كان الكلام في الحلقة السابقة حول أحكام الجهاد حيث تمّ تعريفه والكلام عن أهم واجبات المجاهدين في سبيل اللَّه، وعن أحكام الدفاع عن البلاد الإسلامية وأنواع الجهاد في سبيل اللَّه.
أما في هذه الحلقة سوف نبحث عن بعض آداب هذا الباب وعن بعض المسائل الملحقة به كصلاة المجاهدين وعن الشهيد وأحكامه.
* آداب الجهاد
إن الإنسان المسلم يجب أن يتصف بالصفات الحميدة كالإيمان باللَّه والإخلاص والتضحية والشجاعة والوعي والعفة وغيرها من الصفات الفاضلة وتعتبر ساحات الحرب والقتال قاعة الامتحان من أجل اختبار الإنسان نفسه ومعرفة موقعها في عوامل السير والسلوك إلى اللَّه.
بالإضافة إلى أن ساحات الوعي والجهاد هي مدرسة كل المؤمنين المجاهدين ومعشوقة كل متيم باللَّه، وأن المجاهدين ضيوف اللَّه، فعلى الضيف المقاتل - أن يراعي حدود اللَّه عند مواجهة العدو وليست هذه إلا صفة أخلاقية تضاف إلى سجل أعمال كل مجاهد يمارسها وسنذكر من هذه الحدود والآداب بعضها.
أ - عدم قطع الأشجار وإحراق الزرع:
عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تحرقوا النخل... ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعاً"، كانت هذه وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكل سرية يبعثها. بينما نرى أعداء الإنسانية اليهود يقطعون أشجار الزيتون والحمضيات في الجنوب والبقاع الغربي ويحرقون حقول القمح لأنه لا دين ولا أخلاق تردعهم في فعل هذه المنكرات.
ب - النهي عن قطع الماء:
جاء في كتب التاريخ أنه في بعض المعارك يقطع أحد طرفي الحرب الماء عن الطرف الآخر من أجل أضعافه وإلحاق الهزيمة به، وهذه غير جائزة في الشريعة الإسلامية. جاء في كتاب وقعة صفين: حينما استولى معاوية على الماء جيش أمير المؤمنين من الوصول إلى الماء للشرب ولم تفلح المفاوضات في رفع يده عن المشرعة، عندها أغار أمير المؤمنين وأصحابه على جيش معاوية وكشفوهم عن الماء واستولوا عليه ثم أرسل الإمام علي عليه السلام رسالة إلى معاوية كتب فيها: "إنّا لا نكافيك بصنعك. هلم إلى الماء فنحن وأنتم فيه سواء" بينما نرى العدو الإسرائيلي يقطع الماء عن أهلنا الصامدين، ويحرم القرى المتاخمة للشريط الحدودي من الماء بين الفينة والأخرى، كل ذلك من أجل إضعاف الشعب وحرمانه.
ج - عدم جواز قتل المشايخ والنساء والصبيان
إن قتل الشيخ وهو الهرم من الرجال والنساء والصبيان غير جائز لأنه عادة يكونون غير مشاركين في الحرب وقد منع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قتلهم، قال صلى الله عليه وآله وسلم لسرية منطلقة إلى ساحات القتال: "انطلقوا باسم اللَّه وباللَّه، وعلى ملة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صغيراً ولا امرأة".
هذا الحكم هو حكم أولي لكن قد يجوز قتلهم في مواضع منها:
1 - إذا تترّس بهم العدو - جعلهم كالترس - بحيث لا يمكن النصر على العدو إلا بقتلهم عندها يجوز قتلهم لأنه من مصاديق الاضطرار.
2 - إذا كان جيش العدو من النساء كلياً أو جزئياً، بحيث كانت النساء تحارب المسلمين عندها يجوز قتلهن، فالنساء اللواتي يخدمن في جيش الاحتلال الإسرائيلي يجوز قتلهن ولا شبهة في ذلك. جاء في كتاب جواهر الكلام أنه وفي معركة الخندق مرّ رسول اللَّه بامرأة مقتولة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من قتل هذه؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا رسول اللَّه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: لم؟ قال: نازعتني قائم سيفي، فسكت صلى الله عليه وآله وسلم. ويسمى هذا النوع من الاستدلال التقرير لأن النبي سكت ولو كان الفعل محرماً لنهى عنه.
د - النهي عن التمثيل:
التمثيل مأخوذ من المثل، لأن الرجل إذا شنع به جعله ذلك مثلاً، نحو أن تقطع أذنه أو أنفه أو أصابعه أو يقطع بعد موته أو غيرها من الأمور وهذا غير جائز في الشريعة الإسلامية، قال أمير المؤمنين عليه السلام في آخر لحظات حياته الشريفة: "لا تمثلوا بالرجل "عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللَّه" فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
إن الكمائن والعبوات الناسفة التي تنصب للصهاينة من قبل مجاهدي المقاومة ليست من الغدر لأن المقاومين لم يعطوا الأمان للعدو
و - عدم جواز الغدر:
الغدر هو ترك الوفاء ونقض العهد، والغدر في الحرب هو قتل العدو بعد إعطاء الأمان، فلا يجوز الغدر في الحرب ولا في غيرها. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم "يجيء كل غادر بأمام يوم القيامة مائلاً شدقه حتى يدخل النار".
أما الكمائن والعبوات الناسفة التي تنصب للصهاينة من قبل مجاهدي المقاومة الإسلامية ليست من الغدر لأن المقاومين لم يعطوا الأمان وهذا نوع من الدفاع ويلحق بالعدو الكثير من الخسائر كما هو الملاحظ، قال اللَّه تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ والمرصد هو موضع الرصد والترقب.
جاء في تفسير مجمع البيان حول هذه الآية الشريفة: "واقعدوا لهم بكل طريق وبكل مكان تظنون أنهم يمرون فيه ضيقوا المسالك عليهم" "لتتمكنوا من أخذهم" وهذا ما يفعله أبطال المقاومة الإسلامية.
* صلاة المجاهدين
إن الصلاة هي من أرقى مصاديق الجهاد، والسبب الرئيسي في وقوع الحرب بين المسلمين والكفار هو عدم إقامة الصلاة وغيرها من الفرائض الإسلامية، لذلك لا تسقط الصلاة حتى في أصعب الأحوال فتجب على المحتضر والغريق، وكذلك على المجاهد.
أ - أحكام الوضوء والتيمم
إذا تمكن المجاهد من الوضوء يجب عليه ولا يسقط عنه الوضوء، فإذا كان في الخطوط الخلفية أو كان هناك وقف اطلاق نار وجب عليه الوضوء.
أما إذا لم يتمكن من الوضوء لبدء المعركة أو غيرها من الأسباب وجب عليه التيمم إذا استطاع.
أما إذا لم يستطع أن يتيمم لبدء هجوم الأعداء مثلاً وعدم سعة الوقت للتيمم عندها يسقط الأداء عنه ويجب عليه أن يقضي الصلاة لكن يستحب له أداء الصلاة ولو دون طهارة.
ب - أحكام القبلة:
إذا كانت جهة القبلة معلومة عنده يجب التوجه إليها حال الصلاة كما في أيام السلم. أما ذا لم تكن معلومة فهناك صورتان: الأولى أن يصلي إلى الجهات الأربع إذا أمكنه ذلك والصورة الثانية أن يصلي حسب الإمكان فإذا أمكنه صلى إلى ثلاث جهات وإلا اثنتين وإلا واحدة.
ج - أحكام اللباس والحذاء
إذا كان اللباس أو الحذاء طاهرين يجوز أن يصلي فيهما بشكل طبيعي أما إذا كانا متنجسين فإن استطاع التغيير والخلع يجب عليه ذلك وإن لم يستطع يصلي بالثوب والحذاء المتنجس.
د - أفعال الصلاة
إذا استطاع المجاهد أداء أفعال الصلاة كما هي وجب عليه فيجب عليه القيامك في الركوع والسجود وغيرها، أما إذا لم يستطع ولم يمكنه الإتيان بها يصلي بأي وجه كان ولا تسقط الصلاة في أي ظرف من الظروف.
فيمكن أن يأتي بالصلاة ماشياً أو راكضاً، متوجهاً إلى القبلة إن أمكن أو إلى غيرها إن لم يمكن. وربما يسقط الركوع والسجود ويقول بدلاً عن كل ركعة سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر".
لا تسقط الصلاة عن المجاهد بأي حال من الأحوال فيصلي ماشياً أو راكضاً، متوضئاً أو متيمماً، وبالكيفية التي يمكن له ذلك.
* الشهيد
الشهيد اسم من أسماء اللَّه والمراد به من لا يغيب عنه شيء. والشهادة هي الموت الذي يستقبله الشهيد ويطلبه ويختاره بخلاف الآخرين.
والشهيد في التعريف الاصطلاحي هو من يقتل في معركة أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام المعصوم أو الولي الفقيه أو من قتل دفاعاً عن الإسلام "لقد نطق بكلمة الشهيد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأطلقها على قتلى المسلمين يوم الأحزاب "جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد".
وقيل: سمي الشهيد شهيداً لأنه لم يمت، فكأنه شاهد أي حاضر قال اللَّه تعالى، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ "آل عمران/ 169".
* أحكام غسل الشهيد:
إذا استشهد حال اشتغال المعركة يسقط عنه الغسل والكفن في كل الحالات سواءً كان هو في استراحة أو حال قتال أو حين إمداد المجاهدين قال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: "إن لم يكن به "الشهيد" رمق كفن في أثوابه" وعندما استشهد حنظلة بن أبي عامر يوم أحد لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغسله وقال: "رأيت الملائكة بين السماء والأرض تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف من فضة وكان يسمى غسيل الملائكة.
أما بعد نهاية المعركة فهناك صرتان أن يدركه المسلمون حياً وعندها يجب التغسيل والتكفين، أو لا يدركوه حياً عندها يسقط عنه التغسيل والتكفين.
الجريح الذي يستشهد داخل محيط المعركة يسقط عنه التجهيز أما إذا أصيب خارج المحيط ثم استشهد يجب الغسل والتكفين. قال أبو عبد اللَّه عليه الصلاة والسلام: الذي يقتل في سبيل اللَّه يدفن في ثيابه ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد فإنه يغسل ويكفن ويحنط.
المسألة الأخيرة هي إذا شككنا في حال شهيد هل نغسله ونكفنه أم لا ماذا نفعل؟ الجواب هو إذا كان يوجد قرائن لشهادته في المعركة، مثلاً الإصابة التي في جسده تشير إلى قرب المسافة أو كانت جثته في مكان المعركة أو أي قرينة أو دلالة تدل على هذا يسقط عه الغسل والتكفين.
أما إذا لم توجد قرائن على شهادته في المعركة عندها يجب غسله وتكفينه.
اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك فإنها النجاة من عقابك فقد عظمت ذنوبي وقلَّ حيائي وتعلق قلبي بحب الدنيا، اللهم فاشغل قلبي بحبك بحق محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا سقط المجاهد شهيداً في أرض المعركة يسقط عنه الغسل والكفن في جميع الحالات
* شرطة الخميس
لا ريب أن الإسلام بحاجة ضرورية إلى القوات المسلحة المنظمة أشد الاحتياج لأن الطغاة وحكام الكفر يتربصون بالإسلام الدوائر ومع وجود الجيش المنظم عندها تكون الضمانة قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ "الأنفال/ 60".
قال أمير المجاهدين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام في عهده إلى مالك بن الحارث الأشتر النخعي: "فالجنود بإذن اللَّه حصون الرعية، وزين الولاة وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية الأبهم".
انطلاقاً من هذه الأفكار شكل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قوة مسلحة خاصة وهي "شرطة الخميس" فما هي شرطة الخميس؟
الشرطة هم فئة من خيار أعوان الولاة تجند للمحافظة على أمن الرعية وقد شكلوا أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت قيل وسموا بالشرطة لأنهم شرطوا مع الحكومة أن يكونوا مهيّأين للدفاع تجاه العدو.
قال ابن الأثير: يقال لهذا الجيش "الخميس" لأنه كان خمس فرق وهي المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة "مؤخرة الجيش".
وفي حديث للأصبغ بن نباتة وهو قائد معروف من شرطة الخميس في سبب تسمية شرطة الخميس قال: لأنا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح" أي ضمنا لأمير المؤمنين أن نقاتل معه حتى الشهادة وضمن لنا الفوز والفلاح.