إبراهيم منصور
*من أمثال العرب
"لا يُحسِنُ العبدُ الكَرّ إلاّ الحَلْبَ والصَّرّ".
يُقال إنّ شدّاداً العبسيّ قال لابنه عنترة، في إحدى المعارك، وقد رآه يتقاعسُ عن الحرب، وقد اشتدَّت: "كُرَّ عنترة"، أي اهجمْ على الأعداء، فقال عنترة: "لا يُحسِنُ العبدُ الكَرّ إلّا الحَلْبَ والصَّرّ". وكانت أُمُّ عنترة أَمَةً حبشيَّة، فكان أبوه شدّاد يستخفُّ به لذلك. فلمّا قال عنترة: "لا يُحسِنُ العبدُ الكَرّ" قال له أبوه: "كُرَّ وأنت حُرّ، وقد زوَّجتُك عبلة". فكرَّ عنترة على الأعداء وأبلى بلاءً حسناً، ووفى له أبوه بذلك. فضُرِبَ المثلُ بقول عنترة.
* أجمل الحديث
من أجمل الحديث: ما قاله رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلّم والإمام علي عليه السلام في فضائل الصبر وثوابه عند الله عزَّ وجلَّ، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: "عُدَّ الصبرُ بثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية"1.
وعن الأصبغ بن نباته: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "والصبرُ على أربع شُعَب: على الشوق والإشفاق والزهو والترقُّب؛ فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات، ومَنْ أشْفَقَ من النار رجع عن المحرَّمات، ومَنْ زهد في الدنيا تهاوَنَ في المصيبات، ومَنْ ارتقبَ الموتَ سارعَ في الخيرات"2.
* من القَصص الشعبيّ
تحفل المجتمعات القديمة بالقِصص والطرائف والأساطير. ومن أجمل هذه القصص أنّ القائد المصري إبراهيم باشا جاء في أحد الأيام يتفقّد حيّ رأس بيروت، وإذا بامرأة تصْعَدُ إحدى المآذن وتشرعُ بالأذان. فذُهل إبراهيم باشا واستنكر الأمر وأمر بإنزال المرأة وإحضارها، وعندما سألها عن سبب إقدامها على هذه البِدْعة أجابت: "لقد استوقفتُم رجالنا وسُقتموهم جنوداً في جيشكم، ولم يبق منهم من يقوم بهذه المهمَّة". فسألها: "ومن لكِ عندنا؟"، قالت: "زوجي وابني وأخي"، فأمر الباشا بإحضارهم وقال لها: "اختاري أحدَهم نردَّه لكِ"، فأمسكت المرأة بِكُمِّ أخيها وقالت: "رُدَّ لي أخي، يا سيِّدي". فسألها: "ولماذا اخترتِ أخاكِ دون زوجكِ وابنك؟"، عندها قالت: "الزوجُ موجود، والابن مولود، أمَّا أخي إن مات فلن يعود". عندئذٍ أمر الباشا بردّ الثلاثة معاً إليها"3.
*في هجاء الذات
أحسنُ ما قيل في هجاء الذات ما قاله الحُطَيْئَة يهجو نفسه يوم لم يجد من يهجوه، قال:
بسوءٍ فما أدري لمن أنا قائلُهْ |
أبَــتْ شفتايَ اليومَ إلاّ تكلُّمــاً |
فقُبِّحَ من وجـهٍ وقُبِّحَ حامـلُــهْ |
أرى ليَ وجهاً شوَّهَ اللهُ خَلْقَهُ |
وقيل: ما مدَحَ الحُطَيْئَةُ قوماً إلا رفعهم، وما هجا قوماً إلا وَضَعَهُمْ.
*من أجمل الاستعارة
"أبْلَجَ الحقُّ"، أي ظَهَرَ ووضحَ، وهو مستعارٌ من بَلَجَ الصُّبْحُ يَبْلُجُ بُلوجاً، وانبلَجَ، إذا أَسْفَرَ وأضاءَ. وأبلَجَتِ الشمسُ: أضاءت، من هنا استُعيرَ البَلَجُ (الإشراقُ) للحقّ، يقول الشاعر:
الحقُّ أبلَجُ لا تخفى مَعَالِمُهُ |
|
|
كالشمسِ تظهرُ في نورٍ وإبلاجِ |
وفي صِفَةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تقول أُمُّ معبد: "أَبْلَجُ الوجه"، أي أبيضُ الوجه، طِلْقٌ مضيء4.
*من جذور الكلام
السبْت والسِّبْت؛ السَّبْتُ، في لغة العرب: الراحةُ، يُقال: سَبَتَ يسبتُ سَبْتاً، إذا استراح وسكن، ومنه السُّباتُ بمعنى النوم. والسبتُ هو اليوم السابع من أيام الأسبوع، وقد سُمِّي بالسبت للراحة والسكون وانقطاع الأعمال فيه عند اليهود.
أمَّا السِّبْتُ فكُلُّ جِلْدٍ مدبوغ، وفي الحديث: "أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلّم رأى رجلاً يمشي بين القبور، فقال: "يا صاحبَ السِّبْتَيْن، اخلَعْ سِبْتَيْك"، أي اخلَعْ نعلَيْك، وإنما أمره بالخَلْع احتراماً للمقابر، لأنه يمشي بينها، وقيل: كان بهما قَذَرٌ، أو لاختياله في مَشْيِهِ"5.
*من الثُّنائيّات
وهي مفردات تُلفظ بصيغة المثنِّى لعلَّةٍ تجمع كلَّ اثنين، مثالُه: القَمَران، أي الشمس والقمر. ومن الثنائيَّات: الأُنْثَيَان، أي الأُذُنان، فالأُذن أُنثى، ولذا تُسَمَّى "اللوزتان" في العاميّة ببنات الأُذُنَيْن، يقول الفَرَزْدَق:
وكنّا إذا الجبَّارُ صعَّرَ خدَّه |
|
|
ضربناه تحت الأُنثيينِ على الكَرْدِ |
يريدُ: إذا تكبَّر علينا ضربناه تحت الأُذُنَيْن، والكَرْدُ: أصلُ العُنُق.
*من أسماء العسَل
للعسل أسماء كثيرة عند العرب منها: المَزْجُ والمُجَاجُ، والشهدُ والذَّوْبُ والشَّثُّ، وقد جمع الشاعر أبو عمرو الذَّوْبَ والشَّثَّ في بيتٍ واحد، فقال مُتغزِّلاً:
حديثُها إذا طالَ فيه النَّثُّ |
|
|
أطيبُ من ذَوْبٍ مَذاهُ الشَّثُّ |
فالذَّوْبُ والشَّثُّ: النحلُ العسَّال، والنَّثُّ: فَوْحُ الحديث، ومَذَاهُ: مجَّهُ النحل6.
*عامِّيّ أصلُه فصيح
لَبَجَ؛ نقول بالعاميّة: لَبَجَهُ، أي ضربه برجله، ولَبَجَ: فعل فصيح، تقول العرب: لَبَجَهُ بالعصا، إذا ضربه، وقيل: اللَّبْجُ هو الضربُ المتتابع فيه رِخاوة، ولَبَجَ البعيرُ بنفسه: وقع على الأرض، ولَبَجَ به الأرض، مثل لَبَطَ، إذا جَلَدَ به الأرضَ، ولُبِجَ بفلان على ما لم يُسَمَّ فاعلُه – ولَبِطَ به، إذا صُرِعَ وسقط من مَقَام7.
*من الأضداد
"شَرَى"؛ يُقال: شَرَى، إذا اشترى، وشَرَى، إذا باعَ، فهو من الأضداد، ومنه قوله تعالى:
﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ﴾ (يوسف: 20)8.
*خمسة موانع من الصَّرْف
الاسم الذي لا ينصرف هو ما لا يجوز أن يلحقه تنوين ولا كسرة، كأحمدَ. وهناك الممنوع من الصرف لسبب واحد، وهو كلُّ اسم كان في آخره ألف التأنيث الممدودة، كصحراءَ، أو ألفه المقصورة، كحُبْلى، أو كان على وزن منتهى الجموع، كمساجدَ وعصافيرَ. ومن الأسماء ما يُمنع من الصرف لسببين أو علَّتين، أي أن يكون علماً مؤنَّثاً، فالعلّتان هما العَلَميَّة والتأنيث، كفاطمةَ. ويجوز أن يُنوّنَ الممنوع من الصرف ويُجَرَّ بالكسرة، وذلك في ضرورة الشعر، كقول السيِّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ترثي أباها صلى الله عليه وآله وسلّم:
ماذا على مَنْ شمَّ تُربةَ أحمدٍ |
|
|
ألاّ يَشَمَّ مدى الزمان غواليا؟!9 |
وبعدُ، فهناك من الأسماء ما يُمنع من الصرف لخمسة أسباب، مثل كلمة أذربيجان؛ يقول ابن جِنِّي في هذا الاسم الأعجميّ المعرَّب: إنّ فيه خمسة موانعَ من الصرف، هي: التعريف (العَلَميَّة) والتأنيث والعُجْمَة، والتركيب والألف والنون10.
1 الكافي، الكليني، كتاب الإيمان والكفر، ج2، ص91.
2 الخصال، ابن بابويه، ص74، ص231.
3 لئلاّ تضيع، سلام الراسي، ص56 – 57.
4 لسان العرب، ابن منظور، مادة بلج، ج2،ص215
5 المصدر نفسه، مادة سبت،ج2،36.
6 م.ن، مادة شث،ج2،ص129.
7 م.ن، مادة لبج،ص352.
8 أمثال العرب، الميداني، ج3، ص240.
9 روضة الواعظين، النيسابوري، ص75.
10 لسان العرب، ابن منظور، مادة أذربج، ج2، ص207