إعداد: إسراء بحمد
ألا تشعر أحياناً أنّك تقف عاجزاً أمام مشكلة ما؟ ألا تحب أن تعرف أسباب عجزك وتحاول الوصول إلى الحلّ؟ هل توافقني الرأي أن هناك مهارة ما بداخلنا نستطيع لو طوّرناها أن نصل لحلّ كلّ ما يواجهنا؟ ألا يجب أن نبحث عن تقنيّات هذه المهارة ونتعلّمها، قبل أن يتداركنا الوقت ونحن نتقلّب بين مشكلة وأخرى؟
*توجد مفاتيح للحل دائماً
إن التعاطي الودّي أمر ضروري لتحقيق التواصل الجيّد بين الناس، وهذا التعاطي يتحكّم به عنصران:
الأول: المخزون بما يشكّله من رأسمال بيولوجي (أي العناصر البيولوجية والجينية الموروثة والمولودة مع الإنسان).
الثاني: العنصر المكتسب الذي تلعبه العلاقات الاجتماعية والمحيط الذي ينشأ فيه الإنسان.
لذا، فإن كل شخص يحتاج دائماً إلى يد تمتد إليه لتربّت على كتفه وتقول له إن الأمور لا زالت بخير، وإن هناك دائماً مفاتيح للحل، ومن خلال لقائنا مع أهل الاختصاص، نقدم لكم كلمات قد تجعلكم تعيدون النظر في كثير من أمور حياتكم...
الأخصائية في العلاج النفسي والتربوي هدى مسلماني قدّمت وسائل عملية تساعد في تجاوز الأزمات التي قد تواجه الإنسان والتي تبدأ بـ "معرفة المشكلة"، التي قد تكون أمراً محيّراً أو موقفاً غامضاً يستدعي الحلّ والفهم.
أما مفهوم "حل المشكلات" فيقصد به، وبحسب الأخصائية التربوية، مجموع العمليات التي يقوم بها الفرد من خلال استخدام المعلومات والمعارف التي سبق له تعلّمها، والمهارات التي اكتسبها ليتغلب على موقف ما ويسيطر عليه، للوصول إلى حل.
*أساس الشخصية السويّة
قالت الأخصائية مسلماني: "إن العامل الأهم في نجاح أي علاقة بين الأفراد، سواء في الأسرة، أو مكان العمل أو أي مكان يجمع الأشخاص، هو العامل النفسي، ضمن معادلة النفس مقابل الحياة. وهي تنطلق بنا نحو بناء علاقات إنسانيّة سويّة،
الأخصائية هدى مسلماني |
وتبدأ بالأسرة، بما تحتويه من أم وأب وأولاد، ونسيج من التفاوت العمري والنمو الجسدي والنفسي الذي يؤسس للشخصيّة الراشدة والسويّة، ويهيئها لتكون قادرة على مواجهة المشكلات بطريقة ديناميكية وبنّاءة. ومن خلال خبرتي في عملي، كمسؤولة قسم العلاج والإرشاد النفسي والتربوي في هذا المجال، أرى أن أكثر المشكلات أساسها التربية، لأن التربية السليمة أساس الشخصية السوية. كثير من الناس يعتقدون أنهم يمتلكون قدرة التواصل السليم، لكن هل هذا موجود فعلاً؟ هل فعلاً يستمع الأهل لأبنائهم؟ وهل يتوصلون معهم إلى حلول مناسبة لمشاكلهم؟
إن استماع الأهل للولد، وتأمين الغذاء العاطفي اللازم له، يعطيه راحة نفسيّة وشخصيّة متزنة، فإذا اعتاد الطفل داخل المنزل على التعبير عن الغضب والبوح بمكنونات ذاته، يصبح شخصاً هادئاً يستطيع إذا ما واجه مشكلة، أن يبادر إلى الإنصات والاستماع، وبالتالي، يضبط مشاعره، ويستطيع الخوض في معترك الحياة".
*مهارة حل المشكلة؟
إن مهارة حلّ المشكلة قد تكون مجموعة مفاتيح تقلّل من حدّة المشكلة وتساهم في حلّها بشكل أسرع، كما تقلّل من المضاعفات والآثار السلبيّة لها. إنها القدرة على الإحاطة بالمشكلة من جميع جوانبها، أسبابها، نتائجها، وبالتالي الوصول إلى حل مناسب لها.
وقد تكون موجودة في شخصية الإنسان أو أنه يعمد إلى ترويض نفسه عليها. وإذا كان لا يمتلك هذه المهارة يلجأ إلى أشخاص ذوي خبرة ورجاحة فكر، لمساعدته في حل المشكلة، كالمعالج النفسي أو أحد أفراد الأسرة أو صديق معيّن موثوق.
*خطوات التفكير بالمشكلة؟
تبدأ خطوات التفكير بالمشكلة بالآتي:
1 - تحديد المشكلة ووصفها بدقة.
2 - رسم حدودها وصياغتها على شكل سؤال (ما هي المشكلة بالتحديد؟)، (ماذا أعرف عن المشكلة؟).
3 - اقتراح الحلول (ما هي الحلول الممكنة لهذه المشكلة؟).
4 - تحديد معايير قبول الحلّ من حيث إمكانية التنفيذ أو التكلفة المادية والفترة الزمنيّة (ما هي العواقب الممكنة؟).
5 - والخطوة الأخيرة هي اختيار الحلول الملائمة ورفض الحلول الخاطئة (ما هي أفضل الحلول الممكنة؟).
بهذه الخطوات نبني فكرة عن المشكلة، نضع رؤوس الأقلام ونحدد الخيارات، نرى المهم بالنسبة لنا وما يكون لصالحنا. وكل هذا يعود تبعاً لشخصيّة كل فرد.
*تقنيات مهارة حلّ المشكلة؟
1 - إنّ تقبّل أي مشكلة مرتبط بشكل كبير بعقيدة الفرد الدينيّة وفكرة الأجر والثواب. وهذا أول ما يجب أن نفكّر فيه عندما نبدأ التعامل مع أي مشكلة، فنعترف بها ونتقبّل وقوعها.
2 - اسأل نفسك: ما هو أسوأ شيء يمكن حدوثه في بداية حدوث المشكلة؟ عندها ستضع المشكلة في حجمها الطبيعي.
3 - اعتمد تقنية الاستماع للآخرين. عوّد نفسك أن تستمع إلى وجهة نظر الجميع حتى مَن يخالفك الرأي.
4 - تمرّن على ضبط الانفعال، من خلال التنفس العميق؟ فإن ذلك يساعد على تغيير الدم في الدماغ والحصول على هدوء تام للأعصاب.
5 - تعامل مع طرف النزاع كما لو أنه على حق، واعتمد اللهجة الهادئة والصوت المنخفض خاصة في حالة الانفعال والغضب.
6 - عندما ينتهي الطرف الآخر من نوبة الغضب، تكلّم معه بهدوء، وخذ رأيه بعين الاعتبار حتى تصل إلى الحل المناسب.
7 - أطلب المساعدة، من أشخاص تثق بنصيحتهم، وعما فعلوه في حالات مشابهة لحالتك ليساهموا معك في حل المشكلة، فإن هذا يشعرك بالارتياح نفسياً.
8 - فتّت المشكلة إلى أجزاء صغيرة لتقلّل من القلق النفسي والارتباك الذهني الذي تسببه وانظر إليها بوضوح: حدّد المكونات الرئيسيّة لها والمشكلات الصغيرة التي أدت إليها، فقد تحلّ المشكلة بالكامل عبر حل المشكلات الصغيرة التي تتقاطع معها.
9 - دائماً، عليك أن تتذكر أن الله يختبرنا، ولا بد هنالك جوانب مضيئة في كل مشكلة، فربما كانت تنبيهاً لنا، فإن البحث عن الجوانب الإيجابية للمشكلة يقلل من آثارها النفسية السلبية، ويجعلنا نرى المشكلة كفرصة للتحسين.
وأخيراً، حاول أن تصل إلى أكثر من حل، فما قد يبدو حلاً مثالياً نظرياً يمكن أن يخفق عند التطبيق العملي، لذا حاول أن توجد مجموعة من الحلول...
*كيف ننتقي الحل الأفضل؟
حلّ المشكلة يعتمد على طبيعة المشكلة نفسها أولاً، واختيار الأفضل يعود للفرد وشخصيته إذا ما كانت انهزامية أو مواجهة، ذكراً أو أنثى، وعلينا عدم اتخاذ أحكام متسرّعة للحلول، بل نختار الحلّ الأقرب إلى تطلّعاتنا والذي يلبّي الحد الأدنى من تفكيرنا.
*نماذج من المشكلات المتكرّرة
1 - من أكثر الحالات التي نواجهها في العيادة أن تقول إحدى السيدات: "زوجي تزوج امرأة ثانية، مع أنني مؤمنة أخاف الله ولا أضايقه، وإذا لم يطلب مني كوب الماء أحضره له، وأقوم بكامل واجباتي اتجاهه واتجاه الأولاد، لماذا؟".
لهذه المرأة نقول: إنك تحمّلت عبء تربية الأولاد والاهتمام بالزوج. هذه الزوجة بنظرنا تمتلك مفتاح الحل المتمثل بأن تهتم بنفسها، مع عدم التقصير اتجاه عائلتها، نطلب منها أن تحاور نفسها، هل طُلب منها هذا الكم الهائل من التقديمات؟ وهنا تشعر بتقصيرها تجاه ذاتها وتستدرك خطأها فبعض الأشخاص يتفانون لأبعد الحدود ويستسلمون للمشكلة...
2 - نموذج آخر: امرأة تعاني من الاكتئاب، تعاني من سوء حياتها الزوجية، ولا تستطيع المواجهة. هنا نقول لها: إذا لم يكن الحل بالمواجهة، فكل المشاكل ستدخل إلى جسدك وستقعين فريسة اكتئاب مزمن، لذا يجب عدم الاستسلام للانهيار، بل يجب تحديد الخيارات، واختيار الحل المناسب من بين جميع الحلول المتوافرة، ومن ثمّ الأخذ بعين الاعتبار أهمية الصحة. وهناك مسألة مهمة وهي أن المناعة النفسيّة المنخفضة تؤدي إلى أمراض نفسيّة - جسدية مزمنة. وبعض الأمراض المزمنة كالسرطان يمكن معالجته علاجاً نفسياً، فما بالك بالمشاكل الحياتية اليومية؟
*نصائح لتسهيل اكتساب مهارة حل المشاكل
أكثر المشاكل النفسية والجسدية نابع من التوتر والإرهاق. وتقنية الاسترخاء هي التي تؤهلنا لتحمل الصعوبات وحلّ المشكلات، فبالاسترخاء ينتظم التنفس، وقد يساعد على هذه التقنية الحديث مع الطبيعة، أو كتابة ما يجول في خاطرنا. وعندها يقلّ التوتّر ونصبح بالتالي، قادرين على حلّ مشاكلنا وتقبّلها برحابة صدر.