لم تعد أسطورةً حكاية النباتات التي تتغذى على الطيور والحشرات، فقد جاء العلم لينقل لنا الكثير عن حقائقها، وتقارير علماء النبات -بهذا الشأن- التي جمعوها من خلال مشاهداتهم الحية وتجاربهم المتكررة في مختلف البلدان والأمصار التي يمكن أن يجدوا فيها مثل هذه الظاهرة، أكدت وجود كائنات نباتية "متوحشة" تلتهم الطيور والحشرات بعد أن تنصب لها أفخاخاً يسهل عليها الإمساك بها.
يطلق اسم "النباتات اللاحمة" أو"آكلة اللحوم" على تلك النباتات التي جهزتها القدرة المبدعة بإمكانية خاصة على صيد الفرائس الحية، ويصل عدد أنواعها إلى 450 نوعاً، ولا يقتصر وجودها على المناطق المدارية أو الاستوائية الرطبة، بل يتعدّاها إلى المناطق الشمالية وخصوصاً تلك الأراضي الفقيرة بالمواد الغذائية كالمستنقعات والتربة العضوية غير المتحللة، تغطي هذه النباتات فقرها للمواد الأزوتية الضرورية للبقاء باستثمار الأزوت الذي تستخرجه من فرائسها الحيوانية، وبالرغم من كل ما لهذه النباتات من مظاهر حيوانية، من إحساس وحركة وتغذية على اللحوم فإن لها مع ذلك، القدرة على إعطاء الأزهار وتكوين البذور وحفظ النوع. إحدى هذه النباتات تسمى "الندية" طريقة حياتها تقترب من الأساطير فحجمها ليس كبيراً وغير لافت للنظر لكنها تصطاد الحشرات بواسطة مادة لزجة تعلق بها، يلقبها عارفوها بـ"ندى الشمس" وذلك يعود إلى الندى الغريب والطل النادر الموجود على أوراقها طوال اليوم بدون أن يتأثر بحر شمس الظهيرة، تنجذب الحشرات لهذه النبتة بواسطة الندى المؤلف من القطيرات العديدة الموجودة على أوراقها وعلى شعيراتها الوبرية، وهذه القطيرات المائية تلعب بأشعة الشمس فتزيد من بريقها وتوهجها مما يوحي للحشرة بوجود الماء فتقصدها لتطفئ ظمأها، وما أن تلمس هذه الشعيرات حتى تلتصق بها نتيجة لوجود مواد دبقه تفرزها غدد خاصة موجودة على هذه الشعيرات.
يتضح مما تقدم أن هذا الندى المزعوم ليس سوى طعم لجذب الحشرات واصطيادها وهو أسلوب اهتدت النبتة إليه لتؤمن قوتها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فمتابعة مراقبتنا لما يجري تعطينا معلومات إضافية، فالشعيرات القريبة من منطقة سقوط الحشرة تميل لتحيط بهذه الحشرة من كل جانب، ولهذه الشعيرات فاعلية أكثر من الأوراق في اتمام عملية الصيد، فهي عبارة عن "حبال" تعمل على تقييد الحشرة بشكل متين فتنطوي عليها مفرزة عصارات هضمية تحلل وتهضم الفريسة وهذه الشعيرات تعمل على هدى من أمرها، فهي تنحني بسرعة فور سقوط جسم ما على الورقة لكن هذا الانحناء السريع متبوع بالعودة إلى الوضع الأصلي لو كان الجسم الساقط لا يستفاد منه كحبة رمل مثلاً، لكن سقوط جسم آخر يحوي مادة أزوتية يحدث أماله مستمرة ودائمة متبوعة بإفرازات من المواد الهضمية، وفي هذه الحالة لا تعود الشعيرات لوضعها الأصلي إلا بعد إتمام عملية تحليل الجسم الأزوتي وامتصاصه فتظهر الفريسة عندئذٍ عبارة عن هيكل خالٍ يقذف به نحو الأسفل، فسبحان الذي خلق فهدى فأبدع.