مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجتمع: في بيتي مدرسة

تحقيق: فاطمة الجوهري غندورة

كَثُر في الآونة الأخيرة ما اصطُلح على تسميته بـ "الدروس الخصوصيّة" أو تأمين مدرّس للأولاد خارج التعليم الأكاديمي في المدرسة. كانت "الدروس الخصوصيّة" تُقدّم في السابق حصرياً في المنازل (منزل التلميذ أو المعلّم)، أما حالياً فقد تعدَّدت أشكال تقديم هذه الخدمة، حيث ظهرت "مراكز" أو ما يسمّى "معاهد" يُجمع فيها الطلّاب وتشبه الصفوف المدرسيّة. ومع أنّ الهدف من وجود الدروس الخصوصيّة هو تقديم خدمة خاصّة بكل متعلّم بما يتناسب مع حاجاته الذاتية والتي تتباين بين طالب وآخر، إلّا أنّ فكرة المعاهد أو المراكز بصورتها الحالية قد لا تصل إلى الأهداف التي يبتغيها الأهل إلّا إذا كانت الخدمة تقدّم بشكل فرديّ لكل متعلّم على حدة.

*مؤهلات ضعيفة
بين أن تكون الدروس الخصوصيّة حاجة ملحّة للطالب أو ضرورة ماديّة للمدرّس الخصوصي، وأيضاً حلّاً للأهل أو منفذاً لسدّ عجز المدارس، كانت لنا اللقاءات التالية:
تقول الحاجة أم علي (أم لثلاثة أولاد) إنّ سبب لجوئها لوضع مدرّس خصوصي لأولادها، هو عدم امتلاكها مؤهّلات علميّة كافية تخوّلها تدريسهم.
أما السيدة سميرة (أم لولد واحد) فعُذرها في عدم متابعة ولدها هو عدم وجود الوقت الكافي، كونها تعمل خارج المنزل.
وقد سألنا الحاجة عليا (أم ثلاثة أولاد) عن كيفيّة اختيارها مدرّساً لأبنائها فقالت: "إن مدرّس أولادي الثلاثة هو طالب بكالوريا لكنه تلميذ مجتهد، وسبق أن درّس أولاد أختي لذلك اتّفقت معه على تدريس أبنائي".
أمّا السيّدة أم عماد (أم لولدين) فعُذرها في تأمين طالب ثانوي لتدريس ولديها هو أن "المدرّسين أصحاب الشهادات الجامعيّة يأخذون أجوراً مرتفعة لذلك لجأْت لتلميذ في الأول ثانوي لتدريس ابني".

*إيجابيّة بكل ما للكلمة من معنى
وعندما استطلعنا آراء بعض الطلاب الذين استعانوا بأساتذة دروس خصوصيّة سمعنا الآراء التالية: يقول علي (طالب في المرحلة الثانويّة): إنّ سبب لجوئي للمدرّس الخصوصي هو ضُعفي في مادّة اللّغة الأجنبيّة. أمّا كمال (طالب في المرحلة المتوسطة) فقال: إنّ سبب طلبي للمدرّس الخصوصي هو عدم فهمي لمادة الرياضيّات من أستاذي في المدرسة، وقال: إن الأستاذ لا يملك طريقة مناسبة للشرح ولإيصال المعلومات بطريقة مبسّطة.

فيما اعتبرت زهراء الطالبة الجامعيّة أن الدروس الخصوصيّة إيجابية بكل ما للكلمة من معنى، فالمدرّس الخصوصيّ يوضح للطالب ما استعصى عليه فهمه في الصف، كما أنّها تعمل على ترسيخ المعلومات أكثر، ومن الممكن أن تَفتح أمام الطالب آفاقاً جديدة
وعوالم أخرى لم تستطع المدرسة المرور عليها؛ خاصة إذا كان المدرّس الخصوصيّ ذا ثقافة عالية، وهذا ما حصلت عليه من الدروس الخصوصيّة أثناء وجودي في المرحلة المتوسطة.

*بطالة وأجور مرتفعة
لماذا يقبل الأستاذ أن يدرّس دروساً خصوصيّة؟ هل الظرف المادي هو السبب فقط؟ سألنا بعض المدرّسين وكانت هذه الإجابات: تقول سناء (مدرّسة خصوصيّة): "أنا طالبة بكالوريا وأقوم بتدريس طالب في المنزل. وقد لجأت للتدريس بسبب ضعف إمكانيّات أهلي الماديّة. أما أجري لقاء الدروس الخصوصية التي أعطيها فهو فقط 50 ألف ليرة لبنانية لقاء تعليم كلّ المواد. أنا مضطرّة لذلك".

أما علي (طالب جامعي) فقال: "لقد أقمت صفاً صغيراً ضمن بيتي أعطي فيه دروساً خصوصيّة لعشرة تلاميذ خلال ساعتين من الوقت وأتقاضى 150 ألف ليرة شهرياً، ومهمّتي خلال الساعتين ليس تدريس عشرة تلاميذ وإنّما الإشراف عليهم فقط وشرح بعض الأمور صعبة الفهم عليهم ضمن الساعتين.

ويقول الأستاذ حسن (أستاذ في إحدى المدارس): أنا أتقاضى عن كل ساعة دروس خصوصيّة ما يقارب العشرين دولاراً ولا أجد هذا السعر مرتفعاً أبداً كوني أعمل على ترسيخ الأفكار في ذهن الطالب وأعمل على إنجاز ما لم تنجزه المدرسة ذات الصفوف الكثيرة. عن أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصيّة، سلبيّاتها وإيجابياتها، كان لنا لقاء مع الدكتورة نانسي الموسوي أستاذة في الجامعة اللبنانيّة، كليّة التربيّة.

*الأسباب كثيرة
بدأت الأستاذة الموسوي حديثها مبيّنة أنّ أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصيّة متعدّدة وكثيرة، وترتبط بعوامل عديدة منها:
1- المتعلّم نفسه: يواجه بعض الطلاب عدم القدرة على التركيز المتواصل في المدرسة، أو يعاني من ضعف في القدرة على اتّباع النمط السريع للتعليم في الصف، أو قد يكون لديه خلل في المكتسبات السابقة.
2- المعلّم: قد لا يتأنّى المدرّس في المدرسة في تقديم المعلومات أو المهارات للطالب ولا يتأكد من اكتسابها من قبل المتعلّمين، والسبب هو إما الطريقة الخاصة به التي يعتمدها في الشرح أو لأن همّه الأساسي هو إنجاز المقرّر المطلوب، أو تدنّي مستوى تمكّن المعلم نفسه من المهارات أو المعلومات.
3- الأهل: عدم قدرة الأهل على مواكبة المسار الأكاديمي لأولادهم، يدفعهم في أغلب الأوقات إلى طلب المساعدة من الجهات التي يفترض أن تكون مختصّة.
4- المدرسة: وهذا يتعلق بالمقرّر في المدرسة، فتكون الدروس المعطاة للطالب تفوق قدراته على التلقّي والحفظ. أضف إلى ذلك ما يقوم به بعض المدارس من إعطاء المناهج والبرامج المقررّة للصفوف العليا للصفوف الدنيا (مثلاً تعطي برنامج صف الثاني أساسي لأطفال الأول أساسي وهكذا). وممّا يرتبط بالمدرسة أيضاً هو أعداد المتعلّمين في الصفوف ما يجعل مهمّة المعلم صعبة في متابعة كل متعلّم على حدة، أو عدم توفير الوسائل الضرورية.
5- وزراة التربية: تدنّي مستوى الرقابة من قبل وزارة التربية على المدارس الخاصة والرسميّة بحيث إن الأمور شبه متروكة لهوى المدير أو المعلّم.

*مشكلة أم حل؟
وقد أكدت الدكتورة الموسوي أنه لا يمكننا اعتبار ظاهرة الدروس الخصوصية سلبيّة بالمطلق أو إيجابيّة بالمطلق، مستهلّة حديثها بالإيجابيات، ويأتي في مقدمتها:
1- إنّ الدروس الخصوصيّة هي حلّ لأولياء الأمور الذين لا يستطيعون متابعة دروس أولادهم بسبب تدنّي مستوى تعليمهم.
2- إنّها حلّ للمتعلّمين أنفسهم الذين يعانون من صعوبة في التّركيز المستمرّ في الصفّ أو الضّعف في مواكبة شرح الأستاذ في وقت محدّد في الصف.

أما سلبيات ظاهرة الدروس الخصوصيّة فذكرت الدكتورة الموسوي منها ما يلي:
1- ظاهرة الدروس الخصوصيّة أصبحت نوعاً من التجارة، بحيث صار المعلّم يتهاون في تعليمه في الصف لثقته أن أولياء الأمور قد يستعينون به أو بغيره ليبذل جُهد التدريس.
2- أصبحت الدروس الخصوصيّة ظاهرة عادية وربما وسيلة للتباهي بين أولياء الأمور.
3- الأعباء المادية التي يتكبّدها الأهل الذين يحتاج أطفالهم فعلاً للمساعدة.
4- تمادي المدارس في تحميل المتعلّمين أعباءً مدرسية إضافيّة على أساس أنّه لا بدّ أن أحداً يساعدهم في المنزل.

*خطوات هامة
أخيراً، وجّهت الدكتورة الموسوي مجموعة من النصائح لكل الأطراف، معتبرةً أنه على الأهل متابعة المدرسة في كافة تفاصيل التدريس لأبنائهم. لذا، لا بدّ من الاهتمام بالخطوات التالية:
1- تفعيل مجالس الأهل في المدارس بشكل يسمح بمتابعة الظواهر التي تنتشر، إن على مستوى الدروس الخصوصيّة أو على أي مستوىً لظاهرة أخرى.
2- على المتعلّم أن يبذل الجهد المطلوب وعدم الاستخفاف بما يقدّمه المعلّم في الصف.
3- على المعلّم المحافظة على الأمانة الملقاة على عاتقه وعدم الاستهتار بها.
4- على المدارس القيام بما هو مطلوب منها لجهة تأمين الوسائل اللازمة لإنجاح عملية التعليم والتخفيف من اكتظاظ المتعلمين في الصفوف.
5- على وزارة التربية ممارسة مهامها بواسطة المديريات المعنيّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات: