مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: وأن تصدّقوا خير لكم

السيد علي عباس الموسوي

تكثر المنعطفات التي يمرّ بها الإنسان في حياته التي تمضي في هذه الدنيا. وترتبط هذه المنعطفات أحياناً بقرارت مصيريّة وأخرى اعتياديّة. وفي كلا الحالين يكون للخيار المتّخَذ تبعات لا بد وأن تترتب؛ فيتحمل صاحب الاختيار مسؤوليّة تلك التبعات.

ولأن الإسلام دعا إلى حياة اجتماعيّة ترقى بهذا الإنسان في مدارج الكمال، لم يرضَ لأفراد هذا المجتمع أن يقفوا موقف المتفرّج إزاء ما يقع به الأفراد من نتائج لاختياراتهم وما يقومون به من أعمال، بل دعا ومن خلال النظر إلى كلّ الأفراد كمكوّن واحد، أي أعضاء جسد واحد، إلى الاهتمام والمبادرة لتقديم العون لأيّ عضو من هذا الجسد يشكو ويصاب بآفة.
واعتمد الإسلام في دعوته هذه على عنصرين، أحدهما إلزامي والآخر اختياري. ويمثل الواجب مصداقاً للعنصر الأوّل والمستحب مصداقاً للعنصر الثاني. وحثّ على أن يكون النظر إلى تحصيل الرضا الإلهي في امتثال كلا العنصرين والتكليفين.

إنّ أوضح مصداق يتبادر إلى عرف الناس في هذا الأمر هو ما يتمثّل بالديون التي تتراكم على أحد الناس. وسواء أكان ذلك غير متعمد أي دون خطأ، بل بسبب أعباء الحياة أم كان متعمداً وبسبب خطأ وقع فيه المديون. وفي هذا المجال لا يمكن للناس، لا سيما لأصحاب الديون، أن يقفوا موقفاً سلبياً تماماً، بل دعا الإسلام إلى أن يُنظر بعين الرحمة إلى هؤلاء وذلك من خلال عنصر إلزام وهو التريث في الطلب وانتظار انتقال حالهم من العسر إلى اليسر، وعنصر اختيار وهو أن يتم العفو عن هذا المدين وإبراء ذمته من الدين.

ولكن ثمة مصاديق أخرى في هذه الحياة تبقى خفية أحياناً، كالحقوق المتبادلة بين الأرحام، وبين الزوجين وبين الآباء والأبناء. فهذه الحقوق قد تؤدّى على وجهها وهو المطلوب، وقد يقع فيها النقص عن قصور وخطأ أحياناً وعن تقصير وتعمّدٍ في أحيان أخرى. وتفرض الروح الأخلاقية الاجتماعية التي دعا إليها الإسلام أن يتمّ النظر إلى ذلك تارة بالتريث والانتظار وإعطاء الفرصة للتدارك والجبران، وأخرى بالعفو والإبراء.

فإذا كانت مشاغل الحياة قد شغلت بعض الناس فوقعوا في التقصير في صلة أرحامهم أو يعيشون اللامبالاة إزاء ذلك فلا ينبغي اعتماد مبدأ المبادرة بالمثل، بل ينبغي أن يسير الإنسان في طريق التريث والانتظار أو العفو والتسامح.
وكذلك الحال في علاقة الزوجين وهما يعيشان في حياتهما المشتركة، فإن الإسلام يدعو إلى أن يكون فتح الفرص لتدارك الأخطاء عادة جارية، وإلى أن يكون العفو والتسامح قيمةً حاكمةً.

وفي تقصير الأبناء مع الآباء، والذي قد يصدر عن خطأ غير مقصود أو غير متعمد، تكون عين الرحمة هي القاعدة المتبعة الضامنة لعودة هؤلاء عن تقصيرهم، ويكون العفو هو المؤاخذة والعقوبة التي تردعهم عن الاستمرار في الخطأ، والعودة إلى أداء الواجب والتكليف.
لو كانت هذه العادات الحسنة التي دعا إليها الشارع متبعةً، لكان الخير الوافر من نصيب المجتمع كله، ولنال ثمار ذلك في الدنيا والآخرة. ولذا، وصفت الآية ذلك بأنه خيرٌ لكم، فقال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: 280).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع