هل الإمامة تعني الحاكمية فقط؟
وهل يستغني البشر عن الإمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
وما هي حلقة الوصل بين الإمام الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف والأمة؟
تعرّف على هذه المسائل في هذه الحلقة العقائدية في الباب الذي يطلبه الأساتذة المحترمون وطلاب المعرفة على السواء، عنيت به باب "معارف إسلامية".
يعتبر بحث الإمامة من المباحث العقائدية والكلامية فائقة الأهمية. فقد تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" ويمكن للباحث البصير أن يستنبط عظمة مقام الإمامة وأصول مسائلها من خلال هذا الحديث الشريف. ونكتفي بالإشارة إلى ما فيه من الدلالة على وجوب التعرف على حقيقة الإمامة وخطورة إغفال هذا الأمر. حيث ربط الحديث بين عدم معرفة إمام الزمان وارتداد الإنسان إلى حظيرة الجاهلية وخروجه من دين التوحيد.
ولن نعرف الإمام حتّى نعرف الإمامة، ويغوص الفكر في معانيها الدقيقة وحقائقها الرقيقة، ويميز بين مختلف مراتبها وتنوع شؤونها ووظائفها. ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان. أي إعرفوا الأئمة بالإمامة، فعاد الأمر بوجوب معرفة الإمام إلى وجوب معرفة الإمامة.
* معنى الإمامة:
الإمامة مقام سام وحصن حصين، وهي عهد الله المصون الذي ليس للظالمين فيه مطمع ولا نصيب. "لا ينال عهدي الظالمين".
وهي بمعنى قيادة البشر وسوقهم إلى الهداية والصلاح على أساس المنهج الإلهي، وقد عرّفها البعض:
والمقصود من خلافة النبي أنّ كلّ الوظائف والمهمات التي كان يقوم بها النبي ويضطلع بمسؤوليتها، تصبح من وظائف ومسؤوليات الإمام. وأهمّ هذه الوظائف ثلاثة:
1-الحكومة
فالإمام هو القائد والحاكم العام الذي يتولّى رئاسة السلطات وإدارتها بما فيه صالح المجتمع الإنساني وفق المنهج الإلهي.
2-المرجعية الدينية
والإمام يتولى مسؤولية حفظ الدين ونشر تعاليمه وتبيين معارفه وأحكامه وتبليغها للناس ودحض افتراءات المكذبين وبدعمهم.
3-القدوة والولاية
والإمام هو الإنسان الكامل علماً وعملاً، يقتدي به الناس ويهتدون بهديه ويسيرون بسيرته ويتابعونه في القول والفعل حذو النعل بالنعل.
يروى أنّ سلمان المحمدي رضي الله عنه كان كلّما مشى مع أمير المؤمنين عليه السلام، كان يمشي خلفه ويضع قدمه في موضع قدم أمير المؤمنين دون أيّ انحراف.
* إثبات الإمامة:
لو رجعنا قليلاً إلى مبحث ضرورة النبوة، وجدنا أنّ البواعث الأساسية التي اقتضت إرسال الأنبياء هي:
أولاً: التعرف على النظام الإلهي - وهو الأصلح - لتنظيم حياة البشر.
ثانياً: وجود الحاكم العادل الذي يتولّى تطبيق هذا النظام.
ثالثاً: وجود الشخص المعصوم الذي يمثّل القدوة الصالحة ويقوم بتربية الناس وهدايتها إلى الله.
هذه الضرورات البشرية الملحّة على مستوى الفرد والمجتمع من جهة، وعلى مستوى الدنيا والآخرة من جهة أخرى، لا تنقطع بوفاة النبي، وليس من الحكمة ولا الرحمة ولا اللطف في شيء هداية مجموعة من الناس في ظرف معين وزمن معين هو عصر النبي فقط، وترك باقي الناس. حاشا لله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة لوجود شخص يخلف النبي في إتمام هذا الدور وأداء هذه المهمّة. قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: "الإمام لطف فيجب نصبه على الله تحصيلاً للفرض".
وتوضيحه أنّ الإسلام هو الشريعة الخالدة التي يجب على جميع الناس اتباعها والالتزام بأحكامها إلى يوم الدين. "حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة". والرجوع في أيّ شيء إلى غير شرع الله احتكام إلى الطاغوت ﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به﴾ النساء / 60. وهو غير مقبول عند الله تبارك وتعالى ﴿ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ آل عمران/85.
ولكن الله لطيف واللطف يقتضي أن يكون تكليف الإنسان مترافقاً مع بيان الحكم وتوضيحه، وتوفير العناصر المساعدة على تأديته على أكمل وجه دون سلب الاختيار عنه، وإن لم يكن كذلك عُدّ ذلك قبيحاً ومنافياً للطف، كالأستاذ يمتحن طلاّبه بما لم يشرحه لهم ويعرفهم عليه.
ولمّا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبيّن جميع الأحكام والتكاليف لكلّ الناس، أو بالأحرى أنّ ما ورد في القرآن وما بيّنة النبي للناس ليس كلّ ما كان الإسلام يريد أن يبيّنه لهم من الأحكام والمعارف والتعالم، كان لا بدّ من وجود شخص تلقي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلّ تعاليم الإسلام بالتلقي اللدني والتعليم الإلهي.
ولا يقتصر أمر على الحاجة إلى مبين للأحكام، فالقانون وحده لا يكفي لقيادة الناس إلى منهاج الحق والعدل، بل لا بدّ من وجود الحاكم الذي يحكم الناس بالقانون الإلهي، فيقيم الحدود ويوطّد الأمن في البلاد بما يتناسب مع تلبية الاحتياجات المادية والمعنوية للبشر.
وما الحاجة إلى القدوة الصالحة والأسوة الحسنة بأقل من ذلك على الإطلاق.
وخلاصة الأمر أن وجود الإمام لطف لا غنى للناس عنه ويجب نصبه وحاشا لله أن يهمل ذلك "وهو اللطيف الخبير".
ومن هنا يُعلم عدم خلو الأرض "من حجة لله إمّا قائماً مشهوراً أو غائباً مستوراً لئلاّ تبطل حجج الله على عباده" فأوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً من بعده، وهو بدوره إلى الأئمة من ولده حتّى آل الأمر إلى الإمام الثاني عشر الغائب عن الأنظار، ولكنّه حيّ يراقب الأمور.
وليس من المعقول أن يكون الإمام غائباً بالمطلق دون وجود حلقة تواصل بينه وبين الأمة، تقوم مقامه وتنوب عنه في أداء الوظائف والمهمات الأساسية، عنيت بها ولاية الفقيه.
فالولي الفقيه هو الذي يعمل على إقامة الحكومة الإسلامية وتطبيق تعاليم الدين الحنيف وجهاد أعدائه وأعداء الأمّة ورد أضاليلهم ومؤامراتهم.
إنّ عدم اعتبار الولاية العامّة للفقيه يعني انقطاع التواصل مع الأمة، وعندئذٍ لا معنى لغياب الإمام سوى عدم وجوده، وبتعبيرٍ أدقّ: إنّ عدم نصب الولي الفقيه من قبل الله تعالى كنائب للمعصوم، يجعل الاعتقاد بغياب الإمام الحجّة مساوق للقول بعدم وجود هذا الإمام في العصر الحاضر وأنّه سيولد في آخر الزمان.
ولا يذهبنّ بحلمك الشيطان - قارئي الكريم - وتقول: إنّ أكثر من ألف عام من غياب الحجّة لم يكن للولي الفقيه وجود فعلي، فعاد الإشكال من أول؟ فإن عدم تحقّق الحكومة الفعلية للفقيه تماماً لمسألة عدم نصبه. وهو مشابه لنصب الإمام المعصوم من قِبل النبي دون أن تتحقّق له الحكومة فعلاً.
فطوال فترة الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يكن بينهم حاكم فعلي سوى أمير المؤمنين عليه السلام لبضع سنوات والحسن عليه السلام لأيام معدودة، ومع ذلك لم يضر في إمامتهم شيئاً. قال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه: "ووجوده لطف، وتصرفه آخر وعدمه منا".
كلام الشيخ في الإمام المعصوم يؤكّد أنّ وجوده لطف وذلك يجب نصبه على الله. أمّا تصرف الإمام وحكومته الفعلية فهو لطف آخر ولكنه متعلق بإقبال الناس عليه ونصرتهم له والجهاد بين يديه، فإذا قاموا بذلك تحقّق اللطف، وإلاّ فعدمه منّا أيّ بسببنا نحن البشر وبسبب تقصيرنا في خدمته ونصرته.
وكذلك عدم وجود الحكومة الفعلية للولي الفقيه طوال هذه الفترة من الزمن يرجع إلى تقصير الناس عن نصرة علماء الإسلام المدافعين عن الدين.
وفي هذا العصر، لولا تضحيات الشعب المسلم في إيران، وتقديمه الشهداء والقرابين على مذبح الإسلام وتحت لواء الإمام قدس سره، لم ينعم العالم الإسلامي بهذا اللطف الإلهي العظيم وهي قيادة ولي أمر المسلمين المتمثلة بالإمام الخامنئي حفظه الله.