لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يدرك تماماً أن مقاومته للسياسة الأموية ووقوفه الحازم في وجهها ستكون نتيجته الشهادة في سبيل الله، سواء بقي الإمام الحسين عليه السلام في المدينة أو في مكة المكرمة أو في أي إقليم آخر، ولكنه كان يريد أن يكون لاستشهاده دوي عالٍ على المستوى العام للأمة بامتدادها التاريخي حيث كان الأمويون يحاولون جاهدين لاغتياله لأن ذلك النوع من الموت ليس له دوي، أو أن دويه محدود، فلا تتبعه هزة أو ضجة على المستوى العام للأمة، بالمستوى المراد.
لذلك كان لا بد من التحضير لمعركة حقيقية بين معسكر الإيمان الذي يقوده الإمام الحسين عليه السلام، وقوى الانحراف التي يقودها البيت الأموي بقيادة يزيد بن معاوية، ومن أجل ذلك دعا الإمام عليه السلام الرجال للانخراط في صفوف الثورة، فكان لا يمر بقوم، أو بحي من أحياء العرب وهو في طريقه إلى العراق، حتى يدعوهم إلى نصرته والانضواء تحت لوائه ليتسع مدار الضجة أفقياً وتاريخياً، ولعلنا هنا ندرك السر الذي جعل الحسين عليه السلام يحمل معه نساءه وأطفاله مع قناعته بالنتيجة المحتومة لتصديه للحكم الأموي.
فالإمام الحسين عليه السلام كان مقتنعاً تماماً إلى حد القطع أن نساءه ونساء أنصاره سيتعرضن للأسر والإهانة من لجن عملاء السلطة الأموية، وسفرهن من بلاد إلى بلاد، وهنا يأتي دورهن في كشف وفضح السياسة الأموية وتعريتها أمام الأمة وذلك بالتحدث إلى الناس ومواجهتهم بالحقائق وفضح ألاعيب السياسة الأموية في كل من الكوفة والشام ومن خلال الخطب والمناقشات ومهاجمة الحكام، تصبح الغاية التي حمل الحسين عليه السلام من أجلها نساءه إلى قلب المعركة جلية لا تخفى عن ذي عقل، ولقد قالها الإمام عليه السلام كلمة حين حدثه أخوه (محمد بن الحنفية) بشأن النساء وعند عزمه على مغادرة مكة إلى العراق قال عليه السلام: "قد شاء الله أن يراهن سبايا".
وهنا نذكر بعضاً من البيانات المثيرة التي أذاعتها السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام والتي تجلّت في كلماتها الحيدرية: "الحمد لله والصلاة على أبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين. أما بعد.. يا أهل الكوفة.. أتبكون فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً، تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم.. ألا وهل فيكم إلا الصلف والغطف والعجب والكذب والشنف وملق الآماد وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة.. ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم..". وغيرها من الخطب والكلمات المثيرة والتي تضع زينب الكبرى عليها السلام أهل الكوفة أمام مسؤوليتهم وتعكس لهم جسامة الخطر وحراجة الموقف الذي هم فيه بعد قتلهم الحسين عليه السلام مما أثار موجة عارمة من السخط الجماهيري على السياسة الأموية والضالعين في ركابها.
وهكذا تتبعها السيدة فاطمة بنت الحسين عليه السلام وتليها أم كلثوم بحديث مكثف يضرب على نفس الوتر ويرمي إلى ذات الغاية. غير أن دور النسوة قد تبلور بشكل صارم في دمشق بالذات، حيث جرت مناقشات حادة وخطب وتحديات، ويبدو أن العنصر النسائي في الحركة الحسينية قد اتخذ مواقع الهجوم على الطغاة هناك، بدءاً بيزيد بن معاوية فما دون.
ولقد كانت لتلك البيانات العاصفة التي أدلت بها زينب عليها السلام وأخواتها على درب الجهاد، دور إعلامي فعال لإيضاح أهداف الثورة، وكشف مظلومية أهل البيت عليه السلام وأحقيتهم في سياسة أمور الناس، بالإضافة إلى تعرية الخط المنحرف الذي ينتهجه البيت الأموي في توجيه دفة الحياة الإسلامية، وتضليل سواد الأمة، وإغراء ذوي النفوس الضعيفة منها.
ولقد كانت إحدى نتائج هذا الدور الإعلامي للنساء في الشام هو اضطرار يزيد تحت ضغط أهل الشام إلى تخلية سبيل الأسرى والسماح لهم بالعودة إلى المدينة المنورة.