تحقيق: بتول زين الدين
في تحضيره لإلقاء خطاب أمام فتيات بلغن سنّ التكليف، ابتسم أمين عام حزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) هامساً في أذن من يجلس جانبه: "إنني أستعد لأصعب خطاب ألقيه حتى اليوم". فهل التعبير للأطفال يتطلّب مجهوداً إضافياً إلى هذا الحد؟ وكيف يساهم الأسلوب القصصي في تشكيل شخصيّة الأطفال وصقلها؟
*الانتقاء فالحذر
تجد منال (30 عاماً) صعوبة في اختيار قصص هادفة باللغة العربية تستحوذ على اهتمام طفلها وتصرفه عن الآيباد، "ابني لا يحبّ الكتب والورق" تقول آسفة.
أما يحيى (32 عاماً، موظف) فيبحث عن قصصٍ تتناسب مع المرحلة العمريّة لطفله ويتمكّن من خلالها من إيصال ما يصبو إليه من ملاحظات تربوية بيسر، ويجد في سرير طفله ملاذاً يعمد من خلاله إلى إسقاط صفات معينة على طفل آخر في قصة شيّقة توضح لحميد (7 أعوام) نتائج عناده: "ابني حميد يتفاعل بحماسة مع القصص التي أقصها عليه قبل النوم" يقول جازماً.
ويعبّر رضا بدوره (47 عاماً، تاجر) عن انزعاجه من مضامين بعض القصص التي تنمي عند الطفل الجانب العاطفي بطريقة سلبية، تارة بالعنف وإثارة الخيال المحفّز للتطبيق وأخرى بـ "اللطف" السابق على أوانه في تعاطيه مع الجنس الآخر (كلمات وتصرفات لا تتناسب والطفولة).
للوقوف على شروط الكتابة للأطفال وأهميّتها والعناصر والمعايير الأساسيّة لها، قابلنا المتخصصة في المجال التربوّي والكاتبة للأطفال د. أميمة علّيق، ومدير مركز نون للتأليف والترجمة فضيلة الشيخ حسن الهادي.
*تجارب ناجحة
وللإضاءة على التجارب الناجحة في مجال الكتابة للطفل، التقينا مدير مركز نون للتأليف والترجمة فضيلة الشيخ حسن الهادي والذي أطلعنا على حيثيات التخطيط والتنفيذ لسلسة "ريحانة الثقافية" التي أعدّها مركز نون للتأليف والترجمة، ونشرتها جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
بيّن لنا الشيخ الهادي أنّ من أهم الأهداف العامة للبرنامج المساهمة في تعزيز علاقة الفتيات بالله تعالى والقرآن وأهل البيت عليهم السلام، إلى جانب المساهمة في غرس القيم الأخلاقية والسلوكية وتطوير قدراته وإمكاناته الفطريّة روحيّاً وعقليّاً واجتماعياً ونفسيّاً وجسديّاً، إضافة إلى المساهمة في التعريف بقيم المقاومة ومنزلة الشهادة، ناهيك عن تحصينهن وحمايتهن من الأخطار التربويّة والاجتماعية.
سلسة الرياحين تراعي مختلف المرحل العمرية والمعايير القصصية والتربويّة والدينيّة، وهي موجّهة للفتيات تحديداً من عمر 8 إلى 18 سنة، وهي تتضمن ثلاث حلقات يبيّنها الشيخ الهادي لنا على الشكل التالي:
1 - أولى من عمر 8-11 سنة، خصص لها إصدار "براعم النور".
2 - ثانية من عمر 11-14 سنة وهي التي خصص لها إصدار "سباق الحياة".
3 - ثالثة من عمر 14-17 سنة، والتي أفردت لها دورات وبرامج منها ثقافية وأخرى تتعلق بالتحضر لفترة الخطوبة والزواج.
وكل حلقة ثلاثة مستويات، يوضح مدير مركز نون لافتاً إلى أن سلسلة "براعم النور" صدر منها الحلقة الأولى لثلاثة مستويات:
- المستوى الأول: للمرحلة العمرية من 8-9 سنوات:
ويتضمن أربعة محاور:
1 - "الله ربي" ويتضمن أنشطة تعرف الطفلة إلى أصول الدين وفروعه، ماذا يحب الله وماذا لا يحب.
2 - محور "أنا الإنسان" وفيه أنشطة تعرف الطفلة بنفسها، وتعلّمها كيفية بناء شخصيتها.
3 - محور "أنا وعائلتي" له بعد تربوي.
4 - والمحور الأخير "أنا وعالمي".
- المستوى الثاني: للمرحلة العمرية 9-10 سنوات:
ويتضمن أيضاً المحاور الأربعة سالفة الذكر لكنه يضيف إليها العائلة والأصدقاء، ويتناولها بعناوين مختلفة:
ويبقى المحور الأخير للرفق بالحيوانات وأنشطة أخرى منها صح أو خطأ.
*المستوى الثالث: للمرحلة العمرية 10-11 سنوات:
في هذه المرحلة تتعرّف الفتاة:
1 - في المحور الأول: إلى أصول الدين.
2 - في المحور الثاني: إلى سرّ التفاضل بين الناس "أكرمكم أتقاكم".
3 - في المحور الثالث: إلى سرّ السعادة في العائلة، كيفية مساعدة الأهل، آثار برّ الوالدين.
- ويبقى المحور الأخير إلى الأعمال التي تلوّث البيئة وسبل الحدّ منها، وآثار هذا التلوث على الإنسان والمخلوقات الأخرى.
يُذكر أن كل نسخة مزوّدة بدليل للمدرّس وبأقراص مدمجة (C.D) وبدفتر أنشطة.
ويشرف على إعداد هذه المجموعة فريق من المخططين والمتخصصين في المجال التربوي، والذين يمتلكون مهارة في الكتابة للأطفال، فضلاً عن خبراء فنيين.
وبالحديث عن أبرز الصعوبات الإعداديّة قال الشيخ الهادي إنها تتمثّل في "تسهيل المجرّد" من خلال اتحاد ثلاثة عناصر: النص، الصورة واللون. ويتابع فضيلة الشيخ: "إن الآفاق المستقبليّة للمشروع هي في إنتاج برامج مميزة على مستوى المضمون والأسلوب والشكل لشرائح الأطفال المختلفة للفتية أيضاً، وإكمال إصدارات سلسلة "سباق الحياة" مع دفاتر أنشطة وتصميم الصلاة بطريقة تفاعلية، وسيتم التوسع بالشريحة المستهدفة لتشمل الجامعيات وليس فقط طالبات المدارس كذلك المتزوجات".
*كما يقرأون يكونون
"تبني القصص جسراً غير مرئي بين الطفل والعالم الذي سيدخله مستقبلاً، وتسعي من خلال العِبر الأخلاقية والأحداث السياسيّة والتجارب الاجتماعيّة التي تحويها إلى أن تجهّز الطفل للحياة المستقبلية".
وإذ تُلفت الدكتورة علّيق إلى أن أبطال القصص يساعدون الطفل على "التماهي بالجميل والقوي والحسن" تشدد على أنّها تساعده على مقارنة حياته بحياة هؤلاء الأبطال والتعرف إلي ما يشبهها وما لا يشبهها فيها"، وبالتالي إلى إيجاد التوازن في حياته.
من جهة أخرى، تساعد القصص الأطفال علي "معرفة الطريقة الأفضل للتعبير عن المشاعر والعواطف والأحاسيس" تضيف الكاتبة، مردفة أنّ "القصص هي من أفضل الوسائل التعليمية لأنها من أقوى الوسائل في نقل المعارف والحقائق".
*خصوصّية في المعنى والمبنى
ولكن، حتى تحقق قصص الأطفال النتائج سالفة الذكر، يفترض بمن يكتب للأطفال أن يأخذ بعين الاعتبار أموراً عدّة، تعدّدها لنا الخبيرة التربويّة:
1 - نشر فكرة "محورية الله" في سبيل تعديل فكرة محوريّة الإنسان المنتشرة الآن في معظم القصص.
2 - ترسيخ وبلورة روح "حب الجمال".
3 - تقوية روح الفضول العلمي والتساؤل عند الطفل.
*تعرّف إليه قبل أن تكتب له
وإذا كان في الكتابة للطفل شروط متعلقة بالمضمون، فلا شكّ أن لها عناصر ومعايير تتعلق بالمبنى والشكل. تطلعنا على ذلك الدكتورة علّيق فتقول: "لا بدّ للكاتب أن يحب الطفل ويعرف ميزاته وقدراته في كل عمر من الأعمار. كما أن عليه الاطلاع على فن كتابة القصص (البداية، الحبكة، النهاية، العقدة، الشخصيات....)، وأن يكون متقناً للغة التي يريد الكتابة بها، وأن يمتلك فن تلفيق القيم والمفاهيم مع الأسلوب الأدبي والقصصي".
*مراعاة المراحل العمريّة
أما نوع القصص الذي يجب تقديمه للأطفال في كل عمر، فتبيّنه الدكتورة علّيق أنه على الشكل التالي:
1 - من عمر 4-5 سنوات: قصص بسيطة تتكلم عن الصح والخطأ وعن الحق والباطل.
2 - من 6-8 سنوات: قصص تدور حول الله وترتبط بالأصول الأخلاقية.
3 - من 9-12 سنة: قصص تدور حول النماذج الإنسانية التي يجب أن يقتدي بها الطفل.
4 - فوق عمر الـ13 سنة: القصص التي تؤكد على تنمية المجتمع الديني - مطالعة النصوص العرفانية والرمزية المتعلقة بالدين.