مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: جنّتان وجَهَنّمان

الإمام الخميني قدس سره

الموازنة [بين قوى النفس] هي من الأمور التي تُعين الإنسان في مجاهدة نفسه.

* كيف نوازن بين القوى؟
الموازنة هي أن يقارن الإنسان العاقل بين منافع ومضار كلّ واحدة من الأخلاق الفاسدة، والمَلَكات الرذيلة التي تنشأ عن الشهوة والغضب والوهم -عندما تكون حرّة وتحت تصرّف الشيطان- وبين منافع ومضارّ كل واحدة من الأخلاق الحسنة والفضائل النفسيّة، والمَلَكات الفاضلة -عندما تكون تحت تصرّف العقل والشرع- ليرى على أيّ واحدة منها يصحّ الإقدام ويحسن العمل.

فمثلاً إنّ النفس، ذات الشهوة المطلقة العنان التي تولّدت منها مَلَكات كثيرة [عبر الزمن]، لا تتورّع عن أيّ فجور تصل إليه، ولا تُعرض عن أيّ مال يأتيها، ومن أيّ طريق كان، وترتكب كل ما يوافق رغبتها وهواها -مهما كان- ولو استلزم ذلك أمراً فاسداً.

* الغضب منشأ الرذائل
إذا أصبح الغضب مَلَكةً في النفس، تتولَّد منه مَلَكات ورذائل أخرى، فيظلم ويقهر كلّ من تصل إليه يداه، ويفعل ما يقدر عليه ضد كل شخص يبدي أدنى مقاومة، ويثير الحرب بأقلّ معارضة له، ويبعد المضرّات وما لا يلائمه بأية وسيلة مهما كانت، ولو أدّى ذلك إلى وقوع الفساد في العالم. وعلى هذا النحو، تكون مكتسبات النفس لصاحب الواهمة الشيطانية الذي ترسّخت فيه هذه المَلَكة.

هذه هي آثار تلك القوى عندما تكون تحت تصرّف الشيطان، ولكن عندما تفكّرون بصورة صحيحة، وتلاحظون أحوال هؤلاء الأشخاص، تجدون أن أيّ شخص - مهما كان قوياً، ومهما حقّق من آماله وأمانيه - فإنه - رغم ذلك - لا يحصل على واحد من الألف من آماله، بل إن تحقّق الآمال ووصول أيّ شخص إلى أمانيه، مستحيل في هذا العالم.

* قوى الشباب.. إلى متى تبقى؟!
إذاً، فالإنسان هو - على الدوام - عاشق لما لا يملك ولما ليس في يده، وهذه فطرة أثبتها المشايخ العظام وحكماء الإسلام الكبار.
وعلى أي حال؛ فلو وصل الإنسان إلى أهدافه، فكم يدوم تمتّعه واستفادته منها؟ وإلى متى تبقى قوى شبابه؟

عندما ينقضي ربيع العمر، ويحلّ خريفه، تذهب القوة من الأعضاء، وتتعطّل الحاسّة الذائقة، وتتعطّل العين والأذن وحاسّة اللّمس وباقي الحواس، وتصبح اللّذّات - عموماً - ناقصة أو تفنى أصلاً، وتهجم الأمراض المختلفة، فلا تستطيع أجهزة الهضم والجذب والدفع والتنفّس أن تؤدّي عملها بشكل صحيح، ولا يبقى للإنسان شيء سوى أنّات التأوّه الباردة والقلب المملوء بالألم والحسرة والندم.

* فرضيّة خياليّة
أفترض لكم بصورة عاجلة، فرضيّة خياليّة (وهذا أيضاً ليس له واقع) أفترض لكم عمراً هو مائة وخمسون عاماً، مع توافر جميع أسباب الشهوة والغضب والشيطنة، وأفترض أنه لا يعترضكم أي شيء غير مرغوب فيه، مع هذه الفرضية، ماذا ستكون عاقبتكم بعد انقضاء هذه المدة القصيرة، والتي تمرّ مرَّ الرياح؟! فماذا ادّخرتم من تلك اللّذّات لأجل حياتكم الدائمة؟! هل ادّخرتم سوى الأعمال القبيحة المنكرة، والتي ستقدم لكم صورها في البرزخ والقيامة، وهي الصور التي لا يعلم حقيقتها إلّا الله تبارك وتعالى؟

إنّ جميع نيران جهنم، وعذاب القبر والقيامة وغيرها مما سمعت هي جهنم أعمالك التي تراها هناك كما يقول تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا (الكهف: 49).

* جهنّم الأعمال
لقد أكلتَ مال اليتيم وتلذّذتَ بذلك ولكن الله وحده يعلم ما هي صورة هذا العمل في ذلك العالم والتي ستراها في جهنم، وما هي اللّذّة التي ستكون نصيبك هناك. الله يعلم أي عذاب شديد ينتظرك بسبب تعاملك السيئ مع الناس وظلمك لهم في ذلك العالم. ستفهم أي عذاب قد أعددت لنفسك بنفسك، عندما اغتبت. فإن الصورة الملكوتية لهذا العمل قد أُعدّت لك وستَرِد عليك وتُحشر معها، وستذوق عذابها. وهذه هي جهنم الأعمال. وأما الذين زرعوا في نفوسهم المَلَكة الفاسدة والرذيلة السيّئة الباطلة، كالطمع والحرص والجدال والشره وحب المال والجاه والدنيا وباقي المَلَكات، فلهم جهنم لا يمكن تصوّرها، لأن تصوّرها لتلك المَلَكات لا يمكن أن تخطر على قلبي وقلبك، بل تظهر النار من باطن النفس ذاتها، وأهل جهنم أنفسهم يفرون رعباً من عذاب أولئك.

وفي بعض الروايات الموثقة أن في جهنم وادياً للمتكبّرين يقال له "سقر"، وقد شكا الوادي إلى الله تعالى شدّة الحرارة وطلب منه سبحانه أن يأذن له بالتنفس، وبعد أن أَذِن له، تنفّس، فأحرق جهنم(1).


* مَلَكات تسلب الإيمان
وأحياناً، تصبح هذه المَلَكات سبباً في أن يُخلَّد الإنسان في جهنم لأنّها تسلبه الإيمان، كالحسد، فقد ورد في رواياتنا الصحيحة عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب"(2).

وكحبّ الدنيا، والجاه والمال الذي ورد في الروايات الصحيحة أنها أكثر إهلاكاً لدين المؤمن من ذِئبين أُطلقا على قطيع بلا راع، فوقف أحدهما في أول القطيع والثاني في آخره... عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أولها والآخر في آخرها فأفسد فيها من حبّ المال والشّرف في دين المسلم"(3).

نسأل الله أن لا تؤول عاقبة المعاصي إلى المَلَكات والأخلاق الظلمانيّة القبيحة، والتي تؤول إلى فقدان الإيمان وموت الإنسان كافراً، لأن جهنم الكافر وجهنم العقائد الباطلة أشدّ بدرجات وأكثر إحراقاً وظلمةً من ذينيك الجهنمين اللّتين مرَّ ذكرهما (جهنم الأعمال، وجهنم المَلَكات الفاسدة).


1.عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "إن في جهنم لوادياً للمتكبّرين يُقال له سقر، شكا إلى الله عزَّ وجلّ شدَّة حرِّه وسأله أن يأذن له أن يتنفّس، فتنفّس، فأحرق جهنم". أصول الكافي، المجلد الثاني، باب الكبر، ح10.
2.م.ن، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح2.
3.م.ن، باب حب الدنيا والحرص عليها، ح2.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع