الشيخ أمين ترمس
لعب أصحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام دوراً كبيراً في عملية التغيير والبناء الرسالي في مجتمع الأمة الإسلامية. ولم يقتصر دورهم على نقل الحديث والرواية عن الأئمة عليهم السلام، بل نقلوا لنا كلّ ما سمعوه ورأوه من أقوال وأفعال للأئمة عليهم السلام، ورغم ضياع الكثير من هذا التراث الغني بالعلم والمعرفة، إلاّ أن ما وصلنا لا يمكن أن يستهان به. ومن هؤلاء الأصحاب المميزين الذين شاع ذكرهم على كل لسان وكان يشار إليهم بالبنان: صفوان بن يحيى البجلي، فقد وصفه علماء الرجال والتراجم بأنه: "أوثق أهل زمانه".
* اسمه
صفوان بن يحيى أبو محمد البجلي بيَّاع السابري (وهو نوع من الثياب)1. منسوبٌ إلى القبيلة العربية المعروفة (بجيلة)، وهو من أهل الكوفة التي عرفت بكثرة علمائها ورواتها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
* وثاقته
وصفه علماء الرجال بأنه ثقة عين. وكرر الشيخ النجاشي كلمة (ثقة) مرتين تأكيداً منه على ذلك، بل وصفه الشيخ الطوسي بأنه: "أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث"2. فهو إذاً من الذين لا خلاف في وثاقتهم ومنزلتهم العلميّة بين العلماء.
* منزلته عند الأئمة عليهم السلام
عاصر صفوان بن يحيى ثلاثة من الأئمة عليهم السلام وهم: الكاظم، والرضا، والجواد عليهم السلام. وكان عندهم ذا منزلة رفيعة لما فيه من صفات مميزة من العلم والأمانة والإخلاص والوفاء والصدق والورع جعلت منه وكيلاً للإمامين الرضا والجواد عليهما السلام، قال النجاشي:... وروى هو عن الرضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة... وكان من وكلاء الإمامين الرضا وأبي جعفر عليهم السلام3.
وروى الشيخ الكشي بإسناده عن معمر بن خلاد قال: رفعت ما خرج من غلة إسماعيل بن الخطاب بما أوصى به إلى صفوان بن يحيى، فقال [الإمـــــام الجـــــواد عليه السلام]: رحم الله اسماعيل بن الخطاب بما أوصى به إلى صفوان بن يحيى، ورحم صفوان فإنهما من حزب آبائي عليهم السلام، ومن كان من حزبنا أدخله الله الجنة.
ومات صفوان بن يحيى في سنة عشر ومئتين بالمدينة وبعث إليه أبو جعفر [الجواد عليه السلام] بحنوطه وكفنه، وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه4.
وروى أيضاً بإسناده عن علي بن الحسين بن داوود القمي قال: سمعت أبا جعفر الثاني [الجواد عليه السلام] يذكر صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان بخير، وقال: رضي الله عنهما برضاي عنهما فما خالفاني قط5.
* عبادته وورعه
ذكر العلماء مقتطفات من سيرته وحياته التي اشتملت على العديد من الدلائل على ورعه وزهده وعبادته، فهو مثال العالم الصالح، والتابع الصادق للأئمة عليهم السلام.
وكان شريكاً لعبد الله بن جندب، وعلي بن النعمان، وروي أنّهم تعاقدوا في بيت الله الحرام أنه من مات منهم صلّى من بقي صلاته وصام عنه صيامه، وزكّى عنه زكاته فماتا وبقي صفوان، فكان يصلي في كل يوم مئة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويزكي زكاته ثلاث دفعات، وكل ما يتبرع به عن نفسه ما عدا ما ذكرناه تبرع عنهما مثله.
وحكى أصحابنا أن إنساناً كلفه حمل دينارين إلى أهله إلى الكوفة، فقال: إن جمالي مكريّة وأنا أستاذن الأجراء.
وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته رحمه الله6.
* الإمام الرضا عليه السلام ويوحنا المسيحي
وكان صفوان من الذين يَصِلُون الناس بالإمام كما حصل مع يوحنا المسيحي، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى صَاحِبِ السَّابِرِيِّ قَالَ: سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ صَاحِبُ الْجَاثَلِيقِ أَنْ أُوصِلَهُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عليه السلام: أَدْخِلْهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَبَّلَ بِسَاطَهُ وَقَالَ: هَكَذَا عَلَيْنَا فِي دِينِنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَشْرَافِ أَهْلِ زَمَانِنَا، ثُمَّ قَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ مَا تَقُولُ فِي فِرْقَةٍ ادَّعَتْ دَعْوَى فَشَهِدَتْ لَهُمْ فِرْقَةٌ أُخْرَى مُعَدِّلُونَ؟ قَالَ عليه السلام: الدَّعْوَى لَهُمْ، قَالَ: فَادَّعَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى دَعْوَى فَلَمْ يَجِدُوا شُهُوداً مِنْ غَيْرِهِمْ، قَالَ عليه السلام: لَا شَيْءَ لَهُمْ. قَالَ: فَإِنَّا نَحْنُ ادَّعَيْنَا أَنَّ عِيسَى رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا، فَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَادَّعَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ فَلَمْ نُتَابِعْهُمْ عَلَيْهِ، وَمَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ خَيْرٌ مِمَّا افْتَرَقْنَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عليه السلام: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: يُوحَنَّا، قَالَ عليه السلام: يَا يُوحَنَّا إِنَّا آمَنَّا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام رُوحِ اللهِ وَكَلِمَتِهِ الَّذِي كَانَ يُؤْمِنُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وَيُبَشِّرُ بِهِ وَيُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ مَرْبُوبٌ، فَإِنْ كَانَ عِيسَى الَّذِي هُوَ عِنْدَكَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، لَيْسَ هُوَ الَّذِي آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وَبَشَّرَ بِهِ وَلَا هُوَ الَّذِي أَقَرَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ فَنَحْنُ مِنْهُ بُرَاءُ، فَأَيْنَ اجْتَمَعْنَا؟ فَقَامَ وَقَالَ لِصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى: قُمْ! فَمَا كَانَ أَغْنَانَا عَنْ هَذَا الْمَجْلِسِ7.
* مؤلفاته
ترك صفوان بن يحي خلفه تراثاً غنياً من العلم والمعرفة، فقد ألّف عشرات الكتب في أبواب متعددة ومجالات متنوعة. ينقل الشيخ النجاشي أنّه صنّف ثلاثين كتاباً، وذكره ابن النديم البغدادي في عداد المصنّفين الشيعة وعدّد بعضاً من كتبه8.
* آدابه مع إخوانه
ومما ورد في تعامله مع إخوانه ومراعاة حقوقهم ما رواه الشيخ الكليني بإسناده عن الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: "جَاءَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سِنَانٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَبَعَثْتُ ابْنِي فَأَعْطَيْتُهُ دِرْهَماً يَشْتَرِي بِهِ لَحْماً وَبَيْضاً. فَقَالَ لِي: أَيْنَ أَرْسَلْتَ ابْنَكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ! عِنْدَكَ زَيْتٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَاتِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام يَقُولُ: هَلَكَ امْرُؤٌ احْتَقَرَ لِأَخِيهِ مَا يَحْضُرُهُ وَهَلَكَ امْرُؤٌ احْتَقَرَ لِأَخِيهِ مَا قَدَّمَ إِلَيْهِ"9.
* آداب الجعفرية
ومما رواه الشيخ الكليني أيضاً عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: "قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام: اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ، وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَطُولِ السُّجُودِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم. أَدُّوا الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا، بَرّاً أَوْ فَاجِراً، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ وَالْمِخْيَطِ - صِلُوا عَشَائِرَكُمْ وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَصَدَقَ الْحَدِيثَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ قِيلَ هَذَا جَعْفَرِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُهُ وَعَارُهُ وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ فَوَاللهِ لَحَدَّثَنِي أَبِي عليه السلام أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فَيَكُونُ زَيْنَهَا آدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ وَأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ وَأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ وَوَدَائِعُهُمْ تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْهُ فَتَقُولُ مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ إِنَّهُ لآَدَانَا لِلْأَمَانَةِ وَأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ"10.
* وفاته
توفي صفوان سنة 210هـ في زمن الإمام الجواد عليه السلام ودفن في المدينة المنوّرة.
1.ينظر، رجال النجاشي، ص 197، رقم 524، ورجال الطوسي، ص 338، رقم 5038، وص 359، رقم 5311، وص 376، رقم 5559، وفهرس الطوسي، ص 241، رقم 356
2.م.ن.
3.م.ن.
4.م.ن.
5.رجال الشيخ الكشي، ص 502، رقم 962.
6.رجال النجاشي، م.س، ص 197، رقم 524.
7.عيون أخبار الرضا، الصدوق، ج2، ص: 230.
8.فهرست ابن النديم، ص 278.
9.الكافي، الكليني، ج6، ص: 276.
10.م.ن, ج 2، ص479.