مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصايا العلماء: مناجاة المريديــن(5): إلى لذيذ مناجاتك وصلوا

آية الله الشيخ محمَّد تقي مصباح اليزدي (حفظه الله)

*نِعَمُ المريدين... معنويّة

"الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ المَشارِبَ، وبَلَّغْتَهُمُ الرَّغائِبَ، وَأَنْجَحْتَ لَهُمُ المَطالِبَ، وَقَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ المَآرِبَ، ومَلأْتَ لَهُمْ ضَمَائِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ، وَرَوَّيْتَهُمْ مِنْ صَافِي شِرْبِكَ، فَبِكَ إلى لَذِيذِ مُناجاتِكَ وَصَلُوا، وِمِنْكَ أَقْصَى مَقاصِدِهِمْ حَصَّلُوا".

يظهر من مقاطع "مناجاة المريدين" وجود نِعَم أخرى غير اللّذائذ الدنيويّة، وهي النِّعم الأخرويّة والمعنويّة وهي في مرتبة أعلى وأفضل من النِّعَم الدنيويّة. ولكن وبما أنّ الناس أسرى الطبيعة وعالم المادة وإدراكهم وأُنسهم يكون أقوى وأقرب للطبيعة واللّذائذ الدنيويّة، لذلك لا يمتلكون معرفة بالنِّعم الأخرويّة اللّامحدودة، وقد بَشَّرهم الله تعالى، ومن باب لطفه وعنايته، بتلك النِّعم.

*يأنسون بعبادة الله فقط

لقد صوّر الله تعالى النِّعم الأبديَّة، وبحدود معيّنة، تَقبَل فَهم وإدراك الناس. طبعاً، الأشخـــــاص الاستثنائيّـــون الذين اختارهم الله تعالى أمثال الأنبياء، والأئمَّة الأطهار عليهم السلام، وأولياء الله الخواص، يدركون النِّعم والمواهب الأُخرويّة والمعنويّة اللّامحدودة بشكل جيد. وبالتالي فهم غير متعلِّقين بالأمور الماديّة ولا يستأنسون بها، بل يستأنسون بعبادة الله، بالأمور المعنويّة والأُخرويّة.

وإذا كان مقرراً أن يتحدَّث الله تعالى وأولياؤه موضِحين المقامات العالية الخاصّة بأولياء الله، فإنَّ أكثر الناس لن يمتلك الدافع لاتّباع الأنبياء، بالأخصّ أنّ وصولهم إلى تلك المقامات المتعالية غير ميسّر لهم عدا عن أنّهم لا يمتلكون القدرة على إدراك وفهم تلك المقامات والمراتب.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفرق بين مستوى فهم وإدراك طفل ذي عامين ورجل ذي أربعين عاماً، فممّا لا شكّ فيه أنّ الفرق بينهما لا يمكن مقارنته إلى الفرق والاختلاف بين فَهمنا وفهم وإدراك المعصومين عليهم السلام. من هنا يمكن القول: إنَّ المناجاة الخاصّة بأولياء الله لا يمكن أن تكون قابلة للإدراك والفهم عندنا؛ فنحن لا نعرف شيئاً عن أغلب أدعيتهم ومناجاتهم الخاصّة أثناء خلواتهم مع الله تعالى إلّا الشيء اليسير والنادر الذي نقله بعض الأشخاص الذين حضروا بعض تلك الأدعية والمناجاة الخاصّة بالصدفة.

*البُعد التعليميّ

أمّا الأدعية والمناجاة ذات البُعد التعليميّ والتي تكفّلت تقديم النموذج للجميع، فقد جرى فيها رعاية مسألة كونها قابلة للفهم عند الجميع، لتقدّم للناس الدافع للقرب من الله تعالى والحصول على التربية الإلهيّة فيما يخصّ النوع البشريّ. وهذه هي المسألة التي نشاهدها في التمثيلات الإلهيّة للجنّة ونِعمها، حيث جاءت الآيات الشريفة تتحدّث عن أمور يمكن لكلّ شخص فَهمها وإدراكها والاستفادة منها.

وفي النتيجة، فإنّ نور هداية القرآن يعمّ كافة الاستعدادات والقباليّات، ولا يوجد استعداد إلّا وله جواب في معارف وأنوار القرآن.

وبما أنّ أغلب المناجاة ذات بُعد تعليميّ، فقد جرى فيها رعاية فَهم أكثر أبناء البشر ووضّحت كيفيّة السير الروحيّ للإنسان نحو الله تعالى، من هنا يقول الإمام الراحل قدس سره: "يقول مشايخنا: القرآن، هو القرآن النازل، نزل إلى المراتب الأدنى، والدعاء يصعد من الأدنى إلى الأعلى، فهو القرآن الصاعد"1.

تُبيّن هذه المسألة اللّطيفة في كلام الإمام الراحل أنّ الأدعية والمناجاة تشتمل على معارف عالية وجامعة، يجب علينا نحن المنتسبين إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، الاستفادة منها. ولا ينبغي أن تمضي سنوات لا تقع فيها أعيننا على الكثير من الأدعية الواردة عن المعصومين عليهم السلام وأن نحرم أنفسنا من فيض تلك الينابيع الفياضة.

نُقل حول المرحوم الشيخ عبّاس القمّي مؤلّف كتاب "مفاتيح الجنان" أنّ هذا الكتاب كان برنامجه العمليّ حيث كان ملتزماً قراءة كافّة الأدعية الموجودة فيه وكان ملتزماً الاستفادة الدائمة منها.

*حديث القرآن الكريم حول نِعَم الجنّة

يقول الله تعالى حول الجنّة ونِعَمها: ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ(الرعد: 35).

وجاء في آية أخرى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُون (الزخرف: 70 - 73).

وجاء في آية أخرى حول نِعَم الجنّة وحول أعظم وأكبر نِعَم الله يعني الرضوان الإلهيّ: ﴿وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة: 72).

*عناية الله واهتمامه بطلائع طريق القرب الإلهيّ

يُستفاد من مقاطع مناجاة المريدين المتقدّمة أنّه يجب على الإنسان أن لا يجعل هدفه الأساس والأصيل النِّعم الدنيويّة وحتى النِّعم الأُخرويّة العامّة، بل يجب أن يكون هدفه الأساس القرب من الله تعالى.

إذا التفت الإنسان لهذا الهدف وأدرك لذّة الأُنس بالله ومناجاته، عند ذلك تصبح كافّة النِّعم الأُخرويّة بسيطة أمامها. إنّ الوصول لهذا الهدف المتعالي يحتاج إلى همَّة عالية وسعي وجهد كبيرَين. ويجب التأكيد على أنّ الوصول إلى تلك الأهداف المتعالية ممكن عبر الطرق الخاصّة ويجب العمل للسلوك عبر أقربها. ليس من الصحيح أنّه يمكن الوصول إلى القرب الإلهيّ عبر أيّ طريق يتناسب مع أذواق وسلائق الناس.

*عبور طريق القرب

والجدير بالذكر أنّ على الإنسان - وبعد معرفة طريق القرب من الله تعالى - أثناء سيره في وسط الطريق أن يكرّر طلب العون والاستمداد من الله وأن لا يحوّل نظره ولو لحظة واحدة عنه؛ لأنّه لا يمكن عبور طريق القرب إلى الله الصعب إلّا من خلال توفيق الله وإرشاده.

المسألة الأخرى، أنّ على الإنسان الاقتداء بطلائع طريق التعالي والقرب من أجل عبور ذاك الطريق وأن يختارهم على اعتبار أنّهم أفضل رفاق في الطريق.

من هنا، تحدّث الإمام حول أبرز صفاتهم لنتمكّن من اختيارهم بعد التعرّف إليهم بصفاتهم. وبعد أن ذكر صفات طلائع طريق القرب إلى الله، عدّد العنايات الإلهيّة الخاصّة بهم، ومن ثم قال: "الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ المَشارِبَ، وبَلَّغْتَهُمُ الرَّغائِبَ، وَأَنْجَحْتَ لَهُمُ المَطالِبَ، وَقَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ المَآرِبَ، ومَلأْتَ لَهُمْ ضَمَائِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ، وَرَوَّيْتَهُمْ مِنْ صَافِي شِرْبِكَ، فَبِكَ إلى لَذِيذِ مُناجاتِكَ وَصَلُوا، وِمِنْكَ أَقْصَى مَقاصِدِهِمْ حَصَّلُوا".


1- صحيفة نور: الإمام الخميني قدس سره. ج13، ص32.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع