"الجهاد باب من أبواب الجنة فتحة الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة"
الإمام علي عليه السلام
* لماذا شرع الإسلام الجهاد؟
مما لا شك فيه أن الإسلام بنظرته الشاملة لكل قضايا الحياة، قد جعل للجهاد مكانة خاصة بين العبادات وجعل نتيجته "براً ليس فوقه بر " وبالنظر إلى الجوانب الحياتية المتعددة أفرد له نظاماً وقانوناً يراعي كافة الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية... إلخ.
وقدم شرع الإسلام الجهاد في سبيل الله، من أجل الدفاع عن الأرواح والحريات والمقدسات، ومن أجل ردع الأعداء عن قر المسلمين واستعبادهم، والسيطرة على أموالهم وممتلكاتهم. وهذا أمر واجب عقلاً وشرعاً، فقد أقرت جميع المنظمات الدولية والتجمعات الحقوقية بضرورة تجهيز الجيوش وإعداد الأسلحة والذخائر، من أجل حماية الدول من الاعتداءات الأجنبية عليها، منعها من التدخل في شؤونها الخاصة.
إذن الهدف الأول من تشريع الجهاد هو الدفاع عن الأرض والمقدسات وصون الإسلام العزيز وحماية المسلمين من القهر والهوان.
* كيف تحدثت الآيات عن الجهاد؟
اتفقت آراء المفسرين على أن أول ما نزل في القرآن الكريم حول الجهاد قوله تعالى ﴿إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور﴾ (الحج/ 38) وهذه بالضبط عين حالة الدفاع فالمظلوم يجب أن يدافع عن نفسه ثم ينتظر النصر ﴿وإن الله على نصرهم لقدير﴾ والتحقيق أن الآيات القرآنية منها ما هو مطلق ومنها ما هو مقيد لذلك تقرر عن العلماء الأعلام قاعدة وجوب حمل المطلق على المقيد. فقد ورد في سورة التوبة قوله تعالى ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ (التوبة/ 29)..
فما هو المقصود من هذه الآية؟ هل المعنى أن نقوم في البداية بمقاتلة أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، أو أن نقاتلهم عند ظهور اعتداء من جانبهم، أو أي شيء آخر؟
والكلام نفسه يقال بالنسبة لقوله تعالى ﴿يا أيا النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم﴾ التوبة 73.
بمعنى آخر عندما ترد آيتان الأولى مطلقة والثانية مقيدة وجب الأخذ بالمقيدة على أساس القاعدة الآنفة الذكر، لأن المشرّع لهذا القانون يقصد بالآية المقيدة توضيح المطلقة ببعض الخصوصيات.
وقد جاء قوله تعالى في سورة البقرة ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ (البقرة/ 190)، فيتوضح المعنى بهذا البيان:
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر من أهل الكتاب الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ويكون معنى الآية الثانية: قاتلوا الكفاء والمنافقين الذين يقاتلونكم وأغلظوا عليهم، ولكن لا تتجاوزوا الحدود بقتل العجائز والنساء والأطفال.
* هل أن الحرب مذمومة دائماً؟
من هذا المنطلق يمكننا القول أن الحرب بحد ذاتها ليست مذمومة دائماً. كما يراها الدين المسيحي إنما المذموم الذي لا يقبله عرف ولا قانون، هو الحرب المتمثلة بالاعتداء بهدف احتلال الأرض واستلاب الأموال، واستعباد الناس والسيطرة على مقدراتهم، أما الحرب بمعنى الصمود أمام مثل هذا الاعتداء فهي محمود على الإطلاق بل هي من ضروريات الحياة. ولكن ما هي أنواع الاعتداءات هذه التي يجب الجهاد ضدها وردها؟
* الحالة الأولى: الاعتداء بهدف السيطرة على الأرواح والأرض والثروات
لا شك في هذه الحالة بوجوب الدفاع عن هذه الأمور مهما كلف الأمر سواء كان الاعتداء من قبل شخص أو دولة أو منظمة أو أي قوة كانت ولا يجوز مطلقاً معارضة هذه الحرب بحجة السلام لأن هذا في الواقع ليس فرصة للسلام إنما معناه أن نوالي الذل والهوان والخضوع لإرادة العدو وأن نكون مسلوبي الإرادة والحرية، لذلك يجب التنبيه هنا إلى البون الشاسع بين السلام الذي يؤدي إلى الحياة الحرة الشريفة والاستسلام المتمثل بالخضوع والإذعان لإرادة الظلم وقد أشار تعالى في كتابه الكريم إلى هذا الموضوع بقوله ﴿لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا﴾ (الحج/40) بمعنى إذا حصل أحياناً أي هجوم من طرف ولم يدافع الطرف المقابل فلن يستقر حجر على حجر ولهدمت دور عبادة الملل والطوائف كافة.
من هذا المنطلق وجب على كل دولة امتلاك جيش دفاع قوي إلى درجة تستطيع معه الحد من العدوان عليها وقد قال تعالى ﴿واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ (الأنفال/ 60).
* الحالة الثانية: الاعتداء على المستضعفين:
المستضعفون تعبير قرآني يشير إلى مجموعة ضعيفة من الناس في أي بقعة على الأرض، فإذا ارتكب أحد الحكام المتسلطين ظلماً فاحشاً بحقهم وكانت لنا القدرة على ردعه وإنقاذهم، فيجب علينا المبادرة إلى إعلان الحرب عليه والحد من اعتداءاته على الآخرين وتقويض حكومته برمتها من أجل مناصرة أولئك المظلومين وإنقاذ الناس من الذل والعبودية وإلا كنا في عداد المساندين للظالم والمساعدين على نشر البغي والفساد في الأرض وهذا الجهاد الذي يعتبر أحد معاني الدفاع الحقيقي ضد الظلم والطغيان، يأتي وجوبه ابتداء حتى لو لم يطلب المستضعفون المساعدة من الانتماءات الأخرى فأكثر معارك صدر الإسلام دارت هذا المدار وعلى لسان أحد معاصري الرسول صلى الله عليه و آله و سلمفإن الهدف آنذاك كان إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله.
* الحالة الثالثة: الاعتداء على الحقوق الإسلامية:
يعطي الإسلام نفسه. كما جميع الشرائع السماوية وغير السماوية الحق الكامل في نشر دعوته في كافة أرجاء المعمورة. وعليه ينبغي أن يتمتع المسلمون بالحرية الكاملة في إيصال صوت الإسلام إلى كل أقطار العالم فلو تصونا وقوف قوة معينة أمام نشر الدعوة الإسلامية أو إجبار الناس على اعتناق إحدى الديانات المنحرفة فهل يجوز محاربة تلك القوة أو ذلك النظام؟
الجواب نعم يجوز من وجهة نظر الإسلام محاربته لأنه يمثل عين الظلم والاعتداء على الحقوق الإسلامية، وهذا الجهاد بذاته يعتبر ثورة ضد الفساد الفكري والانحراف الديني، وهو أحد مصاديق الدفاع الحقيقي المشروع عن حقوق الإسلام والمسلمين، قال تعالى ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله﴾ (الأنفال/39) ويقصد بالفتنة هنا الفتنة بين المسلمين بغية إخراجهم من دينهم، وعلى هذا الأسس يتوجب محاربة مثيري هذه الفتنة من أجل أن يكون الدين كله لله.
* الحالة الرابعة: الاعتداء على الحقوق الإنسانية:
من أمثلة هذه الحقوق العامة "الحرية " التي تعتبر من المقدسات البشرية، والتي لا تتعلق بشخص واحد ولا بشعب واحد إنما وهي واحدة من الحقوق اللازمة لكل البشر، وقد يتساءل البعض أن الدفاع المشروع ينحصر فيما ذكر من حقوق الفرد والشعب والدين أو يتخطى ذلك ليشمل هذه الحقوق الإنسانية العامة؟
في مقام التحقيق نجد أن الدفاع الثاني مقدم على الأول بل هو أقدس لأن الملاك في ذلك هو وجوب الدفاع عن الحق، فإذا ما تعرضت حرية بلدٍ ما أو شعب ما إلى اعتداء فيجب الدفاع عنها وإن لم تكن في الواقع حريتي ولا حرية شعبي، ويجب على كل إنسان في العالم أن يسارع إلى نجدة الحرية وقتال من يريد سلبها وأنها حق إنساني عام وذلك، كما يقول الشهيد مطهري قدس سره: "من أقدس أقسام الجهاد ".
يروى إنه في الوقت الذي كان فيه الجزائريون يقاتلون الاستعمار الفرنسي، كانت مجموعة من الأوروبيين تشارك في هذه الحرب إلى جانبهم، وكان نضالهم أقدس وأكثر أخلاقية من نضال الجزائريين نفسهم، ذلك أن الجزائري يدافع عن نفسه، أما هم فإنهم يدافعون عن الحقوق الإنسانية العامة.
وبذلك يتبين أن الحرب متى كانت بعنوان الدفاع عن النفس فهي مقدسة، وإذا كانت دفاعاً عن الشعب فهي أقدس. لأن الطابع الشخصي تغير هنا إلى طابع شامل وإذا تعدى الدفاع الحدود القومية إلى الحقوق الإنسانية فإنه سيكون أكثر قدسية.
عندما خرج الإمام الخميني مع ولده الشهيد آية الله السيد مصطفى من منفاه في تركيا نحو العراق لم يكن يملك حتى أجرة الطريق.
ولكن هذا أبداً لم يكن ليفت من عضده شيئاً بل إيمانه بالغيب سر مضيه وعزمه وسر الإمدادات الإلهية المتواصلة، والتسديد والتأييد الذي لم يتوقف.