مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

العبودية هي السبيل الوحيد



جاء في الحديث القدسي أن اللَّه تعالى قال: "ما تقرّب إليّ أحد بمثل ما تقرّب بالفرائض، وأنه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وعينه التي ينظر بها ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها".
أن معرفة السبب الوحيد الذي يمنع الإنسان من الوصول إلى كماله النهائي هي التي تبين لنا الطريق الأوحد في الوصول أيضاً.

فهذا الطريق لن يكون إلا عبارة عن إزالة المانع الوحيد، لأن الكمال النهائي يفاض على الإنسان بشكل دائم وقريب ومطلق يقول اللَّه تعالى:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذ (هود: 108).
 
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد (ق: 16).
 
﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا  (الإسراء: 20).

فإذا أمكن السالك من القضاء على هذا المانع يكون قد وصل إلى الغاية النهائية، وليس المقصود من السير والسلوك في عالم المعنويات قطع المسافات أو عبور الأوقات والأزمنة. فالزمان والمكان هما من شؤون هذه المادة، ولا يتعلقان بما فوقها. ومن المعلوم أن عالم الروح لا يحد بهذه الحدود.

وهكذا يمكن اختصار حقيقة هذا السلوك بأنه عبارة عن إزالة الحجاب بيننا وبين صاحب الفيض المطلق سبحانه وتعالى.
وإذا عرفنا أن هذا الحجاب ليس إلا حب النفس والنظر لها، نعلم عندئذ أن السلوك يختصر بالقضاء على الأنانية والآنية.
فجميع الذنوب والمعاصي، وكل الموبقات والمهلكات أنما تنبع من حب النفس ورؤيتها في عين الاستقلال والاستغناء.

أنحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة ينشأ من حب النفس. وأن البعد عن الحق وترك الآخرة ليس إلا وليد هذه الأنانية. وعليه، فإن هدف جميع الأحكام الإلهية ينتهي إلى القضاء على هذا الصنم: "أم الأصنام صنم النفس".

وهذا ما نلحظه بوضوح في الشريعة الإلهية التي توجه وجهة الإنسان إلى مبدأ وجوده من خلال فناء إرادته واختياره في إرادة المعبود سبحانه.

ونحن عندما نتأمل في الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تذكر الهدف النهائي للإنسان، وهو صيرورته مظهراً تاماً لأسماء اللَّه وصفاته، نجدها في نفس الوقت تبين له أن الطريق الوحيد لبلوغ هذا المرام هو في العبودية التامة:

يقول اللَّه سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وقال اللَّه في حديث قدسي: "يا ابن آدم أعمل ما افترضت عليك تكن أعبد الناس".
ومن الأحاديث القدسية أيضاً يقول تعالى: "عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون".

ومنها أيضاً: "يا ابن آدم أنا غني لا أفتقر اطعني فيما أمرتك أجعلك غنياً لاتفتقر، يا ابن آدم أنا حي لا أموت اطعني فيما أمرتك أجعلك حياً لا تموت، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون اطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون".
والحديث المشهور: "ما تقرب إلي احدٌ بمثل ما تقرب بالفرائض وأنه...".

وفي مصباح الشريعة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "العبودية جوهرة كنهها الربوبية".
فبلوغ مقام القرب من رب العالمين لن يحصل إلا من خلال شهود حقيقة الفقر والربط باللَّه، وهذا لن يحصل إلا بالعبودية التامة له، ولهذا نجد أن القرآن الكريم عندما يذكر قصة إسراء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  وعروجه إلى أعلى مقامات القرب يبين لنا أن وسيلة العروج أنما كانت قدم العبودية: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وأن من أعظم الصفات التي تظهر للأنبياء هي صفة العبودية:
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (ص: 41).
﴿... أنه من عبادنا المؤمنين (الصافات).
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا .

* شروط العبودية
وقد يقول قائل أن هذا الكلام من البديهيات التي يعرفها كل مسلم، فلا أحد يقول أن المعصية هي الطريق إلى اللَّه، أو أن ارتكاب الذنوب ومخالفة شريعة اللَّه توصل الإنسان إلى كماله. وهذا صحيح، ولكن المسألة لا تتوقف عند الشعار، فإن السير والسلوك ليس مجرد معرفة إجمالية أو إدعاء أجوف. وما لم يصل السالك إلى حق المعرفة ويؤدي ما عليه لن يكون له أي سفر.

فالخلاف ليس على العنوان وإنما يدور حول حقيقة العبودية، وهنا نذكر شروطها لتتضح عندئذ أسباب الاختلافات الكبيرة بين المسلمين والفروقات الواضحة بين السالكين.
يمكننا أن نشبه العبودية بطائر يحلق بجناحي الالتزام والتسليم، فإذا كنا نريد أن نعرج بهذا الطائر الأوحد علينا أن نلتفت إلى جناحيه، وإلا فلن نحلّق أبداً.

الجناح الأول: الالتزام بأوامر المعبود

أن مقتضى العبودية أن يطيع العبد مولاه، ويلتزم بأوامره. ولا معنى ولا وجود للعبودية في نفس تصدر الأوامر من ذاتها وتنسبها إلى اللَّه. فإذا كان السالك عبداً حقيقياً فهذا يعني أنه سيسأل معبوده عما يريده منه ليلتزم به. وإذا كان معنى العبودية واضحاً، فلن يكون للعبد أي مجال للاختيار في مقابل إرادة اللَّه واختياره: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾.

وهذا يعني أمرين:
الأول:
أن يطيع العبد أوامر اللَّه سبحانه لا غيره.
الثاني: أن يكون العابد طائعاً لله في كل شيء.

والأمر الأول يستلزم أن يتعرف السالك على أوامر اللَّه.وهذا لا يحصل إلا من خلال الرسول الذي هو واسطة الوحي والمبلغ الأمين لأحكام اللَّه وأوامره: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.

وحيث أن النبوة قد انقطعت بوفاة خاتم الأنبياء والمرسلين، فان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قد عين من بعده الائمة المعصومين عليه السلام الذين يمثلون إرادة اللَّه وحجته على خلقه. وفي غيبة الإمام المعصوم عليه السلام عين لنا الفقيه الجامع للشرائط الذي يمثل براءة الذمة في علاقتنا باللَّه. ونحن هنا لن نبحث في إثبات هذه القنوات الصافية التي تمثل سبل الوصول إلى أوامر اللَّه لأن الكتب العقائدية قد تكفلت بهذه المهمة، ولكننا نشير إلى أن إدعاء العبودية لله ليس بهذه البساطة، وأن أعظم امتحان يمر به الإنسان في حياته فيما يتعلق بعلاقته باللَّه سبحانه أنما يتمثل في طاعة البشر. ولو كانت المسألة منحصرة بطاعة اللَّه لما سقط إبليس وطرد من جوار اللَّه بعد رفضه السجود لآدم. أن إدعاء طاعة اللَّه إذا كان صادقاً فلن يكون مشروطاً بشيء أبداً. لأن معنى العبودية ترك السؤال مطلقاً.

فمن خلال تمحيص القناة الصافية نعلم سر اختلاف السالكين ومن الأجدر أن لا نبحث في البداية عن سبب آخر. وإذا كنا نريد أن نصل إلى أوامر اللَّه فعلينا أن نصل إلى النبوة، وإذا كنا نريد أن نصل إلى النبوة فعلينا أن نصل إلى الإمامة، ولا يمكن أن نصل إلى الإمامة في هذا العصر إلا من خلال ولاية الفقيه الجامع لشرائط التقليد (كما عبر الإمام الخميني قدس سره). وبعدها علينا أن ندرس جيداً مدى ارتباطنا وعلاقتنا بهذا الولي، وإلى أية درجة نتبعه.

أليس الولي الفقيه هو القناة الصافية لكل أوامر اللَّه تعالى؟ فلماذا إذن نبحث عن شيخ هنا أو مريد هناك لنأخذ منه برنامجاً سلوكياً؟.
وهل هناك من الواجبات الإلهية ما هو أعظم مما ينضوي تحت صلاحيات الولي الفقيه، كالجهاد والدفاع عن الإسلام والمسلمين وإقامة حكم اللَّه وإنقاذ المحرومين؟

أيها السالك إذا كنت ترى الأولية للأمور المعنوية وإذا كنت تعتبر أن جهاد النفس أكبر من جهاد العدو فقد أصبت وأحسنت. ولكن، هل يمكن الوصول إلى الباطن من غير سلوك طريق الظاهر؟
وهل يمكن أن يوفق الإنسان في ساحة جهاد النفس إذا لم يكن داخلاً في ساحة جهاد أعداء اللَّه؟

إن الوصول إلى مقام التجليات الصفاتية والأسمائية أمر مطلوب البتة. وأن هذا المقام، بل جميع المقامات المعنوية موجودة في حقيقة الصلاة، ولكن هل يمكن للسالك أن يصل إليها دون رعاية ظاهر الصلاة وأحكامها؟ فإن قال قائل بإمكانية ذلك، فقد ضل وغوى، وعن حقيقة الإسلام ابتعد ونأى.

أن الالتزام بأوامر اللَّه يعني بالدرجة الأولى أن نعرف أوامره. ولا يمكن معرفة هذه الأوامر بمجرد أن نسمعها من احد يدّعي علماً. بل علينا أن نتعرف على القناة الصافية التي تنقلها إلينا.

والأمر الآخر هو شمول أوامر اللَّه لكل أبعاد وجودنا طولاً وعرضاً. وأن مقتضى العبودية أن لا يكون من شؤوننا أي شيء إلا وهو خاضع لله سبحانه.

ففي البعد الوطني كالجهاد والأمن والإدارة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، "ما من شيء إلا ولله فيه حكم حتى الارش في الخدش"، كما ورد عن صادق أهل البيت عليهم السلام.
وفي البعد الطولي للإنسان كالخيال والعقل والقلب والسر وغيرها من مراتب وجوده الحقيقي، يجب أن تكون جميعها خاضعة لله ومنقادة لإرادته.
وأن اللَّه جلّت عظمته قد عين لكل منها أحكاماً يجب رعايتها.

ونشير هنا إلى مسألة وهي أن بعض المسلمين لا يعتقدون بوجود أحكام سياسية أو اقتصادية أو إدارية في الإسلام، فإذا كان قصدهم أنهم لا يعرفونها نقول لهم يجب عليكم أن تتعلمون لتحكموا. أما إذا كان قصدهم هو أن الإنسان مخير في هذه الأمور يفعل ما يشاء فقد خالفوا مفهوم حقيقة العبودية. لأن ما ترك للإنسان ضمن دائرة الفراغ من الأمور المباحة لا يُعلم إلا بعد معرفة الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات في الجانب المذكور.

وإذا وضعنا جميع شؤون الإنسان في إطار، فإن ما ترك من مباحات لا يعلم إلا بعد تحديد جميع الواجبات والمحرمات والمكروهات والمستحبات .والمسألة الأخرى تتعلق بأحكام البعد الطولي للإنسان. كأحكام الخيال أو العقل. فإن الكثيرين لا يعتقدون بوجود أحكام شرعية في مقام الباطن وذلك قد يعود لعدة أسباب:
منه
: عدم فهم حقيقة العبودية وعلى هذا الأساس يتصورون أن الإنسان يمكن أن يكون عبداً لله في مقام الظاهر فقط.

ومنها: الجمود على الأحكام الظاهرية وقشرها رغم أنها الطريق الوحيد للوصول إلى الباطن.

ومنها: تقصير البعض في بيان الأبعاد الباطنية للأحكام الظاهرية، بحيث أوهم ذلك الانفصام بين المقامين، وتصور أن للظاهر أحكاماً وللباطن أحكاماً.

ومنها: التخصص والتفريغ، فالأسباب كثيرة نشأ عبر العصور السالفة تنوع في المرجعيات. فوجدت المرجعية لإحكام الظاهر، ووجدت مرجعية في الأخلاق ومرجعية في السير والسلوك، وانتقلت هذه المسألة إلى يومنا هذا رغم وجود مرجعية شاملة لجميع الأبعاد. وهكذا نجد بعض الملتزمين يلتزمون بولاية فقيه من جهة، ويتبعون شيخاً في السير والسلوك من جهة أخرى وذلك من جهة توهم الفصل بين الأمرين.
ومن مجموع هذه الأسباب وغيرها أصبحت الأحكام الباطنية عند البعض أمراً تابعاً لتجارب الشيوخ العظام وأصحاب المقامات.

فمنهم من يرى في الأحكام الباطنية شيئاً من الاستحباب على أحسن التقادير. ومنهم من يرجع إلى بعض الشيوخ والأساتذة لأخذ البرامج والأذكار، وسوف يمر وقت حتى يتضح لهؤلاء أن هذه الشريعة التي تدخلت في أدق تفاصيل الحياة المادية لا يعقل أن تهمل الجوانب المعنوية والقلبية في الإنسان والتي تعد من أولى الشؤون وأخطرها. وعندها يعلمون أن المرشد الحقيقي ليس إلا الولي الفقيه الذي يقود الأمة الإسلامية باتجاه صاحب الطلعة الغراء عجل اللَّه فرجه.

أما بالنسبة للجناح الثاني وهو جناح التسليم بعد الطاعة فسوف يأتي الحديث عنه في لقاءنا المقبل أن شاء اللَّه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع