إنّ للتّاريخ الّذي نصرنا الله به لمعاناً من نوع آخر في تاريخ إيران، ذلك هو لمعان نور الله والدّعم الإلهيّ الخاصّ للشّعب الإيرانيّ المظلوم المنهوب. وإنّ الّذي لا يرى هذا الدّعم والمعجزة، فهو كالخفّاش الّذي لا يستطيع أن يرى نور الشّمس الّذي يضيء العالم. أيّ عامل هذا الّذي خلق الثّقة والهدوء في مجاهدينا وألقى الخوف والرعب في قلوب الأعداء؟ علماً أنّ القِوى العظمى، وخاصّة الشّيطان الأكبر أمريكا، كانت تدعمهم، وتمدّهم بالأسلحة ومليارات الدّولارات من جميع أنحاء العالم. كما تمتّعوا بدعم جميع وسائل الإعلام المؤثّرة في العالم وما زالوا، فيما نحن نواجه الحصار الاقتصاديّ والمؤامرات الدّاخليّة والخارجيّة القاسية.
• فأنزل السّكينة
لقد هاجمونا غفلة عن طريق البرّ والبحر والجوّ، واحتلّوا قسماً كبيراً من بلادنا، وأخذوا يدمّرون ويقتلون وينهبون مدننا وشعبنا المظلوم، بحيث كان ذلك من عوامل نشر الخوف والرّعب في صفوفنا، ومنح الثّقة والهدوء للأعداء المهاجمين.
لكن، ألم يتحقّق في جبهات القتال مصداق قوله تعالى: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ (الأحزاب: 26)؟ كذلك، ألم يكن المقاتلون في هذه الجبهات مصداق قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الفتح: 4)؟
يا إلهي! إنّ مقاتلي إيران الشباب يرَون النّصر منك ولم يُصبهم الغرور بقدراتهم. فأنت الّذي أنزلت الطّمأنينة والسّكينة في قلوبهم، وقذفت الخوف والرّعب في قلوب أعداء الإسلام.
إلهي! كلّ ما هو موجود فمنك، ونأمل أن تديم لنا رعايتك وتأييدك حتّى النّصر النّهائيّ ما دام أعداؤك يحاربون الإسلام وجنود الله.
• نصائح في زمن الحرب
أذكر بعض النّقاط الّتي ينبغي أن يلتفت إليها الشّعب والحكومة والجيش والحرس والتّعبئة وسائر القوّات المسلّحة، وهي:
1. علينا جميعاً أن نعلم أنّ الأمور كلّها، ومنها الفتح والنّصر، بيد الله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران: 126). وينبغي أن لا يجعلنا هذا النّصر المبين وسائر الفتوحات نشعر بغرور القوّة، فيؤدّي إلى الضّعف والهوان.
2. ينبغي على القوّات المسلّحة أن تكون مستعدّة في الحرب حتّى آخر لحظة وتحقيق النّصر النّهائيّ، وأن لا تغفل أبداً عن حيلة العدوّ وخطره.
3. لا تقلقكم الأبواق الدّعائيّة الّتي تبثّ الأكاذيب، وتختلق الشائعات، وتخدم المجرمين الكبار من خلال التّعتيم الّذي تمارسه على انتصارات مقاتلينا الشّجعان.
4. على الرّغم من أنّ هذه الحرب المفروضة تستدعي الدّفاع عن الحقّ والوطن، وبذل الجهود، وتقديم الخسائر، وتسلب منّا الشّباب العظام، وتشرّد المظلومين من ديارهم، إلّا أنّها تتضمّن بإرادة الله تعالى أموراً عظيمة ومهمّة، منها أنّها نشرت عظمة الإيمان والإسلام في هذا العالم الواسع، فإذا بها تصنع ثورة إلهيّة، وتخوض بنصر وشجاعة حرباً غافلتها وشُنّت عليها بمؤامرة ناهبي العالم والعملاء الجاهلين. وكأنّ يد الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام المباركة في يوم الخندق هي الّتي خرجت من أكمام جنودنا ووقفت بصلابة في مبارزة الإسلام كلّه إلى الكفر كلّه.
5. ينبغي على شبابنا والمسؤولين عن الأسرى واللّاجئين أن يجعلوهم يتذوّقون حلاوة رحمة الإسلام وعظمته، حتّى يكونوا بعد إطلاق سراحهم مبلّغين للإسلام.
6. إنّنا لسنا في حرب مع أيّ دولة، سواء كانت إسلاميّة أم غير إسلاميّة، وندعو إلى السّلم والتّفاهم مع الجميع، وما زلنا في موقع الدّفاع، وهو حقّ إنسانيّ وفريضة إلهيّة على كلّ إنسان. ليست لدينا نيّة الاعتداء على أيّ بلد كان، بل ندعو الدّول الإسلاميّة أن تقف إلى جانب بعضها، وتعلن التزامها الإسلاميّ بالدّفاع عن حقوق المسلمين والدّول الإسلاميّة ضدّ اعتداءات المعتدين، كإسرائيل المعتدية. وإذا ما تحقّق هذا الأمل، فلن تستطيع أيّ قوّة، مهما كانت عظيمة، أن تعتدي على الدّول الإسلاميّة أو على واحدة منها، أو تمارس ضدّها القوّة والضّغط. وإنّنا نعتقد أنّ مصلحة جميع الدّول، لا سيّما المجاورة ودول المنطقة، هي أن لا تورّط نفسها في الهلاك الدّنيويّ والعذاب الأليم في الآخرة، من أجل مصالح القوى العظمى وتسلّطها.
من الأفضل أن يقبلوا هذه النّصيحة الإسلاميّة وأن يتضامنوا مع الشّعب الثّائر المظلوم في فلسطين المحتلّة، ويدافعوا عنه ضدّ الاعتداءات الإسرائيليّة، حتّى ينتصروا على هذا المحتلّ الملحد.
*من كلمة لآية الله الإمام الخمينيّ قدس سره، بتاريخ: 6 جمادى الآخرة 1402 ه-. ق. صحيفة الإمام، ج 16، ص 123-126.