نهى عبد الله
أقفل الهاتف وراح ينهب الأرض مسرعاً نحو الساحة العامة في الجامعة، وما إن وصل إلى مجموعة الشباب المتعاركين، حتى زأر فيهم: "توقفوا... نحن لا نتصرف هكذا، كل ما نريده إقامة مجلس عزاء وليس افتعال المشاكل". امتثل بعضهم لكلام الحاج صادق، وهم يزفرون غضباً، فيما أشار شابٌّ من المجموعة الأخرى إلى رفاقه بضبط النفس، وتقدم بضع خطوات باتجاه الحاج صادق - الذي بدا غير مرتاح لظهور الشاب ذي الشعر الطويل، والملابس الضيقة، وآلته الموسيقية المرافقة له دوماً - ورمى كلماته بغير اهتمام: "ونحن نريد إقامة احتفالنا، وأخذنا الإذن بذلك قبلكم". وأشار متحدياً إلى رفاقه بوضع آلاتهم والاستعداد.
وجد الحاج صادق نفسه مضطراً: "مجلسنا غداً، اليوم الساحة لهم". لم يكن سبب عدم ارتياحه هو مظهر الشاب، فهو يعرف انتماءه لعائلة متدينة، ولطالما حاول التقرب منه ولم يفلح، بل على العكس تماماً... كلما أخذ يبتعد، حتى أصبح صادق لا يحب رؤيته لأنه يذكره بفشله باحتواء شاب فتيّ، فأصدر حكماً عليه "غير قابل للتغيير".
بعد سنوات قليلة، تخلى صادق عن متابعة شؤون الطلاب الجامعيين وتركز عمله في العمل الجهادي، وكان يسمو بنفسه لأنه يعمل مع النخب الشبابية والصفوة المضحّين فقط.
وبعد عملية نوعية، تبلّغ شهادة أحد الأبطال الذين حيّروا العدو وأتعبوه خلال العمليات الجهادية. تحدثوا عن تميّزه وقدرته على إرباك العدو، وتوقع خطواته. لم يمنع الحاج صادق نفسه من المقارنة بينه وبين الشبان الذين لم يتركوا لديه سوى انطباعٍ بالسطحية والخفّة.. وانطلق للتحضيرات.. مراسم التشييع والدفن وإبلاغ العائلة... توجّه إلى حيث جثمان الشهيد، تقدم ليراه... وبكى.. تراجع إلى الخلف، واحتمى بزاوية في الظل، وذرف دموعاً على نفسه هذه المرة، التي أصدرت أحكاماً خاطئة على ذلك الشاب، فيما أثبت قدرته على إرباك العدو والصديق، وارتفع الآن شهيداً.