرار في الأسنان واصفرار الجلد وشحوب في الوجه والخشونة في الصوت وغيرها...
7- أضرار كبيرة بالمرأة الحامل المدخّنة بسبب احتمال الإجهاض، تشوّه الجنين، الولادة قبل الوقت المحدّد، ولادة الطفل بأقلّ من وزنه الطبيعيّ.
*لكي تتوقّف عن التدخين دون رجعة
وللإقلاع عن آفّة التدخين تقدّم الدكتورة رنا زعرور سلسلة من الاقتراحات والحلول المناسبة:
1- تعريف المدخّن بمضار التدخين الخطيرة وأمراضه المميتة.
2- إقناع المريض بأنّ لديه إرادة صلبة وقوية تساعده في التوقّف عن التدخين. وهنا يلعب الجانب النفسيّ والتربويّ دوراً لدى المدخّن وفي إقناعه بتوفّر فرصة للعلاج.
3- اتباع برنامج التقليل تدريجيّاً من نسبة علب السجائر المستهلكة: إذ لا يمكن للمدخّن أن يتوقّف عن التدخين مباشرة، لأنّ الجسم بحاجة إلى فترة من الزمن ليتخلّص من آثار النيكوتين.
4- التقليل من تناول القهوة، لأنّ القهوة تزيد من التعلّق بالتدخين عند المدخّنين.
5- الابتعاد عن البيئة المدخّنة، لأنّ المدخِّن سيجد صعوبة في إيقاف التدخين إذا كانت بيئته مدخّنة وبيته غير صحيّ.
6- ممارسة الرياضة تعتبر عاملاً مهمّاً في زيادة النشاط في جسم الإنسان وتقلّل من أعباء الحياة والضغط النفسيّ.
7- تناول غذاء صحيّ وسليم كتناول الخضار وخصوصاً بعد التوقّف نهائياً عن التدخين، لأنّ التوقّف ممكن أن يؤدّي إلى زيادة في الوزن بسبب إيجاد المدخّن بدائل عن التدخين، كالإفراط في الأكل.
8- الذهاب إلى المراكز الصحيّة المتخصّصة في إخضاع المدخِّن المريض لبرامج تساعد في الإقلاع عن التدخين.
9- استخدام أدوية ومستحضرات تساعد في إيقاف التدخين، وهي بدائل صحية عن التدخين لفترة مؤقّتة للعلاج: كشرائح النيكوتين اللاصقة - علكة النيكوتين - السيجارة الإلكترونية.
أمّا الدكتور محمود غنوي فيؤكّد أنّ مسألة حماية الناشئة من مضارّ التدخين هي مسؤوليّة تربويّة تعليميّة دينيّة اجتماعيّة يتشارك فيها كلّ أقطاب المجتمع، بدءاً من الأسرة داخل المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام ومؤسّسات المجتمع المحلّي التوعويّ الخاصّ والرسميّ.
*للنهوض بمجتمع خالٍ من التدخين
ومن هنا يورد لنا د. غنوي التوصيات التالية للعمل على الحدِّ من التدخين والتخلّص من هذه الآفة الاجتماعية الضارّة، وذلك من خلال ما يلي:
1- العمل على إعداد كتيِّب صحيّ طبيّ تُحدَّد فيه مضارّ التدخين على المستوى الجسديّ، والذهنيّ، والعقليّ.
2- العمل على إعداد كتيِّب وبوسترات إعلامية توضع في كلّ الأماكن تبيِّن ماهيَّة التدخين، والأضرار الناجمة عنه والتزويد بالطرق والوسائل للحدِّ منه.
3- العمل على منع ترويج التبغ بكلّ أشكاله، عبر المؤسّسات الإعلاميّة كافّة، تمهيداً لمنع الاتّجار بالتبغ بشكل نهائيّ، ومنع زراعته واستيراده وتصديره.
4- إطلاق مؤتمر تربويّ طبّيّ نفسيّ، للحديث عن هذه الظاهرة لدراستها في كلّ أبعادها وتحديد تقنيّات العلاج بشكل مبسَّط وميسَّر.
5- إعداد دليل تربويّ، تعليميّ، مدرسيّ عن وسائل تقليل التوتّر وتوظيف الطاقات الداخلية لدى الأحداث والناشئة: ويكون بمتناول كلّ تلميذ مدرسيّ وطالب ثانويّ وجامعيّ، والأهمّ أن يتضمَّن برامج لتوظيف كلّ الطاقات المرتبطة بالأبعاد الخمسية للشخصية الإنسانية وهي: الذهنيّة العقليّة المعرفيّة - اللّسانيّة التواصليّة الاجتماعية - الجسديّة الحركيّة - الانفعاليّة القلبيّة - الروحيّة الدينيّة العقائديّة.