الشيخ تامر محمد حمزة
عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج، قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بَشِّر المخبتين [الخاشعين – المتواضعين] بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست"(1).
هي شخصيات أربع نالت شرف شهادة الوثاقة والصدق عند المعصوم عليه السلام وشرف الحفاظ على آثار النبوّة. في هذا العدد سنبدأ الحديث عن "زرارة بن أعين" على أن يليه مَنْ ذكرهم الحديث تباعاً في الأعداد القادمة.
*زرارة بن أعين
هو عبد ربه بن أعين بن سنسن الشيباني بالولاء، الكوفي. وقد لقّب بـ"زرارة" واشتهر بهذا الاسم قديماً وحديثاً، ويُكنّى أبا الحسن وأبا علي(2). وقد روي أنّ زرارة كان وسيماً، جسيماً، أبيض، وكان يخرج إلى الجمعة وعلى رأسه برنس أسود وبين عينيه سجادة، وفي يده عصا فيقوم له الناس سماطين (مصطفّين) ينظرون إليه لحسن هيئته فربما رجع عن طريقه(3). وذُكر له ستة من الذكور، ومنهم من كان في عداد الرواة. وأما إخوته فمشهورون، معروفون. وكان لزرارة وإخوته وأولادهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف... ولهم روايات عن علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام . وقد ذكر في كتب الفهرست عن الشيخ الصدوق الابن أنه رأى كتاباً لزرارة في الاستطاعة والجبر(4). وكانت وفاته سنة 148هـ على أحد القولَين، بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام بشهرين.
*زرارة أفقه الأوّلين
عدّه الطوسي في رجاله والبرقي أيضاً في أصحاب الباقر، والصادق، والكاظم عليهم السلام . وقال النجاشي: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، كان قارئاً فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً وقد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه. وقال العلامة الكشّي في تسمية الفقهاء من أصحاب الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا أفقه الأوّلين ستة... وأفقه الستة زرارة(5).
*أحب الناس إليّ أحياءً وأمواتاً
من التوفيق الإلهي للإنسان أن يكون محباً لأهل البيت عليهم السلام . وأما التوفيق الإلهي الأعظم فأن يكون محلّ عناية ومحبة أهل البيت عليهم السلام ، وأن يكون عندهم كذلك في حياته وبعد موته. وزرارة من هؤلاء الأفراد، فقد روى داود بن سرحان قال: قال الإمام الصادق عليه السلام : إن أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً منهم زرارة(6). وكذلك روى الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً أربعة، منهم زرارة. وكذلك روى علي بن أسباط عن ابن زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام في رسالة له: وأنا والله أحبّ لك الخير في الدنيا وأحبّ لك الخير في الآخرة، وأنا والله عنك راضٍ فما تبالي ما قال الناس بعد هذا(7).
*إذا أردتَ حديثنا فعليك بهذا
فلو جلس زرارة في مجلس وقد خلا من كلّ أحد إلّا الإمام، لكان زرارة التلميذ المؤدب مع أستاذه لنيل العلم. وهو نفسه، لو كان في ذلك المجلس وقد امتلأ حتى ضاق بروّاده والمختلفين إليه، سوى الإمام، كان زرارة شيخ المجلس ووجهه، يجتمعون حوله ويزدحمون عليه ليسمعوا منه ما سمعوه من الإمام عليه السلام . ويدلّ على هاتين الصورتين ما رواه هشام بن سالم عن زرارة فقال: أسمع والله بالحرف من جعفر بن محمد عليه السلام من الفتيا فأزداد به إيماناً(8). وأما الصورة الأخرى فقد روى محمد بن أبي عمير قال: قلت لجميل بن درّاج: ما أحسَن محضرَك وأزين مجلسك، فقال: إي والله ما كنا حول زرارة بن أعين إلّا بمنزلة الصبيان في الكتّاب حول المعلّم(9) حتى أننا نجد أن الإمام عليه السلام كان يشير على بعض أصحابه بالرجوع إلى مجلس زرارة لأخذ معالم دينهم لا سيّما حين تعارض الأخبار.
ومن ذلك ما ذكره الفيض بن المختار وهو في محضر الإمام الصادق عليه السلام ، وقد ذكر آية من القرآن الكريم، فأوّلَها أبو عبد الله عليه السلام ، فقال له الفيض: جعلني الله فداك ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ قال: وأيّ اختلاف يا فيض؟ فقال له: إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم... فقال أبو عبد الله: أجل كما ذكرت هو يا فيض، إن الناس أولعوا بالكذب علينا حتى كأن الله افترض ذلك عليهم لا يريد منهم غيره... وكلٌّ يحب أن يدعى رأساً، إنه ليس من عبد يرفع نفسه إلا وضعه الله, وما من عبد وضع نفسه إلا رفعه الله وشرّفه، فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس وأومأ إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه فقالوا: زرارة بن أعين(10).
*زرارة أحيا ذكرنا ولولاه لاندرست السنّة
أيّة مكانة هي التي تشرفت بحلول زرارة فيها، وعليها مع تلك الثلّة الطاهرة التي غمرها الإمام بلطفه ومحبّته؟ فقد ائتمنها الإمام على حلال الله وحرامه وكانت عيبة علمه ومستودع سره حقاً. إذا أراد الله بأهل الأرض سوءاً صرف بها عنهم السوء، هم نجوم الشيعة أحياءً وأمواتاً وبهم يكشف الله كلّ بدعة تنفي عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين. ثم بكى عليهم الإمام، ولما سئل عنهم قال: من عليهم صلوات الله ورحمته أحياءً وأمواتاً(11). فعن ابن الأقطع قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة(12).
وفي خبر آخر رواه إبراهيم بن عبد الحميد وغيره قال: قال أبو عبد الله: رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه السلام (13).
*زرارة في الجنة بغير ألف
روى محمد بن مسعود العياشي بسنده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال، قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة بغير ألف. قلت: نعم جعلت فداك، اسمي: عبد ربه ولكني لقبت بزرارة(14).
وكذلك أورد محمد بن قولويه بسنده إلى علي بن أسباط عن أبيه، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين حواريّ [حواريّو] محمد بن عبد الله رسول الله؟ إلى أن قال: ثم ينادي منادٍ: أين حواريّ [حواريّو] محمد بن علي؟ وحواريّ [وحواريّو] جعفر بن محمد L؟ فيقوم...، وعدّ جماعة فيهم زرارة(15).
1.معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج7 ص222.
2.أعيان الشيعة، الأمين، ج7، ص46 نقلاً عن فهرسي الطوسي وابن النديم.
3.م.ن، نقلاً عن رسالة أبي غالب الزراري.
4.رجال النجاشي، ترجمة زرارة.
5.معجم رجال الحديث، م.س، ص218.
6.م.ن.
7.م.ن.
8.م.ن، ج7، ص222
9.أعيان الشيعة، م.س، ص48.
10.م.ن.
11.مضمون الحديث الذي رواه جميل بن درّاج عن الإمام الصادق عليه السلام ، المعجم، ج7 ص225.
12.م.ن.
13.م.ن.
14.معجم رجال الحديث، م.س، من كتاب العياشي.
15.أعيان الشيعة، م.س، ص49.