نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الكنّة والحماة (2): خصومة من سراب

تحقيق: زينب صالح

يَطرُق هَناءَ العائلات في مجتمعنا المعاصر مشاكل عديدة، فتعكّر صفوَة عيشهم. ومنها مشاكل لها إسقاطات نفسيّة - اجتماعيّة، "الكنّة والحماة" إحداها. سنضيء حول هذه المشكلة، بشكل سريع، ثم نتحدّث حول إمكانية تجنّبها لنعيش في الإطار الإسلامي - الاجتماعي الذي يرضاه الله ورسوله.

*أسباب المشكلة
تتعدّد أسباب المشاكل بين الكنّة والحماة، وتنقسم تحت عدة عناوين منها:

أ- الزواج انصهار بين مجتمعين مختلفين:
لا تقتصر العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة على الزوجين، بل هي رابطة إنسانيّة بين شخصين، لكلٍّ منهما أُسرته ومحيطه الاجتماعي، حيث تصبح الرابطة بعد الزواج رابطة بين أسرتين ورابطة بين مجتمعين مختلفين. وكلّما كان تقارب العائلتين أكبر، كان الانصهار بينهما أكثر انسجاماً. من هنا، يأتي الاختلاف أو الانسجام بين الحماة وكنّتها، القادمة من عائلة أخرى وبالتالي من مجتمع آخر.

ب- نُظُم هوامية تكدّر صفو العلاقات الإنسانية:

يقول الإخصائي النفسي محمود غنوي: "يحكم المجتمع نوعان من النُّظُم والقواعد: منها نصّيّ كالقوانين والأنظمة والشرائع، أو عرفيّ كالعادات والتقاليد. ومنها نظم هوامية تشوب العلاقات الإنسانية. وهي مثلاً، وبعد الزواج، تسيّر العلاقات الإنسانية بطريقة خفيّة لا هي مقبولة شرعياً، ولا هي مقبولة اجتماعياً وعرفياً ولكنّها موجودة؛ ومن أبرز أمثِلتها نظام الكنّة والحماة.
فنجد الشّاب قبل الزواج يتعامل مع أهل الفتاة كأنهم أهله والفتاة تعامل أهل الشاب كأنهم أهلها، ولكن بعد الزواج تنتقل العلاقة من علاقة واعية، مدركة، ناضجة إلى علاقة هوامية تتجاذبها الأهواء السلبية، من جهة نظرة أهل الزوج للزوجة ومن جهة نظرة أهل الزوجة للزوج. وفعلاً، ما لا يقبله العقل قد نراه خلال هذه العلاقة الغريبة من سوء التأثير والنظرة الخفيّة بين أطراف هذه العلاقة".

ج- إسقاطات نفسيّة - اجتماعيّة:
ثمّة عوامل نفسية تدخل في هذه العلاقة كما يقول غنوي، تندرج تحت العوامل النفسية ومنها:

1 - الصراع الخفي ما بين الرجل والمرأة:

فبدلاً من النظرة الصحيحة للعلاقة بين الرجل وزوجته والمتمثّلة بالتعاون والتكامل، ينظر المجتمع إلى هذه العلاقة نظرة خاطئة، فيرى أنّ على الأم توعيَة ابنها وحمايته من المرأة - أي الزوجة - التي ستأخذه منها، وستأخذ ماله، وقوّته وصحته. فالكنّة "عالة"، يجب على أم الزوج أن تحسن تربيتها وضبطها بالشكل الذي تراه مناسباً لطفلها الكبير.

2 - الصراع الخفي بين الصهر والحماة:

في هذا الصراع، تجد الأم أن من واجبها حماية ابنتها من تسلّط الرجل الذي هو زوجها. ولأنّ صهرها ليس ابنها لتهتم به، كما لا يمكنها التحكّم به، ولأنّ لدى هذا الصهر حاجات لدى ابنتها، تجد أنّه يجب أن يُضبط ضمن قوانينها هي (حماته). هكذا، تستعيد الأم فرصة لتعويض الرغبة الأوّلية بالسلطة.

3 - تناقض نمط المعاملة:

تعيش الأم أحياناً حالة من التناقض. فابنها متزوج، وبالتالي لديها كنّة، وابنتها متزوجة وبالتالي لديها صهر. فنجدها تطبق القوانين المتناقضة للتعامل والتواصل.

4 - الأم المتسلّطة:

على الرغم من وعي الرجل والمرأة تنشب أحياناً مشكلات بسبب وجود أم متسلطة. فهذه الأم، تعمد -بهدف لا واعٍ- إلى تفتيت العلاقة الزوجية بين ابنها وزوجته. فالكثير من العلاقات الزوجية وصل إلى الطّلاق بسبب تدخّل الحماة في شؤون الزوجين.
وأحياناً، إذا كانت الأم زوجة مظلومة لدى زوجها، تسعى كي لا يتكرر الحال مع ابنتها إلى حثّها على المطالبة بحقوقها، فيحوِّل خوفها، وبشكل لا واعٍ، حياة ابنتها إلى جحيم لا يطاق وقد يؤدي ذلك إلى الطّلاق.

5 - كثرة الناصحين:

أحياناً، قد نجد أسرتين متحابّتين وواعيتين جداً ومثقفتين وملتزمتين دينياً، ولكن يتدخّل الناصحون للأم -أم الزوج- أو الناصحون لأم الزوجة، بأن تسهر على حقوق ابنها أو ابنتها، ونعود للنتائج المذكورة سابقاً.

*من الناحية الإسلامية
يعتبر الإسلام العلاقة ما بين الصهر والحماة قريبة من علاقة الرجل بوالدته. إذ تصبح من المحارم عنده بعد الزواج من ابنتها. ولذا، عليها أن تعامله كما تعامل ابنها.
ولكن، على الرغم من وجود النظام الشرعي والنظام العرفي الأخلاقي المجتمعي، هناك نظم خفيّة لا واعية، هوامية تحكم العلاقات الزوجية سواء ما بين الزوجين أو ما بين أسرة وأهل الزوجين معاً.

*المجتمع اللبناني
"لا يختلف الأمر في لبنان عن باقي المجتمعات. لكن بصفته مجتمعاً متعلّماً ومثقفاً، يبقى أقلّ ضراوة مما نجده في باقي المجتمعات سواء العربية أو الإسلامية"، كما يقول غنوي. ويضيف: "في لبنان 19 طائفة مختلفة ولكل منها عاداتها وتقاليدها التي تعتبر نماذج مصغّرة عن مجتمعات كثير من دول العالم. ونجد أنّ هناك علاقة أكثر نضجاً نتيجة للاندماج الاجتماعي ما بين مجتمعات هذه الطوائف، لأنّ طبيعة النظام اللبناني أنه ديمقراطي وحرّ، وليس متديّناً بديانة محددة. كما أنّه ونتيجة للاندماج اللبناني بمجتمعات متعددة، نجد نسبة الصراع الخفي، الموجود، ما بين الرجل والمرأة، أو بين الكنّة والحماة هو أقل ضراوة مما نراه في المجتمعات الأخرى".

*مقترحات لتخفيف توتّر العلاقات

1- أهمية وعي الزوجين:
يقول غنوي: "ما لا تدخله القيم هو بناء هش من السهل أن يُعمل على تفتيته وتدميره بيُسر وسهولة. من هنا، تأتي ضرورة أن تُبنى العلاقات الزوجيّة على قيم ثابتة راسخة وأن يعمل الزوجان معاً لحماية بيتهما من أيّ تأثير خارجي، ومنْع أيّ تدخّل من الأهل أو الأقارب أو الأصحاب في حياتهما المقدسة السرية المشتركة.
ومن المهم أن يعمل الزوجان معاً على بناء حياتهما الزوجية وفقاً لمفاتيح بناء الثقة الزوجيّة، وأهمها الصدق والوضوح، والإخلاص المتبادل، والإيمان بالله تعالى، والتحصّن من كل دخيل من النفس أو الخارج مهما كان مادياً أو معنوياً".

2- وعي الأهل:
على الأم أن تعي جيداً أن ابنها كبُر وأصبح راشداً، وأن تعمل جاهدة على فصله عنها من دون خوف. ومن جهة ثانية عليها أن تترك ابنتها في معترك الحياة الزوجية بعد أن تحسن تربية ابنها أو ابنتها وتعزّز من استقلاليّتهما وقدرتهما على تحمّل المسؤولية.

3- توعية المختصّين:

من المهم - كما لكلّ أمر في الحياة - وجود مدارس أو معاهد متخصّصة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم العالي، ووزارة الشؤون الاجتماعية لإعداد مادة دراسيّة تضاف إلى مادة التربية الوطنية أو مادة التربية الدينية عن قواعد الزواج الناجح، وطرق إدارة الحياة الزوجية والتعامل مع الأولاد وتربيتهم بشكل سليم ودقيق ومثمر.
كما أنه من المفيد في المؤسسات الإسلامية وضع مادة خاصة لقواعد تنشئة الفتاة المسلمة والفتى المسلم، وذلك بتضافر جهود التربويين ورجال العلم والفقه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع