تحقيق: زهراء عودي شكر
تطلب الطفلة فاطمة، ابنة الثلاث سنوات، من والدتها أن تحكي لها قصة "الإسرائيلي" كل ليلة قبل النوم، فتبدأ الأخيرة بقصَّتها مستعينةً تارة بـ"مجلة مهدي" وطوراً مقتبسة الأحداث من كرتون الطفل والمحتل اللذين يثيران بألوانهما ورسوماتهما وطريقة عرضهما اهتمام فاطمة التي تردّد عبارات "الإسرائيلي شرير.. الله يلعنه.. يؤذي الناس والأطفال...". قراءة هذه الحكايا لم تأت من فراغ، بل من إدراك الأم العميق "لضرورة اطلاع ابنتها على مفهوم العدو والصديق في وطن يستوجب التأهب دائماً لدرء خطر العدو المستمر".
وهنا تدور الأسئلة حول ما إذا كانت الأم تقع كما "مجلة مهدي" في مغالطة جعل السلاح والعنف جزءاً من مخيلة الطفل ومن حياته اليومية، حسبما يدّعي البعض، وهل هي تخطئ كالآخرين في اعتماد هذه المجلة كوسيلة تربويّة وترفيهيّة، إذا ما أخذت بعين الاعتبار كلام صحافة العدو الإسرائيلية التي اعتبرت هدف المجلة بناء جيش حزب الله "الصغير" والتأثير سلباً على الصحة النفسية للأطفال؟
*"مجلة مهدي" تتصدّر عناوين الصحف الإسرائيلية
"مقاتلو حزب الله أبطال قصص يقرؤها أطفال في لبنان"، و"مجلة "مهدي" لأطفـال حزب الله"، "البروباغانـدا فـي قصص مصوّرة". هذه العبارات هي غيض من فيض عناوين صحافية متنوّعة داخليّة وخارجيّة هاجمت مجلة الأطفال "مهدي"، تلك المجلة التي حاولت، كما مثيلاتها من المجلات الدينيّة الأخرى، إثراء جمهورها الطفولي بمواضيع تربويّة وترفيهيّة ودينيّة متنوّعة تتلاءم مع فئاتهم العمرية. ويبقى الذنب الوحيد الذي اقترفته المجلة والذي انتقدها عليه العدو هو عنصر المقاومة الذي وشّح موضوعاتها وألعابها وقصصها. فهل بات جيل "مهدي" الطفولي المقاوم يقلق راحة العدو ومستقبله؟
لقد أضحت "مجلة مهدي" واسعة الانتشار في الداخل اللبناني وفي الخارج أيضاً، وتبيع حسب معلومات الأسوشيايتد فرانس برس، نحو 30 ألف نسخة شهرياً معظمها عبر اشتراكات... ما أشعر العدو بالحرج والخوف من صفحات هذه المجلة التي أخذت على عاتقها حمل قضية المقاومة وإعلاءها.
*رأي جمهور "مهدي" وقرّائها
يعكس بعض التعليقات الذي دوّن على صفحات المجلة على الإنترنت رغبة الأطفال وحبّهم الكبير لها ويصفونها بالأفضل. إذ تقول فاطمة آل جواد، عن المجلة إنها: "أفضل مجلة قرأتها في حياتي وهي أحلى من العسل".
فيما يصف حبيب دقماق تحسينات المجلة كالاستماع إلى قصص المجلة على صفحات الموقع بـ"العمل الرائع" مضيفاً "أن "مهدي" دائماً تحمل لنا المفاجآت السارة".
وتبدي السيدة سامية في استصراح معها مدى إعجابها وطفلتيها بـ"مجلة مهدي" فتقول: "وجود هكذا مجلة في وسطنا بمثابة كنز حقيقي لأطفالنا الذين يتعرّضون كل لحظة لأفكار مشوّشة ومشوّهة تبدأ من أفلام الكرتون".
أما أم جواد فتنقل لنا تأثُّر ولدها جواد، ذي الأعوام الثمانية بالمجلة، فتقول: "كان لها دور فعّال في بناء الجانب الديني والجهادي في نفس ولدي".
*"مهدي" بين النقد والردّ
هنا ثلاثة نماذج، اخترناها لإظهار بعض الجوانب الهجومية النقدية على "مجلة مهدي" هي الـ: الأسوشيايتد فرنس برس (أ.ف.ب.)، وموقع جيش الدفاع الإسرائيلي (idf)، وموقع (Now) اللبناني، واللّافت أنّ هذه النماذج اجتمعت مقدّماتها حول تعريف "مهدي" على أنها مجلة تصدر عن كشافة المهدي التابعة لحزب الله، وعلى أن شخصياتها ليست تلك الخيالية التقليدية، إنما أبطالها مقاتلو العدو "الإسرائيلي" والشهداء، وألعابها أدوات حربية. وحسب ادّعاءاتهم استدرك حزب الله أهمية القصص المصوّرة التي تشكّل الطريقة الأسرع والأكثر جاذبية لإيصال الرسائل إلى الجيل الجديد، وعمل على ترسيخ مفهوم "المقاومة" عبر المجلة في أذهان أنصاره منذ الصغر.
وبعد تفنيد أبواب المجلّة المتغيّرة والثابتة كـ"قائد الأمة" و"ذات يوم"، و"أجمل قائد"... والوقوف عند بعض قصصها التي تدور حول "المقاومة" كـ"قصة عامر"، الشهيد الذي كشف عن هويته السيد حسن نصر الله عام 2000... إلخ، يأتي النقد صريحاً على أبواب المجلة وعلى لسان أخصائيي أطفال ونفسيّين، ليقول: إن المجلّة "تركّز على الهويّة الدينية لدى الطفل دون ذكر واضح للهوية اللبنانية"، كما أنها "تذهب بعيداً في جعل السلاح والعنف جزءاً من مخيّلة الطفل، ومن حياته اليومية".
ويحذّر موقع جيش الدفاع الإسرائيلي (idf) من مخاطر المجلة قائلاً: "إن تلقين الأطفال هذه المعلومات في المرحلة التي تسبق المرحلة التعليمية، يعتبر في غاية الخطورة، حيث يميل الأطفال في هذه المرحلة الى تقبل أية معلومات تقال لهم على أنها حقائق، حيث يُمكن لهذه المعلومات أن تُغرس وترسو في أذهانهم".
*ردّ "مجلة مهدي"
بعد متابعة أجواء حملة النقد والتهجّم على المجلة، تحدّثنا مع مدير عام "مجلة مهدي" الشيخ عباس شرارة الذي قال: "إنّ استهداف المجلة ومحاولة النيل منها ليس أمراً جديداً، وإنما بدأ منذ حوالي عامين ثم تجدّدت حملة النقد والتشويه عليها منذ عدّة شهور عبر مقال نقدي باللغة الإنكليزية لأحد الكتّاب نشره على صفحته الشخصيّة. وفي بداية شهر تشرين الثاني المنصرم شهدنا حملة استهداف ممنهجة في مواقع إسرائيلية وعربية نشرت مقالاتها باللغات العربية والإنكليزيّة والعبريّة".
وعن سرّ الخوف الذي ولّدته المجلة في مجتمع العدو الإسرائيلي ومدى تأثير حملته الشعواء على الجمهور يقول الشيخ عباس: "لقد قدّمت المقاومة نموذجاً متألّقاً في الميدان، صار يتمتّع بجاذبيّة عالية لمختلف الشعوب الحرّة والمستضعفة في العالم، وهذا يشكّل تحدّياً للنموذج المستكبر وتهديداً لأداته "إسرائيل"... والخوف هو من نجاح النموذج وتعميمه، ووقوفه عائقاً بوجه مشروع لا يستثني الأطفال والشباب، كما يصرّح بذلك "جوزف ناي" في كتابه (القوّة الناعمة)".
*أدب الطفل
في إحدى المقالات التي انتقدت "مجلة مهدي" طرح السؤال الآتي: "هل سيدرك القيّمون على "مجلة مهدي" خطر الرسائل التي يوجهونها إلى الأطفال ومدى تأثيرها على نموّهم النفسي وانعكاساتها على المجتمع بشكل عام"؟
وهنا جاء ردّ المجلّة على لسان مديرها قائلاً: "هم يحاولون الطّعن بحِرَفيّة المجلة وتخصّصها كنموذج مناسب في "أدب الطفل". ونحن حينما نتناول "المقاومة" نتناولها كـ"قيمة" مساوقة لحب الوطن ومناوئة للاستسلام والتخاذل. وتربية الأطفال على هذا المفهوم هو أمر مقوّم لشخصيّاتهم ونفوسهم. إنّهم يمعنون قتلاً وتشريداً بأطفالنا ويزرعون في نفوسهم أقسى صور العنف والقتل ثمّ يحدّثونا عن براءة الطفولة وسلام الأطفال وأمانهم. إنّنا نتناول المفاهيم والقيم الّتي تحاول تلبية كافّة المتطلبات التنمويّة لأبعاد شخصيّة الطفل أو الشاب".
ويستكمل الشيخ عباس شرارة حديثه عن المجلة: "وقد بلَغَنا من بعض الأصدقاء الّذي شارك في جلسات تطويريّة لإحدى المجلات الحكوميّة العربيّة أنّ مجلتنا كانت المادة الأساسية التي طُرحت للدراسة والاحتذاء".
*فيلم "أميرة الروم"
أما بالنسبة إلى خطوات المجلة المستقبلية، فيكشف لنا الشيخ عباس شرارة الستار عن فيلم "أميرة الروم" الذي سيتم إطلاقه الشهر المقبل، "وهو يحكي قصة السيدة مليكة (نرجس) بنت قيصر الروم وزواجها من الإمام العسكري عليه السلام وإنجابها لذخيرة البشرية الموعود بإقامة القسط والعدالة". وهذا الفيلم سيكون الإنتاج الثاني للمجلة بعد مسلسل كرتوني حول شخصيّة "دغفول".
وختم الشيخ شرارة كلامه بالقول: "للأسف، المشروع الاستكباري الذي يغزو مجتمعنا، ولا سيّما على المستويات الثقافية، لم ينهزم لغاية الآن، وهذه أدنى مبرّرات المواجهة الثقافية".
أما بالنسبة لكلامنا حول "مهدي" تلك المجلة الرائدة التي تكبر الأجيال بين طيّات صفحاتها، فهي كانت ولا تزال قنبلة ورقيّة بيد أطفالنا يرعبون العدوّ بها، ومهما اشتدّت الهجمة عليها لن تضعف أبداً طالما يقرع آلاف الأطفال بابها وينتظرون إطلالتها عليهم بشغف. فمع مهدي "نمرح، نتعلّم، نطوّر مهاراتنا وهواياتنا ونقاوم".