إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

شهيد الدفاع عن المقدّسات حاتم إبراهيم حسين (أبو علي)

نسرين إدريس قازان


اسم الأم: خديجة أيوب
محل وتاريخ الولادة:
النفاخية 15/7/1959
الوضع الاجتماعي:
متأهّل وله سبعة أولاد
رقم السجل:
8
تاريخ الاستشهاد:
19/5/2013


لم تكن الغربة حدثاً طارئاً في حياة الحاج حاتم، بل كانت أشبهَ بصنارةٍ حيكت عليها أيامه التي حفلت بكثير من الأحداث، فهو وإن استطاع مع الزمن صبراً، فقد ظلّت الغربة أفقاً واضحاً في عينيه، صاحَبَها بإحسانٍ وارتضاها قدراً، وأحبَّ أن يصطحبها إلى عالم البرزخ، فقضى عمره يصلي بعد نافلة الليل ركعتين تقرّباً لله، رفض أن يُفضي بسرّهما لمن كانت ترمقه طوال سنوات الزواج وهو يعبد الله ليلاً، حتى إذا ما أزف الفراق، أخبرها بالسرِّ كي يربطَ على قلبها بالصبر، فهاتان الركعتان كانتا توسلاً في أن يظلَّ قبره مجهول المكان كقبر سيدته فاطمة الزهراء عليها السلام مواساة لها..

*دُفن يوم استشهادها
ولكن السيدة فاطمة عليها السلام، شرّفت من استشهد دفاعاً عن كرامة ابنتها السيدة زينب عليها السلام في الشام، بأن يظلّ جثمانه غريباً لأشهر طويلة، ولكن ما أن أرخي سواد الأيام الفاطمية، وفي حزن أهل البيت عليهم السلام على مُصابها، وُجد الجثمان ودُفن في يوم استشهادها، وكأنها - أرواحنا فداها - أرادت أن تجبر قلب عائلته بقبرٍ له يزورونه وترتاح قلوبهم عنده، وهي التي تعلم غربة القبور ووحشتها..

*مشتاقٌ للجبهة رغم الخمسين
الحاج حاتم، وعلى الرغم من أنه تجاوز الخمسين من العمر، لم يعدم وسيلة في سعيه الحثيث للحصول على موافقة التحاقه بالجبهة، فالمعركة صعبةٌ وتحتاجُ إلى خفّةٍ في المواجهات لا إلى رجلٍ يتوكّأ أحياناً على عصا إثر إصابة في ركبته، إضافة إلى أهمية بقائه في قريته حيث يقوم بعدة مهامٍ في المسيرة الجهادية؛ لكن شيئاً لم يقف في وجه هذا العاشق المشتاق، فتوكّأ على عشقه ومضى إلى حيث أرسى قاربه على شاطئ محبوبه تاركاً وراء ظهره حياةً عصَرتها المصاعب التي تغلّب عليها بصبرٍ ومواظبة يُضرب فيها المثل.

*ثقة وأمل بالمستقبل
فهو قد حُرم في طفولته من دفء العائلة. وما إن بلغ الشهر السادس من العمر، حتى انفصل والداه، وأخذته جدّته لتعتني به، فعاش في بيت جدّه ينتظرُ أياماً يرى فيها أمه تارة، وأباه تارة أخرى إلى أن كبر وصار يزورهما، وكان إخوته من كلا الوالدين يحبونه ويحترمونه؛ فهو، بنظرهم، الأخ الكبير، الواعي والمتفهّم..

مرت أيام حاتم دون أن يستسلم للضعف أو الركون إلى الظروف، لذا، فهو وما إن بلغ الثانية عشرة من عمره، حتى ترك مقاعد المدرسة رحمةً بجده الذي كان يكدُّ في الزراعة لتأمين الطعام، وخاض حاتم غمار العمل بعزيمة استغربَ لها الجميع، وادّخر المال لينتقل إلى بيروت في عمر الثامنة عشر ليفتح محلاً للحدادة ويشغّل معه عمالاً، حتى إذا ما تيسرت أموره وفتح الله باب رزقه، أرسل إلى إخوته ليعملوا معه ويعاونوه..

*زينة الدنيا مالٌ وبنون وعطاء وإيثار
وسرعان ما قرر الحاج حاتم الزواج، ليؤسس أسرة؛ عَوّض، في كنفها، كل ما حرم منه في طفولته، فرزق بسبعة أبناء، قضى معهم أجمل الأيام، فهو والدهم وصديقهم ومرشدهم، وبعض الأحيان كان يلجأ إلى دفء البقاء بينهم من نوائب الأيام.

في النفاخية التي يقطنها المسلمون والمسيحيون، سكن حاتم وبنى منزلاً، وهبه، لبضع سنين، لمجاهدي المقاومة أثناء سفره وعائلته إلى ليبيا. وحين عاد إلى قريته التي تفتقد الكثير من مقومات الحياة، كان همّه الوحيد كيفية إنمائها ودعمها بما يتناسبُ ومقتضى الحياة. فالأولوية كانت للحياة العبادية، إذ لا وجود لمسجد أو حسينية فيها، باعتبار أن قرية صريفا متاخمة لها. فبدأ وبعض الخيّرين ببناء مسجد الإمام علي عليه السلام بعد أن أمّن أرضاً لذلك، ثم سعى لتأمين مقبرة خاصة بأهل القرية من المسلمين، وسرعان ما بادر لبناء حسينية، ولم يَفِتْهُ قط الاهتمام بأبناء بلدته من المسيحيين، فهو، وبعلاقاته الاجتماعية الواسعة، لم يدخل بيوت الناس فحسب، بل سكن قلوبهم، بكلمته الطيبة والمبادرة الحسنة، وتفهّمه للآخرين، فهو الناصح الأمين لهم. وقد استطاع أن يجود بكل ما امتلكه في هذه الدنيا من مشاعر اهتمام وحبّ ومال، ولهذا ترك أثراً كبيراً في النفوس وكان قدوة للناس في العطاء والإيثار.

*فقْد ولده "علي" كسرَ قلبه
إلى جانب عمله الذي كدّ فيه ليل نهار، من أجل أسرته، كان يتابع عمله الجهادي في مختلف المجالات. الحاج حاتم كان في الكشافة يستقطب الفتية والشباب بهدف تأمين جيلٍ مقاوم جديد، وكان منسقاً ناجحاً في العمل الاجتماعي والإعلامي والثقافي، إضافة إلى عمله العسكري، فصاحب الهمّة والمبادرة لم يحتج إلى وقت للراحة، فالعمل عنده هواء يتنفّسه، ولكن حينما داهمه القضاء والقدر بفقد ابنه "علي"، إثر حادث سير أثناء توجّهه إلى الكشافة، انكسر قلب الحاج حاتم واحتاج إلى وقت للملمة حزنه، فآثر الابتعاد قليلاً عن ضجيج الحياة في حالة من التفكّر؛ ليعود بعد فترة وجيزة لمتابعة كامل التفاصيل المناطة به، وبروحيته المعطاءة.

*ارتقاء الشهادة
كانت الحرب ضد التكفيريين، بوابة تسلّل منها الأمل إلى قلبه المفجوع بمضي سنين الجهاد واشتعال الرأس بالشيب. وبعد أن ضاقت فرص مقارعة الظلم، اختنق الحاج حاتم بالحياة، فالمحاور قد هدأت تحت راية الانتصار، وحرب تموز كانت فرصة تسرّبت من أصابعه... وعلى الرغم من ممانعة قيادة المقاومة ذهابه إلى سوريا بادئ الأمر، وافقت بناءً لإلحاحه الشديد، ليرتقي في معركةٍ هي من أقدس المعارك، وليؤسر جثمانه الطاهر ويختفي لعدة أشهر قبل أن يعود إلى قريته، ليرقد بالقرب من ابنه علي.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع