صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مشكاة الوحي: الضالون والمضلون


لقد وردت مادة "ضل" كثيراً في القرآن الكريم، فمنها ما دلّ على الضلالة، ومنها ما دلّ على الضالين، ومنها ما دلّ على المضلين الساعين في الأرض فساداً.
وفي كل هذه التعابير الاستعمالات أهمية وفائدة جمة تتلخص في توضيح هذه المفاهيم، وتعريف الناس معنى الضلالة والضلال والإضلال، وذلك حتى يجتنبوا عنها، ويعملوا بخلافها، وليسلكوا ضدها، من الاستقامة ولإثبات على اخط الإلهي في مسيرهم، وليحققوا بذلك رضا الله سبحانه، والسعادة والكمال المنشودين من قبل الإنسان.


1: من هم الضالون؟

للضلالة وجهان: وجة نظري يتمثل بالكفر العقائدي بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ووجه عملي يتمثل بالكفر العملي والعصيان لله تعالى ولرسوله، ولما جاء من تعاليم إلهية تخرج الناس من الظلمات إلى النور.

وقد أشار الله سبحانه إلى كل من هذين الوجهين بالآيتين التاليتين:
أ- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا  (النساء/136).
وهذه دلت على الوجه النظري للضلالة.

ب-﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (الأحزاب/36).
وهناك آية أخرى تجمع بين وجهي الضلالة هي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (النساء/167).

2: المضلّون:

والمضلون في الأرض كثيرون، كلهم يسعون بكل قواهم، وبكل مكر وخداع، لإضلال عباد الله عن جادّة الحق وعن الصراط السوي، ليكونوا وإياهم سواءً في الضلالة، وما ذلك إلا حسداً من عند أنفسهم، ولإبلاء غيرهم بما بلوا به أنفسهم. ومن هؤلاء:

أ- الشيطان الرجيم: عدوّ الإنسانية الأول الذي توعد وأقسم بعزة الله تعالى بإغواء العباد وإضلالهم حيث قال:  ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  (ص/82). وقال الله محذراً منه:   ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (النساء/60).

ب- المجرمون وشياطين الإنس: الذين يسولون للناس ولقرنائهم السيئات ويزينون لهم المعاصي. قال تعالى: ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (الشعراء/99). وقال تعالى مصوراً موقف الظالم الذي ظلم نفسه باتباع قرناء السوء يوم القيامة ويوم ظهور الحقائق (ويا لها من صورة!): ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (الفرقان/27- 29).

ج- فرعون: الذي استضعف قومه وأضلهم، وصوّر لهم نفسه على أنه إله. قال تعالى:  ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (طه/79).

د- السامري: الذي عبّد بني إسرائيل العجل أنم فارقهم موسى عليه السلام لميقات ربه. قال تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ   (طه/85).

هـ قوم نوح: الذين قال الله عنهم:  ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (نوح/24).

و- السادة والكبراء: الذين يؤثرون بجاههم وأموالهم على عقول وأفكار الناس. قال تعالى حاكياً عن حجة الكفار يوم القيامة، (وما أقبحها من حجة!):  ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (الأحزاب/67).

3: أسباب الضلال:

لا شك أن للضلالة أسباباً كثيرة، يضيق المجال لذكرها في هذه العجالة، إلا أننا نقتصر على ذكر بعضها علّنا نحقق فائدة عملية في هذا السبيل، ومن هذه الأسباب:

أ- اتباع الهوى:
دون العقل، ودون تعاليم الله تعالى التي تؤدي بالإنسانية إلى شاطئ الأمان، هذا الهوى الذي تواترت الأحاديث في التحذير منه ومن عاقبته الوخيمة، ألا وهي الهلاك والردى. قال تعالى في هذا الشأن:  ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (ص/26).

ب- تولي الشيطان: حيث اليقين من الضلالة والردى والسقوط في مهاوي الهلكة، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (الحج/4).

ج- إطاعة أكثر من في الأرض: وذلك إن أكثر الناس عادة يميلون مع كل ريح، ولا يحكّمون عقولهم في معظم الأمور، بل يندفعون وراء شهواتهم وغرائزهم وعواطفهم، التي إذا ما تركوا العنان لها، فإنها تؤدي بهم إلى الهلاك والضلال. قال تعالى:  ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ  (الأنعام/116).

4: جزاء الضالين:

ولا يخفى على ذي لب ما أعده الله للضالين والظالمين الذين ظلموا أنفسهم باتباعهم غير طريق الله. وقد تواترت الآيات الحاكية عن جزائهم ومصيرهم، فقال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ،  لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ . فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونََ   (الواقعة/51- 53)، وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ،  وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ، و وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ  (الواقعة/ 92- 94).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع