مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: ليلة المشاهـدة القلبيّة

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي


ليلة القدر هي قلب شهر رمضان. إنّ شهر رمضان المبارك بالنسبة للأمّة الإسلاميّة معجزة أكثر قوّة من معجزة سليمان النبيّ؛ لأنّ معجزة النبيّ سليمان تجلّت في السيطرة على الرياح التي كان ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ: 12). فكيف بقطعِ طريقٍ يستغرق ألف شهرٍ في ليلة واحدة؟

*ألف شهر في ليلة واحدة
كان باستطاعة النبيّ سليمان عليه السلام أن يقطع مسيرة شهر في صباح واحد، إلّا أنّ إعجاز القرآن الكريم هو في أنّ السالك الصالح يتمكّن من قَطْعِ طريقٍ يمتدّ لألف شهر في ليلة واحدة، في ليلة القدر: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر (القدر: 3).

الفارق أنّ النبيّ سليمان عليه السلام كان يقطع مسير "المكان"، والقرآنيين بإمكانهم قطع مسير "المكانة". كان أتباع النبيّ سليمان عليه السلام يقطعون الطريق الظاهريّ الذي يمتدّ لشهر في صباح، ولكنّ أتباع القرآن والعترة كانوا يقطعون في ليلة واحدة المكانة والطريق المعنويّ، الذي يمتدّ لألف شهر.

إنّ تقديم هذه المقدّمة هو للتساؤل عمّا نريده من الله تعالى. إنّ مسألة مغفرة الذنوب، مسألة حلّ المشاكل، شفاء المرض، وجود الأمن؛ كلّ ذلك من فروعات ما نطلب وما نسأل. لدينا مطلب عظيم وعزيز تتحقّق في ظلّه المقاصد بأجمعها. هذه المقدّمة هي لنعرف ماذا نريد، وبأيّ حال نريد، حتّى نعود وأيدينا ملأى، فنتمكّن من حلّ المشاكل، ونتمكّن من الوصول إلى المقصد، وذلك في ظلّ هذه الأدعية.

*ليلة طلب المعارف القرآنية
المسألة الأخرى أنّنا عندما نتمكّن في ليلة واحدة من قطع مسير مئة سنة، لأنّ الألف شهر تعادل ثمانين سنة تقريباً، عندما يصبح بإمكاننا في ليلة واحدة طيّ مسير مئة سنة؛ فما هي نهاية المسير وكيف نريده؟!

حصل المجتمع البشريّ في ليلة نزول القرآن الكريم على بركات كثيرة تصاحبه إلى يوم القيامة. من جملة تلك البركات أنّ القرآن والعترة يحييان الأموات، وبعد الإحياء يشفيان المرضى. وإذا كان الشخص أعمى مَنَحَاه نعمة البصر. وإذا كان فاقداً للسمع مَنَحَاه الأُذْن لذلك. وإذا كان من أصحاب السهو والنسيان، منحاه الذاكرة والحافظة. وإذا لم يكن من أصحاب السفر، أعطياه الزاد والراحلة. وإذا كان يفتقد الرفيق، أعطياه خير رفيق.. وأمثال هذه الأمور.

فإذا كان القرآن قد نزل لأجل هذه المعارف، فلِمَ لا نُقْبل على أخذها في ليلة نزول القرآن؟! وإذا كانت المائدة القرآنية مبسوطة وفيها هذه الأطعمة، فلِمَ لا نستفيد منها؟! لماذا لا نحيا ولا نصبح أصحّاء سالمين؟ ولماذا لا نحصل على العين والأذن والرفيق والأنيس كالأنبياء والأولياء؟!

*ليلة القدر ليلة معطّرة
عندما سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن علامة ليلة القدر، قال: إنّ لها رائحة طيّبة. يُعلمُ من رائحةِ تلك الليلة أنّها ليلة القدر.
إذاً، هي ليلة معطّرة! فإنّ ما جاء في هذه الرواية هو حقيقة وليس مجازاً، فالمعطّر هو الليلة وليس الهواء. قد نقول تارة: الشتاء بارد، الصيف حارّ. هذا الكلام مجاز، إلّا أن الجميع يدرك المقصود. الشتاء بارد، يعني أنّ البارد هو الهواء؛ لأنّه هو الموجود في الزمان. فالزمان لا يمكن أن يكون بارداً. الصيف حارّ، يعني أن الهواء في الصيف حارّ. ولكن عندما يعبّر الإمام الصادق عليه السلام عن ليلة القدر بأنّها ليلة معطّرة، فليس الهواء هو المعطّر. المعطّر في ليلة القدر هو الليل والزمان. إنّ الذي يدرك عطر ليلة القدر ليس الشامّة والأنف، بل هو القلب القرآنيّ. يقول: ليلة القدر معطّرة... من يدرك رائحة الجنة، يعلم أنّ الليلة هي ليلة القدر.

*ليلة طلب الرؤية بالبصيرة
أمر آخر: أن نطلب من الله تعالى الرؤية بعين القلب.
فهناك حديث للإمام عليّ عليه السلام يبيّن فيه أن ليس باستطاعتنا الوصول إلى مطلب وضَّحه لنا، فطلب منّا أن نسعى وراء ما هو أدنى من ذلك. والمطلب الذي هو العنصر المحوريّ في دعائنا، عبارة عن كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي بَيّن فيه أنّه لا يعبد رباً لم يره. إلّا أنّه لا يمكن رؤية الله تعالى بعين البصر، بل بالبصيرة والقلب؛ "ما كنت أعبد ربّاً لم أره"(1)، ثمّ قال: "لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان"(2). ذاك كان عليّ، وهذا الكلام وقْف عليه. فهذا المقام غير ميسّر لأحد سواه. نعم يمكن للشخص أن يفكّر وأن يتمنّى ما هو أدنى من هذا المقام، أي أن نكون تابعين للقرآن من جهة وللعترة من جهة أخرى. ينبغي أن ندعو الله في ليلة القدر ونطلب منه إيصالنا إلى مكان نقول فيه: ما كنت أطيع قرآناً لم أره، ما كنت أطيع إماماً لم أره. الرؤية ليست بالعين الظاهرة، بل بعين القلب! نعم، يمكن التصريح بهذا المعنى، يمكن طلب هذا المعنى ويمكن الوصول إليه.

*اغتنموا فرصة الاعتكاف
إنّ هذا المعنى غير ميسّر لكلّ شخص. قد يتابع الشخص دراسته الحوزويّة مدّة أربعين أو خمسين عاماً، يكون خلالها في خدمة القرآن والعترة، ويصبح حكيماً وفقهياً ومفسِّراً، يسعى في توضيح الآيات الإلهية، ولكنّه طيلة تلك المدّة لا يرى القرآن، ولا يكون عارفاً بالإمام بالشكل المطلوب، لكنّ هذا العمل ميسّر في ليلة القدر، وذلك من خلال الاعتكاف.

أيها الطلاب، الفضلاء الشباب، اغتنموا فرصة هذا الاعتكاف في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك. إذا أصبح الشخص مدّة ثلاثة أيام وليالٍ ضيفاً لله في بيت الله؛ فعلى ماذا يحصل؟ وماذا يُعطى؟ وما هي الحياة التي تُمنح له؟ وما هي العين والأذن اللتان تُمنحان له، فتُحَلَّ بعدها كافةُ المشاكل اللاحقة؟

الأمر الأساس أن نشاهد إمامنا بأرواحنا ثم نقول كما كان عليّ يقول: ما كنت أتولّى إماماً لم أره، ما كنت أفسّر قرآناً لم أره، ما كنت أُطيع قرآناً لم أره. هل يجب أن يشاهد الشخص الإمام بالعين الظاهرة؟ ألم يكن أبو بصير فاقد البصر، في خدمة إمام زمانه؟ ألم يكن أبو بصير محلّ ثقة إمام زمانه؟ ألم يصل إلينا العديد من الأحاديث الفقهية، الكلامية والتفسيرية، بواسطة أبي بصير؟ لقد كان فاقداً للبصر، لكن، كان إمام زمانه يراه، وهو كان يرى الإمام بروحه.

*القرآن والعترة حافظان
إنّ مشاكل المعاش، والديون والأمراض، كلّها جزء من تفاصيل المائدة القرآنية. يجب أن نصل إلى مقام يصبح القرآن حافظاً لنا، وتصبح العترة حافظة لنا. نحن يجب أن لا نستبدل الأمر الباقي بالزائل. يجب أن ننظر إلى المجاز على أنّه مجاز، والحقيقة على أنّها الحقّ. يجب أن نعتبر الفاني أمراً زائلاً، وأن نعتبر الباقي هو الخالد.

القرآن الذي على رؤوسنا، لا يوصلنا إلى مقام نقول فيه: ما كنت أطيع قرآناً لم أره! مشكلتنا في بديهيّات الدين. إذا كان الشخص بعيداً عن الكذب، والاعتداء، والتهمة، والغش والغلاء وهتك الحرمة، فنحن عند ذلك نكون بعيدين عن المشاكل والمصاعب.


1- الكافي، الكليني، ج1، ص98.
2- نهج البلاغة، ح179.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع