أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أخلاقيات المهن: لكل مدير..أشعر قلبك الرحمة

تحقيق: زهراء عودي شكر

كلٌّ منّا يرغب في إحراز النجاحات، إنْ على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع؛ فللنجاح طريق تتجلّى معالمه في الإدارة الناجحة. ونجاح الفرد وراءه إدارة ناجحة. ونجاح الأسرة خلفه قائد ومدير لها ناجح. ونجاح المؤسسة وراءه إدارة ناجحة. ولمّا كان الإسلام منظومة فكرية وعملية متكاملة، كان للإدارة حيّز خاص وواسع فيه، نظمت شؤون المسلمين وأحوالهم طبقاً للقرآن والشريعة. ومن المبادئ التي أصَّل لها الإسلام خير تأصيل الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل من ولّي أمراً، ومنهم المدير المسلم، وهي في الحقيقة أصول وقيم ينبغي أن يراعي تطبيقها كل مسلم في أي مستوى إداري سواء كان رئيساً أم مرؤوساً، أميراً أم وزيراً، مديراً أم أجيراً.

*تأمين رزق العائلة
وقفنا على بعض آراء الرؤساء والمرؤوسين في موضوع العلاقة القائمة بينهم، وماهيّة نظرتهم إلى خصال المدير المسلم في الواقع المعاش، فكانت الآراء بين انتقاد وشكوى وكلام في مسائل نظرية، وسمعنا كثيراً "يجب... ويجب".

محمد (عامل نقل في إحدى الشركات)، شاب لا يخفي استياءه من مديره، ويرجع سبب بقائه في العمل إلى أمر وحيد هو الحاجة لتأمين قوت عياله. "في بداية عملي كان المدير، في الفترة الأولى، بشوشاً، متسامحاً ولبقاً، وبعد مضي مدة من الزمن أصبح يوجّه أوامره بطريقة قاسية وجارحة". ويضيف محمد قائلاً: "لقد خسِرت الشركة عدداً من الموظفين بسبب إدارته المزاجية، ولم يصمد إلّا من لا عمل بديلاً لديه. نحن مضطرّون إلى أن نتحمّل، ولا نستطيع الشكوى لغير الله".

أما سناء (سكرتيرة في إحدى المؤسسات)، فتبدي انزعاجها من مديرها الذي لا يتردّد في توبيخها في بعض الأوقات أمام زملائها، وتشكو قائلة: "مديري طيّب القلب ولكنه سريع الغضب، يشتم ويصرخ، ثم يعتذر". وتوضح الآنسة سناء قائلة: "يجب على المديرين أن يتحلّوا بأخلاق عالية وقدرة كبيرة على الاستيعاب وتحمّل الموظفين كي يضمنوا تطوّر وتقدم المؤسسة، فإذا لم يكونوا مثالاً جيداً لموظّفيهم لا يعمل الموظف بجديّة واهتمام وتقلّ إنتاجية العمل".

*زيادة الإنتاج همّي الأساس
في المقلب الآخر، لا تسمح فاطمة (مديرة علاقات عامة) لمرؤوسيها بالمزاح معها أو بتوجيه الملاحظات لها، خارج إطار العمل، تقول: "من اليوم الأول الذي زاولت فيه عملي أظهرت جدّيتي وتقيّدي بقواعد العمل أمام المدير المسؤول، كما عكَست تصرّفاتي طبيعتي، ونجحت في إيصال رسالة إلى مَنْ حولي مِنْ مدير وزملاء، مفادها أن العلاقة يجب أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل، وبعيداً عن المزاح المفرط. وهذا يجعلني مرتاحة في عملي مع الموظفين، ومضرب مثل لدى مديري".

إلى ذلك تعمّدنا استطلاع رأي بعض المديرين في هذا الخصوص، فالسيد طلال (مدير شركة مصاعد)، يقول: "عليَّ كمدير أن أكون رحيماً مع الموظفين كي تكبر مؤسستي ويتطور عملي". ثم يلفت السيد طلال إلى أن ودّه مع موظّفيه لا يعني التراخي معهم، وعدم توجيه الملاحظات إليهم حال الخطأ.

الأستاذ مازن يخالف السيد طلال في رأيه، ويعتبر أن على المدير أن يفرض احترامه وطاعته على الجميع كي يضمن سير العمل، ويقول: "لا أهتم إن أحبني الموظف أو أبغضني! كل ما يهمني أن يسير العمل على أفضل وجه، وأن تكون الإنتاجية عالية، وهكذا سيزيد المردود وهذا ما يرغب به الجميع".

*الواجب الإداري والأخلاق الإدارية
وللاطلاع بشكل أفضل على موضوع أخلاقيّات المدير المسلم، كانت لنا وقفة مميّزة مع السيد بلال وهبي الذي بدأ حديثه معنا بالتفريق بين الواجب الإداري والأخلاق الإدارية، قائلًا: "عندما نطلق عنوان أخلاقيّات المدير المسلم ربما يجب علينا أن نفرّق بين الواجب الإداري والأخلاق الإدارية. فالواجب الإداري: هو الشرط اللّازم لسلامة التنظيم الإداري فمن دونه لا تحقق العمليّة الإدارية المرجو منها.

أما الأخلاق الإدارية: فهي الممارسة الإدارية في أدائها الأعلى والأسمى والأرقى بحيث تُحول الجسم الإداري إلى حالة يتّحد فيها الأفراد ليشكلوا جسماً واحداً ويعملوا لتحقيق هدف واحد في انسجام تام معزّز بمشاعر الودّ والحب، فيكونوا مصداقاً حياً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَثَلُ المسلمين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء في السهر والحمى"(1). وفرق بين أن تثق بمن معك وبين أن تحبه، إن الحب بين الأفراد في المؤسسة الواحدة يجعل الأفراد يؤدّون وظائفهم بشغفٍ وتفانٍ وإيثار، فتصبح المؤسسة جزءاً من كيانهم".

*الرئيس القدوة
"وأسمى من هذا كله أن يتحوّل الرئيس إلى قدوة صالحة في أدائه الإداري وفي أخلاقه العملية، فعند هذا المستوى يذوب الأفراد فيه. وهنا لن تجد فرقاً من الناحية النفسية والشعورية بين الرئيس والمرؤوس، وإن كان من فرق فهو فرق إداري ظاهري وحسب.وهذا في تصورّي أعلى مراتب الإدارة التي ستكون قادرة، بلا شك، على الإبداع والتطوير وفعل المعجزات".

*المدير في منظار الإسلام
ويعرّف السيد بلال المدير في المنظار الإسلامي قائلاً: "هو واحد من الناس يجب عليه ما يجب عليهم، ويحرم عليه ما يحرم عليهم، وله ما لهم من الحقوق، وإن كان يتميَّز عنهم في دوره الذي يؤدّيه ومسؤولياته التي يتحمّل عبئها، وهذا لا يعطيه فضيلة عليهم ليتبجّح بها ويستطيل على الناس بسببها ويصاب بجنون العظمة جراءها، وإن كان له من فضيلة فهي التقوى. إذاً فالمدير المسلم لا يجب أن يتأثر بموقعه الإداري ومنصبه التنظيمي، لأنه في النهاية، أيّاً كان موقعه، هو عبد لله كبقية عباد الله تعالى، يؤدي وظيفته ويتقرّب بها إليه سبحانه وهو مسؤول بين يدي الله..".

ويستشهد السيد بلال بعدد كبير من الأحاديث التي أوردها الإمام علي في هذا المضمار، ويعتبرها "مجموعة من التعاليم الرائعة التي ينبغي أن تكون خطّة طريق لكل المديرين والرؤساء" ومن هذه الأقوال: "آفة الاقتدار البغي والعتو"(2)، "إذا استشاط السلطان تسلط الشيطان"(3). "هذه تعاليم علوية رائعة بالغة الدلالة على وخامة البغي وما ينتج عنها من إدارة سيئة للمرؤوسين" يقول الأمير عليه السلام: "بئس السياسة الجور"(4).

*مخاطر سوء الأداء الإداري
وأما عن الانتقام من المرؤوسين فقد بيّن أمير المؤمنين عليه السلام تأثيراته الخطيرة في الاستقرار الإداري وسلامة العملية التنظيمية قائلاً: "دَعِ الانتقام فإنه من أسوأ أفعال المقتدر، ولقد أخذ بجوامع الفضل من رفع نفسه عن سوء المجازاة"(5)، "أقبح أفعال المقتدر الانتقام"(6).

إلى ذلك بيّن أمير المؤمنين عليه السلام مساوئ تكبّر المدير فقال: "آفة الرئاسة الفخر"(7).

إن التكبّر على المرؤوسين يقتل روح الأُخوّة بين الأفراد.

أما الاستبداد في الأداء الإداري، فإن مخاطره لا تقف عند حدود العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه، بل تتخطاه لتشمل العمل الإداري برمّته حيث يكون الفشل هو سيد الموقف، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس الاستعداد الاستبداد"(8).

*لياقة المظهر والسلوك
وأخيراً عرض السيد بلال جملة مؤهّلات شجّع الإسلام على وجودها في المدير. "فكما المزايا الداخلية اهتم الإسلام ببعض الأمور الخارجية كالشكل، واعتبر أن ترتيب هندام المؤمن يؤدي إلى إعطائه المكانة اللائقة ما يجعله مؤثّراً فيمن حوله يقول فيُسمَع، ويأمر فيُطاع، وهذه مؤهلات يحتاجها المدير أكثر من غيره".

ويمكن إجمالها بالآتي:
1- حسن الهندام، ويشمل كل ما له صلة بالمظهر الخارجي. قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة يجلين البصر، وعدّ منها الوجه الحسن"(9)، فجمال الشكل والمظهر أمر بالغ الأهمية.
2- أن يلقى موظفيه ويودعهم بالبسمة.
3- أن يبادر من يستقبله بالمصافحة، ويقف خلف مكتبه لضيفه أو مراجعه، فهذا نحو من التواضع يسر القلب ويسهل على المرؤوس الكثير من الأمور.
4- أن يودّع مرؤوسه أو ضيفه إلى باب مكتبه فهذا نحو من الاحترام يترك في النفس أثراً عظيماً.

*مؤهلات الأخلاق
أما المؤهلات الأخرى فأوجزها على النحو التالي:
1- سعة الصدر، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "آلة الرئاسة سعة الصدر"(10).
2- اللين والرحمة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من لان عوده كثفت أغصانه"(11).
3- قبول النقد.
4- ضبط النفس والحيلولة دون أن يتحكم الغضب به.
5- التأني والتروي في إصدار الأحكام والقرارات.
6- مداراة الأفراد والتودد إليهم.
7- العفو عن مسيئهم. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة"(12).
8- إنصافهم في نفسه، ومدح المحسن منهم.
9- تفقد أحوالهم وحلّ مشاكلهم قدر ما يمكن.
10- الإفضال عليهم من وسعه من خلال مساعدتهم مادياً.
11- ستر عيوبهم، والذود عنهم.
12- أن لا يكلفهم بما يعجزون عن أدائه والقيام به.

وتبقى الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية وهو "أن كثيراً من المديرين يخضعون للوساطات عندما تحتاج مؤسساتهم إلى توظيف طاقات جديدة، وهذا من أشنع الأمور وأكثرها خطراً على المؤسسة لأن التوظيف بالوساطة غالباً ما يكون على حساب النوعية ما يجعل المؤسسة تنوء بعبء أفراد لا تستفيد منهم البتة، ولعل هذا من أخطر ما تعانيه مؤسساتنا في لبنان".

* عهد الأمير عليه السلام لمالك الأشتر
وختاماً نذكر بعضاً مما كتبه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر، وهو خير شاهد على ما تقدم من قواعد إدارية سطرها أمير المؤمنين عليه السلام، حيث قال عليه السلام:
"وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ... فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ الله مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه،
فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ ووَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، والله فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وابْتَلَاكَ بِهِمْ..."
(13).


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ج2، ص627.
2- عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص181.
3- كنز العمال، المتقي الهندي، ج6، ص15.
4- عيون الحكم، م.س، ص193.
5- م.ن، ص249.
6- م.ن، ص113.
7- م.ن، ص181.
8- م.ن، ص193.
9- الخصال، الصدوق، ص92.
10- عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص18.
11- نهج البلاغة، الحكمة 214.
12- م.ن، الحكمة 52.
13- م.ن، خطبة 52.

أضيف في: | عدد المشاهدات: