الشمس والقمر في المنظار العلمي والقرآني
الشمس والقمر
الشمس والقمر مظهران من مظاهر الحياة فالشمس مصدر الفور والطاقة - ومن دونهما يصبح العيش على الأرض مستحيلاً، وهذان الكوكبان لطالما حيّرا الإنسان القديم إلى أن اعتبرهما البعض والعياذ بالله آلهة تعبد نتيجة للجهل المطبق والانبهار بمصادر القوة غافلين عن القوة المطلقة العظيمة المانحة الوجود والحياة لكل الموجودات والمظاهر.
إذاً عزيزي القارئ ما هي حقيقة هذين الكوكبين في المنظور العلمي وكيف تناولهما القرآن الكريم... هذا ما سنعرضه إن شاء الله راجين التوفيق من المولى.
* طبيعة الشمس
﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجً﴾ا (النبأ: 13) - أي وصف الشمس بالسراج المضيء الوهاج - في القرن العشرين ومع تقدم العلوم الكيمائية والفيزيائية النووية، عرفت طبيعة الشمس علمياً بأنها أتون هائل تصل الحرارة في داخله إلى خمسة عشر مليون درجة مئوية وفي أطرافها إلى ستة آلاف درجة وهي شبيهة بمعمل حراري يستمد طاقته من تحويل ودمج المادة أي من انصهار نوى (جمع نواة) غاز الهيدروجين وتحويلها إلى نوى غاز الهيليوم، فالشمس مكونة من 99,9 كتلها من الغاز (75% هيدروجين، 24,9% هيليوم) يبلغ وزنها ثلاثماية وثلاثة وثلاثين ألف مرة أكثر من الأرض أي ألفي مليار مليار طن تقريباً، وتصل درجة الضغط في قلبها إلى مئتي مليون طن في السنتميتر المربع أما ضوء الشمس فما هو إلا نتيجة تحول غاز الهيدروجين إلى غاز الهيليوم وهو يتألف من موجات إشعاعية مرئية هي الأشعة البيضاء المؤلفة من مختلف ألوان قوس قزح (الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، البنفسجي) وموجات أشعة غير مرئية كالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة المجهورة وأشعة غاما وموجات الراديو والموجات الصغيرة. ومن هنا نلاحظ عمق البعد العلمي القرآني الذي فرق بين أشعة الشمس حيث وصفها بالضياء وأشعة القمر حيث وصفها بالنور ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ (يونس: 5) - لأن النور الذي يأتي من القمر ما هو إلا انعكاس لأشعة الشمس المرئية المتساقطة على سطحه، أما ضوء الشمس فهو مؤلف من أشعة مرئية وغير مرئية - ولولا ضوء الشمس لما كان من حياة على الأرض فهو السبب الأول في ظهور الأحياء على سطحها وهو المصدر الأساس لبقية مصادر الطاقة كالرياح والطاقة المائية والطاقة الغذائية وغيرها.
أما هوية الشمس، عمرها يبلغ خمسة مليارات سنة وبعدها من الأرض. 150 مليون كلم عن الأرض، و30 ألف سنة ضوئية عن مركز المجرة اللبنية، وشعاعها 696000 كلم، وزنها ألفا مليون مليار مليار طن، كثافتها 1,4 غرام في السنتيمتر المربع، حرارتها في المركز 15 مليون درجة مئوية والأطراف 6000 درجة مئوية، أما سرعتها بالنسبة للنجوم المجاورة 19,7 كلم في الثانية.
* حركة الشمس
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (يس: 38)، تشير المراجع العلمية الفلكية إلى أن أول من نظر نظرة صحيحة للنظام الشمسي هو العالم "كابلر" في القرن السابع عشر الميلادي حيث أكد أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بكل منها، وفق نظام وجد بعضاً من معادلاته، أما غيره من الأقدمين أمثال "تاليس" و"أرسطو" و"بطليموس" قالوا أن الأرض ثابتة في مركز لكون كروي مغلق مؤلف من كرات متطابقة من الكريستال تتوزع وتدور عليها الشمس والكواكب والنجوم... بينما أشار القرآن الكريم وقبل كابلر بأن كل جرم يجري في النظام الكوني، ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون ﴾َ (يس: 40) "وكلٌ يجري لأجل مسمّىً" (الرعد:2).
* أما ما هي طبيعة هذه الحركة والجريان؟؟
أ -﴿والشمس تجري﴾ الشمس بحجم عادي يقع في الفلك الخارجي لشعاع قرص المجرة اللبنية، وهي تجري بسرعة 230 مليون كلم في الثانية حول مركز المجرة اللبنية الذي تبعد عنه (أي الشمس) ثلاثين ألف سنة ضوئية ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مئتين وخمسين مليون سنة، فمنذ ولادتها التي ترجع إلى 4,6 مليار سنة أكملت الشمس وما تبعها 18 دورة حول المجرة ا
للبنية التي تجري بدورها نحو التجمع المحلي للمجرات، والتجمع المحلي يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات، يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات العملاق، فكل جرم في الكون يجري ويدور يَجْذِب ويُجْذَب... وإلى جانب هذا الجريان فإن الشمس تدور حول محورها أيضاً وإنما بكيفية تختلف عن حالة دوران الأرض حول نفسها.
ب -﴿والشمس تجري لمستقر لها﴾ مستقر الشمس هو أجلها المسمى والمقدر لها من العزيز العليم أي الوقت الذي فيه ينفد وقودها فتنطفئ وتموت. فحتى القرن التاسع عشر كانت المعلومات الفلكية تقول بأزلية النجوم ولم يكتشف إلا في القرن العشرين عن أن النجوم تولد وتنمو وتكبر وتهرم وتموت وهذا ما تناوله في الحلقة الماضية بالتفصيل في بحث النجوم.
* طبيعة القمر
القمر جسم بارد ميت يعكس الضوء من الشمس وله تأثير مهم على الأرض نتيجة فعل جاذبية القمر والشمس عليها، وهذا التأثير ما يسمى بالمد والجزر الواضح على سطح البحار والمحيطات من خلال ارتفاع المياه وانخفاضها، إذا أننا نرى أن ارتفاع مستوى منسوب المياه يكون في أقصاه في أول الشهر القمري ومنتصفه وذلك عندما تكون الأرض والقمر والشمس في خط مستقيم. كما كشفت علوم الأحياء وخاصة الأحياء البحرية أن تصرفاتها الحياتية، كالتفتيش عن الغذاء والتوالد والهجرة والنمو، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتعاقب الليل والنهار ومنازل القمر وخاصة عندما يكون بدراً.
أما هويته، القمر يبلغ عمره أربعة مليارات سنة تقريباً، وبعده عن الأرض 385 ألف كلم، وشعاعه 1740 كلم أي أربعمائة مرة أصغر من شعاع الشمس تقريباً، وزنه 73,4 ث 1,24 كلغ، كثافته 3,3 كثافة الماء، حرارته على سطحه بين 120 درجة فوق الصفر و180 درجة تحت الصفر.
* حركة القمر
﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ (يس: 39). يدور القمر حول نفسه وحول الأرض وفقاً لنظام منه نشأت الأشكال المختلفة للقمر التي يبدو فيها كل ليلة خلال الشهر القمري: فالقمر يدور دورة كاملة حول نفسه وحول الأرض في نفس الاتجاه وخلال المدة الزمنية نفسها، أي 27,321 يوماً، لذلك لا يرى منه من على الأرض إلا نصفه المضيء الذي يستمد نوره من الشمس، أما النصف الآخر فهو غارق أبداً في الظلام أي غير مرئي بالنسبة إلينا، وهذه الخاصية بالنظام الفلكي للقمر هي التي تشرح أشكاله المختلفة حسب منازله بالنسبة للأرض والشمس: فعندما يكون موقع القمر بين الأرض والشمس أي في بداية الشهر القمري يكون نصفه المظلم بكامله مواجهاً للأرض، لذلك لا يبدو منه شيء وخلال دورته حول الأرض ينحصر تدريجياً النصف المظلم فيه فيبدو قسم من النصف المضيء كهلال يكبر كل ليلة إلى أن يصبح بدراً في منتصف الشهر القمري، وذلك عندما يكون موقع الأرض دورته حول الأرض تماماً بين القمر والشمس فنرى حينئذٍ النصف المضيء من القمر بكامله ثم يتابع القمر دورته حول الأرض فيتغير شكله حتى يعود كالعرجون القديم أي كعرق النخل اليابس.
* الشمس والقمر بحسبان
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانِ﴾ (الرحمن: 5) يستفاد من هذه الآية الكريمة أن الشمس والقمر يجريان على مقدار من الحساب كما مر معنا سابقاً، كما يستفاد أيضاً منها أن الشمس والقمر بتقدير، وذلك بالنسبة للطاقة التي تصل الأرض من قبل الشمس، إذ لولا وجود الحجب والطبقات التي تفصل بينهما لكانت احترقت الأرض، كما أيضاً لبعد الشمس الحالي عن الأرض التأثير البالغ، أما القمر فإن تقدير وجوده على هذا البعد من الأرض جعل الأرض تحتفظ بالخصائص المعروفة الملائمة لحياة البشر ولو انعدمت هذه المسافة فإن درجة حرارتها ستتغير فتصبح في النهار 214 درجة فهرنتهيتية أي بزيادة درجتين على درجة غليان الماء وفي الليل 243 درجة فهرنتهيتية أي عندما يصبح الهواء سائلاً.
* الشمس والقمر وحساب الزمن
إن الزمن الطبيعي الانتزاعي النسبي هو عبارة عن حركة الشمس، فالشروق هو شروق الشمس، والظهيرة عندما تكون الشمس في أعلى نقطة في السماء أما الغروب فهو لحظة غياب الشمس وراء الأفق، وما بين الشروقين أو الظهرين أو الغروبين يوم كامل أي 24 ساعة ونأخذ أيضاً من حركة القمر حساب الشهر - الفترة بين ظهور القمر مرة وظهوره مرة أخرى 2/1 29 يوماً وهذا العدد هو الذي يحدد الشهر، إذاً من النظر إلى الشمس نحدد الساعة أو أي مدى وصل إليه النهار ومن القمر اليوم.
ولقد حاول الإنسان أن يضع تقويماً زمنياً لنفسه يوماً وشهراً فالأرض تكمل دورانها حول الشمس في زمن يبلغ 365 يوماً و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، فعمد إلى قسمة السنة الشمسية على الشهر القمري فوجد أن الناتج لا يساوي 12 وهي عدة الشهور أساس حسابه الزمني فعمد إلى جعل بعض الأشهر عدتها 30 يوماً وبعضها الآخر 31 يوماً وجعل شباط 28 يوماً أو 29 يوماً وهكذا من حركة الأرض حول الشمس ومن دوران القمر المقدر بحسبان استطاع الإنسان أن يعلم عدد السنين والحساب، وصدق القرآن الكريم حينما قال في الآية الخامسة من سورة يونس: ﴿هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون﴾.