داليا فنيش
طفلي لا يحبّ أن أشتري له الثياب، رغم صغر سنّه (4 سنوات).
فدائماً نتشاجر عندما نريد الذهاب إلى مكان ما، لأنَّه يحبّ أن يختار ملابسه.
وغالباً يلبس ثياباً غير منسّقة أو غير مناسبة للمكان الذي نقصده. وفي النهاية أضطرّ
إمّا لضربه وإمّا لإلغاء الزيارة، فهو يُفقدني صوابي. كيف أتعامل معه في هذه الحالة؟
*حريَّة اختيار الطفل لِمَا يلبس
تعكس ملابس الطفل كثيراً من شخصيّته وذوق والديه، وربما مستوى أسرته اجتماعيّاً.
كما تعدّ الملابس من الضروريّات التي تساعد على نشأته والتعايش مع مَن حوله، خصوصاً
في المراحل الأولى من العمر، حيث يحتاج إلى معرفة ما يتناسب مع عمره، حتّى يتمكَّن
من شراء ملابس يرتاح فيها ويتكيَّف معها، ولا تعيقه في حركته.
يحتاج الطفل إلى زرع الثقة بنفسه، والاستقلال بشخصيّته، من خلال اختياره ملابسه، إذ
قد يدخل الطفل في نزاع شديد مع والدته لرفضها اختياره نوعاً معيّناً من الملابس، ما
قد يؤثّر على بناء شخصيّته والشعور باستقلاله، وهو ما قد يزعزع قدرته على اتخاذ
قرارات مبنيَّة على قدراته الذاتيّة، حينما يرفض زيّاً معيَّناً. والحل هو تجنُّب
الحوار معه على أساس الأمر والنهي أو الصراخ، وإنَّما بالاقناع.
*في مراحل النموّ
إنَّ مراحل النموّ من العوامل المهمّة التي تؤثّر على الطفل في اختيار ما يلبسه؛
فالطفل الصغير لا يهتمّ بثيابه إلّا في إطار كوْن ذلك لا يعوّق حركته ونشاطه، وما
يهمُّه في أن يكون مقبولاً لدى زملائه. إنّ لاختياره دوراً مهمّاً في التنشئة
الاجتماعيّة؛ فملابسه تساعده على التعاون وعدم الأنانيّة، وتعطيه الثقة بالنفس
وكذلك تُنمِّي فيه الإحساس والذوق السليم.
من المهمّ أن تتناسب ملابسه مع التغيّرات التي تصاحب مراحل النموّ كلّها، حتى تحقّق
الغرض الأمنيّ والوظيفيّ والجماليّ، المتوقَّع من استخدامها، وتفي باحتياجاته
النفسيّة والعضويّة، بدءاً من مرحلة المهْد وحتى سنّ الثانية من العمر، حيث تتميَّز
هذه المرحلة بأنّ أسلوب حياة الإنسان يبدأ من خلال النموّ الجسميّ السريع، والحركات
العشوائيّة التي يحتاجها الطفل خلال مرحلة النموّ.
*نوعيّة الملابس التي يختارها الطفل
تحتاج المرحلة الأولى نوعيّاتٍ خاصّةً من الملابس، يتوافر فيها عنصر الأمان، وخواصّ
النعومة والرقّة، مثل: الأقمشة القطنيّة، والأقمشة خفيفة الوزن، ثابتة الألوان،
بالإضافة إلى مراعاة البساطة في التصاميم، ومراعاة مقاساته لتكون مناسبة له، فلا
تكون ضيّقة تعوّق حركته، ولا واسعة تسبِّب له المتاعب.
*التصميم البسيط محبَّب للأطفال
عندما يصبح الطفل قادراً على التحكّم في عضلاته، خاصةً اليد، يحاول أن يتعلَّم
ارتداء ملابسه بمفرده، ويشعر بالأمن في ارتداء الثياب المألوفة لديه: في اللون،
والنسيج، والثياب التي تبعث على الدفء أو البرد، ويميل إلى الملابس التي يعلم
أنَّها ثياب الخروج من المنزل. وترتدي الفتيات في هذه المرحلة العمريّة ملابس أكثر
زركشة من الصبيان، في اللّون وفي التطريز، وغيرهما ممَّا يضفي على اللّباس جمالاً
ورونقاً خاصّاً.
*الملابس التي تضفي مزيداً من الجمال عليه
في مرحلة ما قبل المدرسة لا يهتمّ الطفل كثيراً بجماعات الأقران، وتتركز حياته
الاجتماعيّة على أسرته فقط. أمَّا الطفل في المدرسة الابتدائيّة فيبدأ بالاستقلال
عن رأي أسرته ويمرّ في مرحلة تكوين الأصدقاء، فيختار الملابس التي تحاكي ملابس
أقرانه وزملائه. كما يميل إلى الملابس المتعدّدة الجيوب لجمع الأشياء والاحتفاظ بها،
كما يُفضّل الألوان الزاهية التي يقلّ الاهتمام بها مع التقدّم في المراحل العمريّة.
*ثقة بالنفس
تُمثّل الصفوف الثلاثة الأخيرة من المرحلة الابتدائيّة، اهتماماً مختلفاً للطفل
بملابسه حيث يظهر بوضوح تأثير رأي الأقران تجاه ما يرتديه، إلى جانب تأثيرها الكبير
على شخصيّته؛ فتمدّه بالثقة بالنفس، ويحبّ أن يشعر أنّه مقبول عند الآخرين ومتميِّز
عنهم. وفي نهاية هذه المرحلة يهتمّ بتصميم ما يختاره، ويتكوَّن له رأي وشخصيّة
خاصّة. وأمّا الفتيات في هذه السنّ فيكون لديهنَّ وعي غير ناضج تجاه الموضة.
اختيار الطفل لثيابه يُعدّ من الأمور المهمّة التي تساعد على تنمية شخصيَّته، فعلى
الأُمّ أن لا تعارضه، وأن تعطي له مساحة لحرية الاختيار، وتتركه يفرح باختياره، لأنّ
هذه اللحظات يمكن أن تظلّ باقية في ذاكرته مدى الحياة.
*مساحة الحرِّيَّة تحدِّد ذوقه مستقبلاً
أنْ تزرعي الثقة في نفسه أمر في غاية الأهميَّة، حيث يرى علماء النفس والتربية أنّ
ذلك مفتاح الشخصيّة السويّة، والطريق الأكيد نحو النجاح في الحياة الأكاديميّة
والعمليّة. منذ صغره، يُبدي الطفل استعداداً للاستقلاليّة. ولكن، مع الأسف، بهمل
بعض الآباء والأمّهات ذلك، حيث تمنعه الأُمّ من أن يأكل بمفرده، خوفاً على ثيابه من
الاتّساخ، وتُلبِسه حتى لا يلبس ثيابه بصورة خاطئة، ويختار له الأبوان الألعاب
والكتب التي تعجبهم، دون أن يسألوه عن رأيه.
من المهمّ جداً تنفيذ رغبات الطفل في الملبس، وعدم إجباره على زيٍّ معين، وتوفير
المظهر اللّائق له، مع المدح والثناء، وتعزيز ثقته بنفسه واحترام الآخرين له. وإذا
لم تراعِ الأُمّ طفلها في ارتداء ثوب معيَّن، فواجه هو ذلك بالعناد، فسينعكس ذلك
على حالته النفسيّة، فيصبح طفلاً متمرِّداً على الدوام، ويضطرّ الأهل دوماً إلى
تلبية رغباته، إلّا إذا رأت الأُمّ أنّ هذا الزيّ غير ملائم، وأنْ تعلِّمه أيضاً أنّ
ارتداء زيّ معيَّن في اللّيل، وزيّ آخر في النهار هو الأفضل.
*ابني والماركات
على الأُمّ إعطاء الطفل ثقافة في اللّباس منذ الصغر، وأن تعلّمه كيف يميّز الثياب
المناسبة من غير المناسبة. ومن الخطأ أن يعتبر الأهل أنَّ فكرة اختياره الملابس هي
معركة عليهم كسبها، وأنَّ رأيهم هو الذي يجب أن يُنفَّذ، فالأُمَّهات يختلفن عن
بعضهنّ بعضاً في أسلوب اختيارهنَّ للثياب، فمنهنَّ من تُفضِّل أن تشتري الماركات
العالميّة الشهيرة بأغلى الأسعار، بغضّ النظر عمَّا إذا كانت مناسبة، وهناك من
تُفضِّل ماركات عاديّة، فتعتبر أنّ عدم ارتداء طفلها للماركات قد يسيء إليه كثيراً
ويُنقص من قدره، أو من حبّ الأُمّ لأولادها وأنّها تودّ أن تراهم كما تخيَّلتهم في
أحلامها، ما يجعلها تفرض ذلك، دون أن تتساءل: هل هذا مريح ويمكن التحرّك فيه،
واللّعب، والقفز به؟
أمٌّ أخرى، قد يصل اهتمامها بالأناقة لدرجة أنّها تصرّ أن تُلبِسَ صغارَها ملابس
مبالغاً فيها، ولو كانت ضيّقة وتحدّ من حركتهم. وقد لا تسمح لأحدهم أن يُجرّب ما
يحبّ أن يختاره. وقد يصل الإفراط إلى حدّ أن تستدين مالاً من أجل المباهاة
والمفاخرة والتسابق مع الأخريات.
*ذوقـــــه في الاختيار
على الأبوين وضع أولويّات الشراء للملابس بشكل سليم، فلا يكون غلاء السعر هو معيار
اختيار ملابس الأبناء، وتعليم الطفل أنّ ما لا يعجبه قد يعجب غيره، وهذا شيء طبيعيّ
وسُنَّة من سُنن الكون وجمال الحياة في اختلاف البشر، وأذواقهم، وأولويّاتهم،
فيُدرّب نفسه على الحفاظ على ثيابه الجديدة وإلّا قد يُعاقب.
*لفت انتباه أو تقليد لآخرين
رغم أنَّ الطفل بعمرٍ مبكر لا يملك قرار اختيار ملابسه بنفسه فالأم هي التي تشتري
له ملابسه. إلّا أنّ مجرَّد محاولته لفت الانتباه أو تقليد الآخرين، فهذه المهارة
الحياتيّة التي يتعلَّمها في صغره قد تكون مفاتيح لقراراته المستقبليّة، فيجب
تشجيعه.
*ذوق أُمّي لا يعجبني
قد يحبّ الطفل الألوان أو الموديلات التي قد لا تُرضي ذوق الأم، محاولاً بذلك البحث
عن هويّته الشخصيّة، خاصةً بعد عمر سبع سنوات، ويقلّد ما يرى في بيئته من نماذج
مختلفة، لذلك عليها أن تحاول اصطحابه إلى السوق وتأخذ رأيه وتعرض عليه أكثر من فكرة
حتى تجعله يُفكّر، وفي بعض المرّات عليها أن تتقبّل هذا التصرف خاصّةً إذا كان
اختياره مناسباً.
*نصيحة للأُمَّهات
فَرْض رأيكِ من الأساليب غير السويّة والخاطئة في التربية، وهو يندرج تحت بند
التسلّط، الذي يجب أن تنتبهي له، حيث يتمرَّن الطفل على تحمّل المسؤوليّة واتّخاذ
قرارات بسيطة، إلى جانب منحِهِ مساحة من الحريّة بشكل لا يؤذيه، وينمّي التفكير
الإبداعيّ لديه.