إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام.
الإمام علي عليه السلام
لا شك أن من أعظم الفرائض التي افترضها الله سبحانه على العباد الجهاد، فلولاه ما قام للدين عامود، ولا أخضر للإيمان عود. ولذا فإن من يُوفق للجهاد في سبيل الله عارفاً فأحكامه وحدوده مراعياً لآدابه وشروطه فقد دخل الجنة من بابها العريض، وعليه فإن الاطلاع على أحكام هذه الفريضة الإلهية وتعلّم مختلف مسائلها - وخاصة الابتلائية منها - أمر جدير بالاهتمام إن لم نقل بوجوبه. ولهذا الغرض كانت هذه الحلقة.
* تعريف الجهاد
الجهاد من الجهد، وهو بمعنى بذل الوسع والطاقة. فالمجاهد هو الذي يبذل كل ما في وسعه وطاقته في سبيل إعلاء كلمة الحق والتوحيد والدفاع عن الإسلام وإقامة الشعائر الإسلامية.
والجهاد واجب كفائي على كل مكلف من غير ذوي الأعذار، بمعنى أنه يجب على كل مسلم لا يحول بينه وبين الجهاد عذر شرعي - كالعمى والعرج وغير ذلك مما هو موجود في كتب الفقه - عند تعرض الإسلام أو منطقة إسلامية للخطر القيام والدفاع عنها وبذل كل ما في وسعه في سبيل ذلك. فإذا قام بعض المسلمين بهذا الواجب بقدر الكفاية سقط عن البقية.
ويشترط في الجهاد أن يكون خالصاً لله تعالى وطلب القربى لديه. فمن يقاتل لأجل دنيا يصيبها أو سمعة يريدها فعمله مردود ولا يكون زاكياً ومقبولاً عند الله. وإن قتل على هذه النية فهو ليس بشهيد، بل إن حاله حال ذلك الرجل الذي قتل بين يدي رسول الله ولكنه سمّي بقتيل الحمار، لأن الهدف من قتاله كان الحصول على حمار.
وفي الحديث أنه يؤتى برجل يوم القيامة قتل في سبيل الله، فيقول الله تعالى: ماذا صنعت؟ فيقول: أمرتَ بالجهاد فقاتلت في سبيلك حتى قتلت. فيقول الله عز وجل: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال فلان شجاع، ألا فقد قيل ذلك. وهذا هو الخسران المبين لأنه خسر الدنيا والآخرة معاً، أعاذنا الله من ذلك بلطفه ورحمته إنه أرحم الراحمين.
كانت هذه مقدمة سريعة عن الجهاد، أما الآن فلنعد إلى الأحكام الفقهية الجهادية التي تكون عادة محل ابتلاء المجاهدين.
* الدفاع عن المجتمع الإسلامي
إذا وقعت الحكومة الظالمة اتفاقاً أو أقامت علاقة مع دول الاستعمار، وكانت هذه الاتفاقية تعود بالضرر على المجتمع الإسلامي كاتفاقيتي السابع عشر من أيار والثالث عشر من أيلول وغيرهما من معاهدات الاستسلام التي حصلت حينها، يجب مقاومتها وإسقاطها بكافة الطرق والوسائل والإمكانات، سواءً السلبية منها كقطع التعامل، أو الإيجابية كضرب مصالحهم أو قواتهم وغيرها من أنواع المقاومة.
وإذا وقع الغزو على ثغر من ثغور المسلمين يجب عندها الدفاع على كل المسلمين بكل وسيلة ممكنة، ولا يشترط إذن الإمام المعصوم عليه السلام ولا نائبه الخاص أو العام.
في مثل هذه الحالات لا يجب أخذ إذن الوالدين لكن يجب عليه تحصيل رضاهما.
* وجوب الجهاد
إن مسألة كون الجهاد هو واجب كفائي يعني أن يقوم بالأمر بما يكفيه من المكلفين حتى يسقط عن الآخرين، وتحديد الحاجة ليس أمراً عشوائياً بل هو موكولٌ إلى مسؤولي الجبهة. فقادة المقاومة الإسلامية في لبنان هم الذين يشخصون موارد الحاجة للمجاهدين ولو تم تشخيص جماعة للمقاومة فقاومت ودافعت ثم ذهبت مجموعة أخرى مكانها - البديل - لا يسقط الوجوب عنها لأنَّ موضوع الوجوب لم يزل فالاحتلال لم ينسحب ولا يسقط الوجوب إلا بإزالته تماماً. أيضاً لا يجوز ترك الجبهة أو محاور المقاومة خالية وهو أمرٌ محرمٌ كالفرار من الزحف الذي هو من الكبائر.
* مسائل في الدفاع
إن تعقب العدو المهاجم إلى حيث يقتضي الدفاع واجب، فعملية مرجعيون الاستشهادية كانت في أعمق المناطق المحتلة وليست على محاور المقاومة فالأخوة المجاهدون كانوا يتعقبون العدو في أعمق المناطق لأن الدفاع عن الأرض يقتضي أن تهاجم أيضاً. كذلك العمليات الاستشهادية التي كانت تحصل في عمق المناطق في مرجعيون والخيام وبنت جبيل وتل النحاس وغيرها هي من أرقى أنواع الدفاع عن شرف الأمة وأرضها.
من الممكن أحياناً أن يتوقف الجهاد أو الدفاع الواجب على بعض المسائل المهمة كالاستفادة من البيوت الخالية من دون إذن كما إذا كان هناك بيت يصلح أن يستخدم كنقطة انطلاق إلى العمليات لقربه من الأعداء أو لأنه غير مكشوف أو موقعه محصّن أو غيرها من الصفات، عندها لا يجوز أخذ الإذن بالاستعمال وإن كان يجب المحافظة على محتوياته.
كذلك الأمر بالنسبة للدخول إلى الأراضي الخاصة، فإنه يجوز الدخول عند الحاجة للدفاع منها، فحفظ أراضي المسلمين عامة أولى وأهم من حفظ أرض لشخص واحد، وحفظ أموال الأمة أولى من حفظ مال شخص واحد، لو اضطر المجاهدون إلى الأضرار بالمسلمين المتواجدين في مناطق الاحتلال بمعنى أن الدفاع يتوقف على الأضرار عندها يجب الدفاع. مثلاً لو فرضنا أن الأخوة في المقاومة الإسلامية اضطروا إلى قصد بلدة فيها مسلمون في منطقة الشريط الحدودي يستخدمها اليهود لقصف المناطق المحررة يجب عندها الرد عليهم ولو أدى ذلك إلى تضرر المسلمين الموجودين.
أيضاً لو احتمى العدو بين النساء والأطفال والعجائز وكان الدفاع متوقفاً على قتلهم في هذه الحالة يجوز قصفهم حتى لو أدى ذلك إلى القتل.
* مراعاة الأوامر والمهام
يجب على المجاهدين مراعاة الكثير من المسائل العسكرية التي تساهم في إنجاح العمل الجهادي كاستخدام المسائل الوقائية كحفر الخنادق وتحصين الثغور أو لبس الدروع وغيرها، أيضاً ينبغي مراعاة مقررات المكلفين عن الجبهة ولا يجوز التهاون بأوامرهم والالتزام بها بشكل تام وكل من يخالف هذه الأوامر مسؤول أمام الله يوم الحساب.
من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها سرية الخطط العسكرية والمسائل الأمنية، يقول الإمام الخميني قدس سره في إجابة لاستفتاء طويل حول وجوب الكتمان وسرية العمل الجهادي: يجب أن لا يفعلوا ذلك - عدم مراعاة سرية العمل والخطط وغيرها - وسيكونون مسؤولين في الدنيا والآخرة لو حدثت مصيبة من جراء عدم انتباههم ذلك ونحن نعرف أن بعض الأعمال العسكرية تأجلت بسبب معرفة بعض الأشخاص بها نتيجة تهاون بعض الأخوة في ذلك، ومن الممكن أن تراق الدماء دون طائل، ويكون كل من ساعد في معرفة هذه المعلومات مشاركاً في قتل وتهديم وإحراق الأنفس والأموال ويؤتي يوم القيامة بسهم من الدماء وغيرها ويُعطى له وتكون هذه حصته من دم الأخ الفلاني أو قصف المنطقة الفلانية.
مسألة أخيرة حول المثلى "التشويه" بالقتلى أو تعذيب الجرحى وعدم إهانة الأسرى، يقول الإمام الخميني قدس سره بعد سؤاله عن جواز المثلى أو التعذيب: المثلى غير جائزة، ويجب الاجتناب عن ذلك وأنتم تجتنبون عنها لأنكم جنود الإسلام وأما الأعداء فليسوا مرتبطين بالإسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إياكم والمثلى ولو بالكلب العقور. أي الكلب المجروح والمريض لا تجوز المثلى به.
الأسرى أيضاً علينا أن نتعامل معهم بكل أخلاقية ونلمس الأثر عند أدنى تأمل بين الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال وعملائه وبين الأسرى - الضيوف - الموجودين عند المقاومة الإسلامية، حيث لا يخرج من المعتقل الإسرائيلي لا من بليَ جسمه أما الأسرى عند المقاومة فنراهم ونسمع كلماتهم التي تعبر عن الدهشة بالمعاملة والسرور والندم عن الماضي.