نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كيف نواجه الشائعات؟

د. سحر مصطفى (*)

تعتبر الشائعة من أقدم وسائل التواصل والتفاعل بين الناس. فهي قائمة على تعبير عاطفيّ محلّي، ومراقبة مستمرّة للجار أو الصديق وكلّ أفراد المجتمع. وقد ربطت الدلالة اللغويّة الفرنسيّة، قديماً، الشائعة بالسُّمعة أو الشُّهرة والشعبيّة. واعتبرها آخرون نوعاً من التواصل المَرضيّ.

*ماهي الشائعة؟
لغةً: قيل عن الشائعة في اللّسان العربي: شاع الخبر أي ذاع. وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: شاع الخبر كثُر وقوي، وشاع القوم: انتشروا وكثُروا، والشيعة هم مَن يتقوّى بهم الإنسان وينشرون عنه.

اصطلاحاً: تُعرَّف الشائعة بـ: كلّ خبر يحتمل الصدق، وليس معه دليل على صحّته، يتناقله الأفراد لارتباطه بموضوعات تُعتبر هامّة بالنسبة إليهم، ويروَّج له بوسائل مختلِفة بقصْد تقبّله.

*خطر الشائعة
في زمن الحروب نكون بحاجة لجهود ضخمة لمواجهة الشائعات، حيث يشكّل هذا الزمن بيئة حاضنة لانتشارها ووقوع الناس فريسة سهلة لها. وتكون أيضاً وسيلة مهمة من وسائل الحرب النفسية، سواء من خلال إضعاف معنويات الناس، أو نشر الخوف، والرعب وسوء الظن والإشكالات بينهم. كما تساهم في بثّ أجواء من عدم الثقة بين الأفراد في المجتمع، وبين هؤلاء والمسؤولين.

ومن نافل القول، إنّه في ظلّ التطوّر الهائل للمعلومات، أصبحت طرق نقل ونشر الشائعات أكثر وأقوى بكثير، ووسائل التأثير على الناس أشدّ خطورة، وخاصة أنّ بثّ الأخبار الكاذبة أسهل بكثير من تكذيبها. ولكنّ هذا الأمر لا يعفينا من واجباتنا في مواجهة الشائعات المغرضة التي تستهدف بثّ روح البلبلة والقلق والخوف والفتن في مجتمعنا. وإنّ أسلوب التشكيك في كلّ ما تبثّه وسائل الإعلام المعادية لخطّ المقاومة يمكن أن يكون استراتيجية جيّدة في مواجهة وسائل الإعلام.

*البيئة المساعدة على خلق وانتشار الشائعة
هناك الكثير من العوامل المساعدة على خلق الشائعات وانتشارها، وهي تتّصل بعوامل ذاتية للمجتمعات وأخرى خارجية، ومنها:

1- ميل الجماعة أو المجتمع الذي تنتشر فيه الشائعة إلى العواطف (مجتمعات انفعالية).
2 - وجود مستوى من القلق والخوف في المجتمع حيث يكون معرّضاً لتهديدات كارثيّة أو عرضة لحروب...
3- وجود مستوى من الجهل والغموض.
4- وجود فراغ في حياة الناس (بطالة).
5- غياب الثقة بين الأفراد وبين الفرد والمسؤول.
6- وجود استهدافات خارجية (ضمن الحرب النفسية وتهديم سلّم القيم).
7- تراجع منظومة القيم الدينيّة وطغيان الروح الفردية.

وكلّما زاد التوتّر والتهديدات والخوف والجهل، كلما زادت الشائعات في المجتمع.

*مواجهة الشائعات
لذلك يجب أن يكون العمل على مواجهة الشائعات وقت الحروب مسبوقاً بعمل جادّ ومنظّم من هيئات المجتمع كلّها قبل وقوع الحرب، وذلك لتحصين الناس وتزويدهم بآليات لمواجهة الشائعات.

1- المنهج الوقائيّ:

وقد اعتمد المنهج الإسلاميّ في مكافحة الشائعات على معالجة العناصر كلّها التي تساهم في تعزيز بيئة ملائمة لها. فركّز الإسلام على بناء منظومة أخلاقيّة وقيميّة عند الفرد تبعده عن أجواء اللغو، ونقل الكلام والكذب، وتحثّه على حفظ الأسرار ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق: 18).

2- المنهج الأخلاقيّ:

أرسى الإسلام منظومة أخلاقيّة للتعاطي بين الناس قائمة على:

1- الابتعاد عن الظنّ والغيبة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات: 12).
2- الحثّ على الكتمان وعدم إفشاء الأسرار، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ستر ما عاينت أحسن من شائعة ما ظننت"(1).
3- كما ركّز الإسلام على بناء علاقات متينة بين المؤمنين، وأمرهم بالتوادّ والتراحم فيما بينهم، عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: "مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر"(2).

3 - المنهج العلاجيّ:

1- حسن الظنّ بالمؤمنين.
2- اعتماد الأسس الشرعيّة للخبر.
3- ضرورة بثّ الوعي الاجتماعي: أو بتعبير قرآنيّ تهوين الأمور وتبسيطها، يقول تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ (النور: 15).
4- ضرورة التحقّق من الخبر وردّه إلى أولي الأمر والمعرفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات: 6).
5- عدم ترداد الشائعة ما يجعلها تضمحل وتتلاشى، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما يسمع"(3).

*خطوات وقائيّة
يجب التنبّه لأمور عدّة عند سماع أيّ خبر، وذلك من خلال:
1- ضرورة توافر المعلومات الصحيحة والصادقة عن أيّ موضوع يهمّ الناس، وتبنّي أعلى درجات الشفافية مع الناس حتى لا يقعوا فريسة الغموض والالتباس.

2- الاهتمام بالتركيبة النفسيّة للناس، وذلك من خلال دعْم الثقة بالنفس وبالله سبحانه وتعالى، ودعم الروح المعنوية، وتعزيز التوجّه إلى التواصي بالحقّ وبالصبر عند الناس، ومحاولة الابتعاد عن الشحن وشائعة أجواء القلق والخوف. وقد ركّز سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، سابقاً، على كلّ المحبّين لخطّ المقاومة الابتعاد قدر الإمكان عن متابعة التلفزيونات المعادية لخطّ المقاومة، وخصوصاً لمن لا يرتبط عملهم بهذه المتابعات، وذلك لإبعاد الأفراد عن أجواء التوتّر والشحن، التي تهيّئ الأرضيّة الخصبة لتقبّل الشائعات.

3- الاهتمام بتعليم الناس وتثقيفهم، فالجهل من العناصر الهامة التي تغذّي الشائعات. وكذلك الحثّ على التفكير النقديّ الذي يمحّص الأمور قبل أن يصدّقها أو يقبلها أو يرفضها.

4- شائعة فضيلة الصدق في المجتمع واعتبارها من أهم المقوّمات الأخلاقية.

5- التركيز على ثقافة التوكّل على الله سبحانه وتعالى، والثقة به، والتسليم بقضائه.

*طرق مواجهة الشائعة
في مواجهة الشائعة يمكننا التعامل بطرق مختلفة:

أ - إهمال الشائعة: وعدم الردّ عليها.

ب - تفنيد الشائعة: وهذا في مواجهة الشائعات التي لا ينفع إهمالها وتكون عناصر نجاحها أقوى.

ج - تكذيب الشائعة والتنبيه من مخاطرها:
وهذا الأسلوب يكون بمواجهة الشائعات الخطيرة والمختلقة والتي تترك أثراً بالغاً على الأمة. والتكذيب يمكن أن يكون على مستويات، فبعضها يكون عملياً ويفضّل أن يكون من شخصيات معروفة ومحبوبة ولها صدى في أوساط الجماهير، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة أحد عندما أُشيع خبر استشهاده، حيث ظهر للناس بشخصه، وبذلك أحبط تلك الشائعة.


(*) مسؤولة قسم الدراسات في مركز أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع