لآية الله جوادي الآملي
هذا الكتاب هو عبارة عن سلسلة دروس ومحاضرات أخلاقية قيمة تناولت الأخلاق التي ينبغي أن يتحلّى بها العاملون في الحكومة الإسلامية، ابتدأت في المراحل الأولى بالكلام عن وجوب تقوية الرابط بين العبد وربه، والشعور بمحضر الله تعالى وإحاطته بكلّ شيء، ليتجنّب العبد ارتكاب المعاصي، ويبتعد عن اقتراف الموبقات، وليصبح محباً لله ومحبوباً من قبله، وليصل بعد ذلك إلى لقائه فيحقّق ما كان يبتغيه من سعادة وكمال، واستعرضت في المراحل التالية، الأخلاق التي يجب توفرها في العاملين، من التخصّص، والأمانة، ورعاية الفقراء والمحرومين، وإنقاذهم من الفقر والحرمان.. الخ.
كتاب في غاية الأهمية، يشتمل على حقائق هامّة، ولطائف قرآنية ظريفة، واقع في 136 صفحة من القطع الكبير، ترجمه السيد عباس نور الدين، وصدر عن دار العروة الوثقى – بيروت.
ابتدأ المؤلف الكلام في هذا الكتاب عن المراقبة والمحاسبة.
وتحت عنوان "المراقبة والمحاسبة طريق الوصول إلى مقام عند الله" رأى المؤلف أنّ الوصول إلى مقام الإنسانية الشامخ يتمثّل برؤية الإنسان نفسه دائماً في محضر الله. وهذا لا يتحقّق إلاّ باتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الخلق العظيم، الذي جعله الله أسوة حسنة للبشر، وقال فيه: "وإنّك لعلى خلق عظيم". فمن اتخذه أسوةً أصبح عظيماً، ومن أحبّه واتبعه أحبه الله: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
كما بيّن معنى الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يتمثّل بإحياء أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم في نفوسنا، واحدة بعد أخرى، وهذا أيضاً لا يتحصل إلاّ بمشاهدة أنفسنا في محضر الرب العليم الخبير.
وإذا ما كان هذا هو حال المرء، عليه أن يقوم بوظيفة المراقبة والمحاسبة فيكون رقيباً على نفسه وأعماله وحركاته وتصرفاته، ويشعر أنّه تحت مراقبته فيكون رقيباً على نفسه وأعماله وحسيباً على نفسه فيحاسبها في كلّ صغيرة وكبيرة، وإلاّ كان محط غضب الله سبحانه ونسيانه ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بعد ذلك انتقل المؤلف وتحت عنوان: لا طريق للخوف في ساحة ولي الله، إلى التأكيد على أهم مراحل الوصول إلى الله تعالى، والتي كان قد أشار إليها في العنوان السابق، ألا وهي رؤية الله حاضراً في جميع شؤون الحياة، حتّى يتمكّن الإنسان بهذا الشهود من السفر إليه، وذلك أنّه لن يصل إلى هذا المقام إلاّ بذلك.
بعد ذلك عمد إلى بيان الأمان والراحة التي يتحلّى بها أولياء الله سبحانه عبر معالجته للآية الكريمة: ﴿ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾. وذلك أنّهم في مقام "عند الله" وفي هذا المقام لا خوف ولا غم، إذ أنّ الخوف والحزن يرتبطان بالأشياء الزائلة، فيما لو تعلّق قلب المرء بها.
وفي هذه الآية إشارة ودعوة للمرء إلى ترك التعلق بالزائل، والارتباط والتعلق بالباقي وبالحي الذي لا يموت.
وإذا ما وصل الإنسان إلى هذا المقام، فإنّه يكون في حرم الله الآمن حيث لا غم ولا هم ولا خوف ولا حزن.
في هذه الآونة انتقل المؤلف إلى ذكر المانع الأهم من ارتكاب المعاصي ألا وهو معرفة الإنسان باطلاع الله سبحانه على جميع أعماله ونظره إليها جميعها، وأنّه لا حجاب يفصله عن الله تعالى.
وإذا ما كان الحال هو هذا، امتنع الإنسان عن الغفلة والاستغراق بها "التي يستشعرها من يعتبر الله غائبا" والتي تؤدي إلى تهاونه واستخفافه في فعل الواجبات والطاعات وترك المعاصي والمحرمات.
هذا وقد ذكر المؤلف الآيات المبينة لقرب الله سبحانه من الإنسان وعدم احتجابه عنه، ليجعل كلّ آية من هذه الآيات في قسم معين.
ففي القسم الأول يبين الله سبحانه قربه من الإنسان فيقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
وفي القسم الثاني يبين أنّه أقرب للمرء عند احتضاره من أقربائه الذين يلتفّون حوله فيقول في سورة الواقعة ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾.
اما في القسم الثالث فيبين قربه من الإنسان بحيث يكون أقرب إليه من حبل الوريد، الذي فيه حياة وموت الإنسان. ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
وأخيراً يبين قربه من المرء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه فيقول: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه.
"فالله سبحانه هو الفاصل بيننا وبين حقيقتنا، فما يجول في خاطرنا هو في إطار قدرة الله ويمكنه تغييره، فينفي المثبت ويثبت المنفي".
"وإذا ما حلّت المرحلة الرابعة لنا بشكل صحيح، حيث أنّ لله وجود في حقيقتنا، فلا يغفل ولا يغيب عنا أبداً، عندها تأتي مرحلة إزالة هذه الحجب، وتقريب أنفسنا من الله شيئاً فشيئاً، وذلك بالسير إليه سبحانه والعمل على طي الطريق الموصل إليه تعالى بالاستعانة بالإرادة والخلوص اللذين يضمنان للإنسان طريق الوصول، حيث أنّه ليس من بخل في جانب الله تعالى ليمنع المرء المتحلي بهاتين الصفتين من الوصول إليه، وقد فتح سبحانه الطريق أمام خلقه ليصلوا إليه وسهل لهم السبل لذلك.
وعلى الإنسان أن يربي نفسه في هذا المجال لتصبح نفساً ملائكية، وإلاّ "صار جيفة بين أهله" على حدّ تعبير أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
كما أنّ عليه الاتكال على الله سبحانه والاستعانة به للوصول إلى هذا الهدف المقدس، لأنّه ما من أحد يملك شيئاً بالاستقلال، وله القدرة على فعل ما يريد، واليد الطولى في كلّ شيء سوى الله سبحانه، فلا هو ولا مقامه ولا منصبه ولا الأهل والأقوام والعشيرة بمالكين لشيء في نظام الخلقة.
ومن هنا تحتم عيه الاستعانة به سبحانه في طي هذا الطريق، حتى لا يحول بينه وبين ذلك شيء.
وبالانتقال إلى الكلام عن زينة الدنيا وعدم الانخداع بها توقف آية الله الآملي عند أربعة مراحل على الإنسان أن يقطعها عند إدراكه أنّه في محضر الله تعالى.
الأولى: مراقبة أعماله والانتباه لتصرفاته.
الثانية: محاسبة نفسه ومقارنة العصيان مع الطاعة لمعالجة الأمر بتدارك ما فات، إذا رجحت كفّة سيئاته على حسناته، وبمقارنة طاعاته بنعم الله فيما إذا رجحت كفّة الحسنات على السيئات.
الثالثة: الشعور بالتقصير.
الرابعة: إظهار العجز والضعف في جنب الله، والتحقّق بالعبودية لله تعالى.
وعن الأمور التي تقف حائلاً دون طي الإنسان هذا الطريق، رأى المؤلف أنّها تتمثّل في أمرين:
1- المسائل الاعتقادية: وذلك في حالة الجهل بها. فمن عرف أنّ الله قادر على كلّ شيء، ولا شيء في الوجود، بخارج عن إرادته، امتنع عن ارتكاب كل ما هو مخلف للأوامر الإلهية.
2- المسائل العاطفية: وهذه تحل عبر حلّ المشاكل العقائدية لدى المرء حيث لا يعود شيء من المسائل العاطفية ومن المشاعر والملذات والشهوات، يؤثر على قلب المرء، ويحول بينه وبين الوصول إلى هدفه المنشود.
بعد ذلك عرج المؤلف إلى ذكر لطيفة قرآنية مهمة، مفادها أنّ جمال الطبيعة زينة للأرض وللسماء وليس للإنسان، فكما أنّ للأرض زينة ﴿إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها﴾، كذلك للسماء زينة ﴿إنّا زيّنا السماء الدنيا بمصابيح﴾.
فالبيوت الجميلة، والأثاث الجميل، والحدائق الغنّاء، والأشجار الملتفة زينة للأرض لا للإنسان. والويل لمن يبيع نفسه بزينة الأرض وبالجماد، ويزين نفسه ببيت أو ببستان.
أمّا عن زينة الإنسان فقد بيّنها الله في كتابه الكريم أيما بيان فقال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
فالإيمان إذاً هو زينة الإنسان، والاعتقاد بالمبدأ والمعاد والوحي والنبوة هو الزينة لروحه، لا الرداء ولا التاج ولا العباءة ولا الحذاء ولا الشمس ولا القمر ولا الشجر ولا العشب.
وعلى الإنسان أن لا يبيع نفسه مقابل شيء من هذا الحطام. وذلك أنّ نفسه غالية جداً، وينبغي أن لا يرضى إلاّ الجنّة ثمناً لها.
يقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: "ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها إلاّ بها".
وتحت عنوان أهل التقوى من الهجرة إلى الإمامة، عالج المؤلّف مسألة الهجرة التي يمارسها أهل التقوى حيث يهجرون كل سوء ودناءة ويتركون الدنيا ببهارجها وزخارفها ويتجهون إلى الحق تعالى، ممتثلين لأوامره ﴿والرجز فاهجر﴾، وهذه هي وظيفتهم في المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية يكون تكليفهم بالإسراع في هذه الهجرة لئلا يعترضهم قطاع الطرق ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم". أمّا في المرحلة الثالثة فإنّ وظيفتهم هي سبق الآخرين في هذا السباق والتقدم عليهم والتصدر في الفضائل ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ بحيث يصبح المهاجر إماماً للمتقين ﴿واجعلنا للمتقين إماماً﴾ ومن مهماته هداية الناس وإرشادهم إلى طريق الله تعالى.
فعلى الإنسان السائر إلى الله تعالى أن يقطع هذه المراحل ليصل إلى مقام "عند الله"، وعليه الاجتناب قدر الإمكان والاحتراس من أن يصبح إماماً لأهل النار ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ﴾.
بعد ذلك عرّج المؤلف للكلام عن مراحل كلّ من الدنيا والآخرة، فرأى أن للدنيا خمس مراحل تختص كلّ مرحلة منها بنوع من اللعب، وذلك بعد أن عرض للآية الكريمة ﴿واعلموا أنّ الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد﴾.
وهذه المراحل هي التالي:
1-الطفولة: وهي مختصة باللعب.
2-المراهقة: وهي مختصة باللهو.
3-الشباب: وهي مختصة بالتجمل والزينة.
4-الكهولة: وهي مختصة بالمقام والمنصب والجاه والرئاسة.
5- الشيخوخة: وهي مختصة بالتكاثر في الأموال والأولاد.
وقد بيّن المؤلف أنّ هناك قطّاعاً لطرق العباد يقطعون عليهم طريق الوصول إلى الله في كلّ مرحلة من هذه المراحل. وعلى الإنسان أن يتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر لئلا يقع في شباكهم وشراكهم.
كما بين أن مرحلة الشباب وما بعدها، أفضل مراحل الحياة للوصول إلى الكمال، وعلى الإنسان أن يغتنمها كيفما يصل إليه.
أما عن مراحل الآخرة فاعتبرها آية الله الآملي ثلاثة، وقد حدّدها بما جاء في الآية الكريمة: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾.
"فجهنّم للعصاة الذين أضاعوا عمرهم الثمين دون فائدة، والجنة للذين لم يقعوا فيما وقع فيه المجرمون، وقد ساروا في صراط الله المستقيم".
ويوجد مقام أعلى من هذا المقام وهو مقام لقاء الله الذي يسلك إليه الأحرار.
بعدها انتقل إلى الكلام عن عاملين من عوامل السقوط هما: اتباع الشهوات والجهل الاعتقادي. قدّم لهما بالكلام عن مقام "عند الله" الذي هو أرفع المقامات، وأشار إلى درجات المؤمنين، حيث أنّ بعضهم يعمل للوصول إلى ﴿وما عند الله خير وأبقى" وبعضهم الآخر – وهم أرقى درجة منهم – يعمل للوصول إلى "والله خير وأبقى". حيث يكون هدفهم لقاء الله سبحانه لا جنّاته ولا نعيمه.
وعند معالجته لعاملي السقوط "الجهل الاعتقادي واتباع الشهوات" رأى أن الأول منهما يرفع بالرؤية التوحيدية، وذلك برؤية الإنسان لربه حاضراً عنده وناظراً إليه ومحيطاً بكلّ أفعاله وأعماله. وعندها لن يجرؤ على ارتكاب معصية أبداً.
أما العامل الثاني فيرفع بالتفات المرء إلى عواقبه السيئة.
هذا وقد عالج المؤلف شرطين من شروط صلاح العاملين هما: التخصّص والأمانة حيث ينبغي أن يتوفرا في العامل سواء كان مديراً يدير أكبر الشركات أو كان راعياً يرعى الأغنام.
وقد شدّدت التعاليم الإسلامية على تسليم العمل إلى من له معرفة بالمعايير العلمية بشكل جيد، ويكون قادراً على حفظ وحراسة حقوق الناس. وقد ذكر هذان الشرطان مراراً في القرآن الكريم: ﴿إنّي عليه لقوى أمين﴾. ﴿إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾.
﴿اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم﴾.
بعد ذلك عرض المؤلف نماذج من السير العملية لعظماء وصلبوا إلى ذروة القوة ومع ذلك كانوا يعترفون بالعجز أمام خالقهم ويقولون: ﴿هذا من فضل ربي﴾ و ﴿هذا رحمة من ربّي﴾.
وتحت عنوان: شهود قدرة الله سر الانتصار والنجاح في كلّ المجالات، رأى المؤلف أنّ الاعتقاد بأنّ الله سبحانه صاحب القدرة المطلقة وأنّه لا قدرة لغيره في الوجود، يجعل الإنسان يعتمد عليه ويثق به، كما يجعله مستمداً من قوة الله وقدرته، بحيث لا يخاف من ضعفه ولا من قدرة العدو مهما كبرت وقويت.
نعم، فهكذا إنسان يجبر ضعفه بقوة الله ويسقط قدرة العدو الوهمية بالاعتماد على الله سبحانه والثقة به.
وقد ذكر المؤلف نماذج تاريخية لهذا الأمر، من قبيل قصة نبي الله نوح الذي استهزأ به قومه وسخروا منه لصناعته الفلك في الصحراء. ولكنّه استمدّ من الله القوة والعون، واعتمد عليه فجبر ضعفه بقوة الله وكسر قوة الأعداء والكافرين بقوته سبحانه.
بعدها عرض المؤلف لفريضة الصلاة وأهميتها في التعاليم الإسلامية، وتقدمها على سائر الفرائض الأخرى، بحيث أصبحت عمدة لها. وبين مواصفات المصلين كما عرضها القرآن الكريم. فهم الخاشعون في صلاتهم الذين لا يلتفتون إلى شيء غير الصلاة، وهم المعرضون عن اللغو، وهم المؤدون للزكاة، وهم الحافظون لفروجهم، وأهم من هذه كلها فهم الحافظون للأمانات والعهود والمؤدون لها على أكمل وجه.
نعم "فالمصلّي يراعي حرمة الأمانة وقداسة الميثاق والعهد. وخيانة الأمانة وحنث العهد من المنكرات التي لا تتلاءم مع روح الصلاة الواقعية، بل تضيّع ذلك من الإنسان".
"ولعلّه من هذه الجهة جعلت الصلاة عمود الدين، وكان تطبيق الأحكام والتعاليم الدينية في ظلها "إن قبلت قُبِل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها". فالصلاة لا تمنع من ارتكاب الرذائل الأخلاقية الفردية فيحسب، بل تقف بوجه جميع المفاسد الاجتماعية وغيرها".
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما الصلاة فيكم كمثل السرّي "وهو النهر" على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة يغتسل فيه خمس مرات، فلم يبقَ الدرن مع الغسل خمس مرات ولم تبقَ الذنوب مع الصلاة خمس مرات".
ومن هنا لا يمكن للمصلي أن يبتلي بحنث العهد أو بذنب الخيانة لأنّه يغتسل في اليوم والليلة خمس مرات بحيث لا يبقي مجالاً لتجمع الكدورات وغبار المعاصي.
وقد "ذكر القرآن الكريم والمعصومون عليهم السلام صفات وخصائص للصلاة التي هي دستور جامع وشامل ودائم، بحيث يتبيّن منها أنّ المجتمع المصلّي لا يمكن أن يتلوّث بالمعاصي، والمصلين لا يمكن أن يغفلوا عن مسؤولياتهم الإدارية".
بعد ذلك عمد المؤلف إلى تفصيل الكلام في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾.
فرأى أن رعاية العدالة في الأمانة يتمثل برعاية جميع شؤون المسؤوليات الإدارية وأشباهها.
وإنّ عدم رعاية الأمانة خيانة لله سبحانه، تماماً كما أنّ عدم التكاليف العبادية خيانة له سبحانه.
وقد بلغ من أهمية الأمانة أنّ القرآن ذكرها في أكثر من مورد وأمر بها. وفي موارد أخرى نهى عن خيانتها لأنّها تعدّ خيانة لروح الإنسان ﴿إنّ الله لا يحبّ من كان خوّاناً أثيماً﴾.
وأشار المؤلف في هذا المجال إلى أهمية رعاية الأمانة وحفظ حقوق الأفراد جميعهم خصوصاً من قِبل المسؤولين في النظام الإسلامي.
أما عن دور العقل في استمرار النظام، فقد رأى آية الله الآملي أنّه لا قيام ولا استمرار للنظام إلاّ بالعقل، وبأعمال العقل في كلّ صغيرة وكبيرة من أمور النظام، كما رأى وجوب توفره "أي العقل" في مسؤولي البلاد والعاملين فيها، وإلاّ كان النظام معرضاً للزوال.
فالبرامج والقوانين والتخطيطات وتنفيذ البرامج وإدارة المناصب كلّ ذلك ينبغي أن يوضع وينفذ من قِبل أناس عاقلين حتى يكتب لها الاستمرارية والنجاح والعاقل هو الذي يضع الأمور في مواضعها والجاهل بعكسه.
وقد سئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أن يصف العاقل فقال: "هو الذي يضع الشيء موضعه"، فقيل: فصف لنا الجاهل، فقال: "قد فعلت".
هنا وجّه المؤلف تنبيهات هامة إلى العاملين في النظام الإسلامي، فشدّد على مراعاة خدمة الناس والأمانة في أداء العمل، وعدم أخذ الرشوة حتّى ولو كانت بعنوان الهدية، وعدم الإسراف والتبذير في أموال العمل، وذلك حتّى تستقيم قلوبهم فيلقون الله سبحانه بأيادٍ نقية من دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى الكلام عن ضرورة مراعاة النظام من جانب المسؤولين والإداريين وذلك أن التقيد به من آثار العقل والتعقل، وبمراعاة النظام يتحقّق الثبات للحكم.
وقد ذكر في هذا المجال مجموعة من التعاليم الإسلامية تدعو إلى التمسّك به ومراعاته بشكل كبير، منها ما كان عاماً لجميع الناس، ومنها ما كان مختصاً بأفراد معينين.
وفي نهاية هذا الكتاب، عرض المؤلف للكلام عن رعاية أحوال المحرومين والمؤمنين الضعفاء، فاعتبرها وظيفة أساسية على العاملين والمسؤولين في الحكومة الإسلامية أداؤها حتّى تصير أمّتهم أمّة مقدّسة كما جاء عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: "لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوى غير متعتع".
ورعايتهم لا تكون بتأمين حياتهم وسدّ احتياجاتهم المالية فحسب، بل تكون أيضاً بالمحافظة على حقوقهم واسترجاع حقوقهم المهدورة، فيما إذا تعرضت أموالهم أو ضياعهم للغصب.
ومن هنا "فإنّ مسؤولية العاملين في الحكومة الإسلامية فيما يتعلّق بتأمين حاجات المحرومين تقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى استرداد الحقوق المهدورة، والثانية تأمين احتياجاتهم من بيت المال، وهذه المرحلة الثانية بدورها هي أخذ حق الضعيف من القوي. فكما أنّ رفع الفقر والحرمان ضروري، فإنّ دفعه ومواجهته لازمة أيضاً" وهذا يكون عن طريق تنمية الاقتصاد، واتباع طريقة اقتصادية تؤدي إلى إزالة الحرمان والقضاء على الفقر.
وعليه، "يجب الالتفات إلى عوامل الحرمان وإزالتها. ولا يكفي مساعدة الفقير ومواساته ورفع احتياجاته، بل ينبغي إزالة الفقر والقضاء عليه في المجتمع الإسلامي وإجراء الخطط الاقتصادية التي تؤدي إلى القوة الإقتصادية، وترفع أثقال الفقر والاحتياج عن الطبقة المحرومة".
ولا بدّ في هذا المجال من الاعتماد على يد القدرة الغيبية، والتوكل على الله العزيز ليأخذ بأيدينا ويمدّنا بأسباب النجاح، والحمد لله رب العالمين.