مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الجاهل القاصر والجاهل المقصر

آية الله مشكيني


 ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين (لقمان: 9).
في الحلقة الماضية تحدث آية الله مشكيني عن جزاء المؤمن والكافر، وبيّن أن المؤمن جزاؤه الجنة والكافر جزاؤه النار.
وأكد أن الله تعالى لا يخلف وعده بإدخال المؤمن إلى الجنة، بينما الكافر والفاسق فلا مانع من عدم إدخاله النار إذا شمله العفو والمغفرة، هذا من جهة العقل. أما من جهة النقل، فهو موضوع هذه الحلقة.


* الكفر والشرك لا يُتركان
من جهة الآيات والروايات، فالله سبحانه وتعالى لن يترك الكافر أبداً، فقد أقسم تعالى بذاته المقدسة ان الكافر مصيره إلى جهنم حتماً سواء كان منافقاً، أي يظهر الإسلام بلسانه ولكنه كافر بقلبه، أو أن أظهر الكفر قلباً وقالباً.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾.
وعلى هذا، فالدليل النقلي أن الله تعالى لن يغفر للكفار يوم القيامة، وهذه مسألة مسلّم بها في علم الكلام، فلو أن شخصاً انتقل نم الدنيا وهو في حال الكفر فلا مغفرة له ولا تناله الشفاعة حتى شفاعة الأنبياء عليهم السلام والمقربين إلى الله تعالى الذين لديهم حق الشفاعة بإذنه.
وفي الروايات هناك نوعان من الظلم: ظلمٌ لا يُغفر وهو الكفر والشرك.
أما الذنوب الكبيرة مثل: السرقة، الزنا، قتل النفس، اللواط... فهل هناك وعد بالمغفرة لمرتكبي هذه الذنوب أم لا؟ في هذه الآية قال: ﴿ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فالعفو عن الذنب إذا كان دون الشرك ممكن.

وبمراجعة الروايات الشريفة، فإن هذا العفو الإلهي يكون من خلال الشفاعة، فالله تعالى قد أعطى للأنبياء عليهم السلام والأئمة عليهم السلام والشهداء والمؤمنين المقربين إليه حق الشفاعة للمجرمين، لكن هذا الحق مشروط بإذنه تعالى ورضاه. يقول تعالى في سورة الأنبياء ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.
وعلى هذا الأساس، فالذنوب الكبيرة التي يرى بعض العلماء أنها سبعة، وبعض آخر أنها سبعين، وأوصلها بعض ثالث إلى سبعمائة معفوٌّ عنها عن طريق الشفاعة، لكن لا عفو عن المعصية القلبية، أي الكفر، ولذا قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر". وورد في بعض الروايات أن رحمة الله تعالى مائة جزء، أفاض منها جزءاً واحداً على هذه الدنيا، وببركة هذا الجزء يعيش الناس ويتراحمون ويتآلفون، وكذلك الحيوانات والنباتات، بل الكون بأسره تنتظم أموره بهذا الجزء، واحتفظ بتسعة وتسعين جزءاً من الرحمة ليوم القيامة. ومن هنا ندعو في دعاء الجوشن الكبير: يا من سبقت رحمته غضبه.

* الكافر القاصر والكافر المقصر
ولكن هل هناك استثناء في مورد الكفار، أم أنهم جميعاً إلى النار؟ أحياناً يعلم الإنسان أن شرب عصير العنب قبل ذهاب ثلثيه (بعد غليه) حرام، ومع ذلك فإنه يشرب. في هذه الصورة لا إشكال على مجازاته يوم القيامة. أحياناً لا يكون الإنسان عالماً بالحرمة، فإن احتمل ذلك كما إذا سمع من شخص، ولو غير موثوق لديه.. أنها حرام. ففي هذه الحالة أيضاً إذا شرب يكون قد ارتكب حراماً لأنه سمع بالحرمة وتولّد من جراء ذلك احتمال- ولو ضعيف- بأنها حرام ولم يبحث لرفع هذا الاحتمال، سواء لجهة الاثبات أو النفي، ولذا فإنه يحاسب عليه في الآخرة.

وأحياناً يعتقد الإنسان بعدم الحرمة، ولم يسمع في المحيط الذي يعيش فيه بحرمة هذا الشيء، ففي هذه الصورة حكمه حكم الجاهل القاصر. فلو شرب فلا عقاب له بخلاف الصورة الثانية حيث ينطبق عليه حكم الجاهل المقصّر.

الكافر أيضاً هكذا، أولئك الذين يعيشون في مجتمعات مغلقة، كبعض القرى والأرياف في روسيا والصين، الذين لم يصلوا إلى مستوى التمييز ولم يسمعوا إلا باسم ماركس ولينين وانجلز وأمثالهم بحيث لم يحتملوا ولم يلتفتوا إلى وجود خالق للعالم وأن له أنبياء ورسلاً وشرائع لهداية البشر، فهؤلاء من الكفار من القسم الثالث الذين حكمهم حكم الجاهل القاصر، ويوم القيامة لا يدخلون جهنم، ولكن الكفار في بلاد الإسلام وغير البلاد الإسلامية الذين سمعوا بنداء الإسلام والتوحيد ولم يبحثوا للتحقيق في هذا المجال، حكمهم حكم الجاهل المقصر ويوم القيامة مصيره إلى جهنم.

زرارة أحد أبرز تلامذة الإمام الصادق عليه السلام، وهو من جملة أربعمائة شخص تتلمذوا على يديه ونقلوا عنه الأحاديث، ودونوا الكتب، وقد انتشر ما يقارب الأربعمائة كتاب في هذه الكتابات وانتشرت معها العلوم الإسلامية في العالم. كان زرارة يوماً عند بعض أصحابه المقربين، فدعاه إلى سفرة كان فيها نوع جديد من الفواكه. احتمل زرارة أن أكل هذه الفاكهة ليس جائزاً في الإسلام، فذهب إلى الإمام الصادق عليه السلام وسأل عن حكم الإسلام في ذلك، فأجاب الإمام عليه السلام أنه لا مانع من ذلك، فرجع زرارة وتناول من تلك الفاكهة.
من هنا يُعلم أن الإنسان ليس حراً يتناول ما يشتهيه من المطعومات والمشروبات، ففي الروايات أن المؤمن مُلجم، أي أن الإيمان يلجمه عن تناول كل ما تشتهيه وتميل إليه نفسه.
وعليه، فلو احتمل الإنسان حرمة شيء، ثم ارتكب ذلك الشيء دون سؤال وتحقيق، وتبين فيما بعد أنه حرام فيوم القيامة يحاسب عليه، وإذا قال لم أكن أعلم يقال له: هلاّ سألت؟ ولا يُقبل عذره.

بقي سؤالان:
 ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينبالنسبة للسؤال الأول، يقول تعالى في سورة الأنعام: ﴿ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ، وفي سورة الاسراء يُبين هذا الأمر بشكل أوضح وأجلى حيث يقول تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً. وهذا يؤكد أن لا عذاب ما لم تقك الحجة، والجاهل القاصر لا حجة عليه فليس محكوماً بالعذاب.

أما بالنسبة للسؤال الثاني، فتشير بعض الآيات الكريمة إلى محل يعرف باسم "الأعراف"، فهذا المكان ليس هو بالجنة حيث النعيم الوافر، ولا هو بالعذاب، فالجاهل القاصر من الكفار مصيره إلى هناك، وكذلك أطفال الكفار الذي يموتون وهم في سن الطفولة. أما أطفال المسلمين فقد جاء في حقهم قرآناً كريماً:  ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ أي يدخلون الجنة مع آبائهم المسلمين، طبعاً هناك أقوال أخرى في حق أطفال المسلمين والكفار لا مجال لذكرها ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

* الصفات المطلقة والصفات المقيّدة

يتصف الله تعالى بأوصاف كثيرة. منها عامة للبشر أيضاً. فالله عالم والإنسان كذلك عالم. والله تعالى سميع بصير والإنسان كذلك لديه سمع وبصر، الله تعالى قادر والإنسان أيضاً لديه قدرة، ولكن في علم الكلام الصفات الإلهية مطلقة دائماً، أما صفات الإنسان فمحدودة ونسبية، فعلم الله مطلق لا يحده زمان ولا يعزب عن شيء، أما علم الإنسان فقبل الذهاب إلى المدرسة كان جاهلاً. وعند الكبر ينسى الكثير من معلوماته، وهناك الكثير من الأمور لا يعلم بها، وهكذا بالنسبة إلى سائر الصفات.

في الآية الكريمة ذكر صفتين من الصفات الإلهية: العزيز بمعنى الغالب والحكيم، وصفة العزيز بالنسبة لله تعالى مطلقة مثل سائر صفاته، أي هو عزيز في كل زمان وغالب لكل شيء، ولذلك قيل: العزيز هو الغالب غير المغلوب، أما الإنسان فتارة يكون عزيزاً غالباً وتارة يكون مغلوباً.

الصفة الثانية هي الحكيم، أي أن الله تعالى خلق الخلق ووضع لهم النظام الأتمّ، بحيث لا يوجد أي نقص أو خلل في الوجود، فاختراعات الإنسان متلازمة مع النقص دائماً وتسعى نحو التطور والتكامل، وما ذلك إلا بسبب نقص علمه وحكمته وقدرته، أما الموجودات بأسرها، بدءاً من الذرات الصغيرة وانتهاء بالمجرات الكبيرة خاضعة لنظام دقيق لا تحيد عنه قيد أنملة، لذا فإن الله المتعالي يقول:  ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور  (الملك: 3- 4).

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع