اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

في المقاومة وسيدها: قصائد تنثر أكاليل الانتصار

فيصل الأشمر

 



حفل تاريخ الشعر العربي بالكثير من الشعراء الذين حملوا هم وطنهم العربي في المنعطفات الصعبة التي مر بها. وكان شعرهم سلاحاً آخر من أسلحة المقاومة ضد المعتدي على تنوع ألوانه وأشكاله، من الفرنسي إلى البريطاني إلى الصهيوني إلى الأمريكي. ولكن شعر المقاومة، على مر العصور العربية، كان ينشد النصر وقلما كان يراه، وكان يؤمل الحرية دون أن يصل إليها، وظلت قصائد الشعراء تملأها الدموع والأحزان بانتظار يوم النصر الموعود. ولما جاء انتصار المقاومة الإسلامية وأهلها اللبنانيين والعرب والمسلمين في العام 2000 كانت الفرصة مؤاتية للقصيدة العربية لكي تلبس ثوب الفرح لأول مرة منذ زمان بعيد. وبعد أبيات التأوه والشكوى من غدر الزمان واستبداد المعتدي وظلم المستعمر بدأت قصائد الفخر تنثر أكاليل الغار فوق مساحات الوطن العربي والإسلامي، فتنطلق ألسنة الشعراء من قيد الهم والأسى لتزرع البسمة فوق الشفاه.

وبعد عدوان تموز من العام 2006 بزغ فجر انتصار آخر لن يكون الأخير، فكأن الذين كانوا ما زالوا يظنون انتصار العام 2000 حلماً، كأنهم، في الإنتصار الثاني، تأكدوا من أن العربي والمسلم قادر على إلحاق الهزيمة بعدوه، فانطلقت الألسنة تشدو للمقاومة وسيدها، سيد الوعد الصادق. ومن يراجع صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت خلال وبعد حرب تموز 2006 يجدها تفيض بكل ما عرفه العرب من أنواع أدبية نثرية وشعرية، عامية وفصحى، تصور نشوة العرب والمسلمين من النصر الذي تحقق والعز الذي أُعطيَ للأمة على أيدي أبنائها المقاومين. كما صدر الكثير من الدواوين الشعرية التي تمجد هذا الإنجاز العزيز في تاريخ الأمة الحديث. فكأن هذا الحدث كان بمثابة الرعد الذي فجّر ينابيع الأدب في ثنايا القلوب.

وفيما يلي نستعرض بعض ما نشره الشعراء من شعر في مناسبة انتصار المقاومة الإسلامية على العدو الصهيوني في صيف العام 2006. يقول غسان مطر في ديوانه القصيدة "لمجدك هذا القليل" والذي هو عبارة عن "يوميات غاضبة" كتبها طيلة الثلاثة والثلاثين يوماً التي هي عمر حرب تموز موجهاً خطابه إلى قائد المقاومة السيد حسن نصر الله:
"النصر آتٍ" قلتَها ووفيتَ‏
قل ما شئت بعد اليومِ‏
وعدُك صادقٌ ويشع من دمك الوفاءْ
يا سيدي ما أنت منّا
أنت أُعطيةُ السماءِ وأنت نسل الأنبياءْ
"النصر آتٍ" قلتَها ووفيتَ‏
كان الرابضون على الثغور هناكَ ينتظرون صوتك‏
عندما ناديتَهم يا ابن الحسينِ‏
كأنهم سمعوا الحسين بكربلاء
وَثَبوا وحين توضّأوا بدمائهم ورَمَوا
وكان الله يرمي، اهتزّتِ الدنيا
وضجت بالعويل والبكاء
يا سيدي لولاك ما حفلت بنا الدنيا
ولا ارتعش الملوكُ ولا استفاق النائمونَ‏
ولا أطل الفجر من يدنا ولا انتصرت على السيف الدماء

ويصف في موضع آخر من الديوان القصيدة مقاوماً توجّه نحو بنت جبيل للدفاع عنها فيقول:
كتبَ الوصيةَ وامتطى أحلامه الكبرى‏
وقبّل طفله الغافي وراحْ‏
وصدى الأذانِ يرنّ في الوديانِ‏
"حيَّ على الفلاح"
ومشى تسلّقَ تلةً فوق الطريقِ‏
فلوّحت بالنار "بنت جبيل" مثلَ أميرةٍ
عقد الدخان على مفاتنها الوشاح‏
والوحش ينهش لحمها.
مسح الجبين بكفه واستلّ قاذفة القنابلِ‏
شم رائحة الترابِ ومالَ صوب الوحش، صوَّبَ‏
قبل أن يرمي تشهَّدَ ثم صاح‏
"الله أكبرُ"
واستدارَ وحين أبصرَ جثة الوحش استراح.
كتب الوصية، لن يعودَ
مشى، حاصرته القذائف وهو يهتفُ "زينة الرجل الجراح‏
هذي البلاد لنا
نموت ولا نُذَلُّ وأرضُنا لن تستباح".

أما عمر الفرا، الذي دخل صوته خلال الحرب، كل منزل مردداً لحن العزة، فيقول في قصيدته "الوعد" من ديوان "رجال الله" مخاطباً سيد المقاومة:
أسرجت خيلك في الجنوب لأجل عزٍّ في الحياةْ
وعدَوتَ تقتحم الثغورَ فإليك تنتسب الجهات‏
أيقظتنا من نومنا قد كاد يقتلنا السبات‏
ووعدتنا وصدقت حين وعدتنا إذ قلت إن النصر آت‏
حققت لي نصرًا مؤزر
وأعدت لي أملاً تكسر
أرجعت لي ثقتي بنفسي‏
هكذا عودتنّي‏
فعلِمتُ أن عدونا وَهمٌ كما علمتني‏
واهٍ كبيت العنكبوت‏
سهلٌ علينا أن يموت‏
لا شي‏ء يُذكر مطلقاً لا شي‏ء يذكَرْ
علمتنا فن الحروبْ‏
وكيف تنتصر الشعوب‏
بندائها الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

ويخاطب الفرا سيد المقاومة أيضاً في قصيدة "الفجر" فيقول:
كنا نعاني القهر حتى جئتنا
رب البرية دون وعد أرسلَكْ‏
في موكب الفرسان كنت مقدَّماً
في طُهر آل البيت، نُبلُك قدَّمك‏
ريحٌ مواتيةٌ وفجرٌ قادمٌ‏
أبشرْ بنصر اللهِ، قد دار الفلك‏
أرجعتَ حق البائسين، نصرتَهم‏
كل الذين نصرتهم كانوا معك‏
علمُ الحروب دراسةٌ من عندهم‏
قل لي فديتُك مَن أتاك وعلّمك‏
ما أنت إلا "ذو الفقار" بخيبرٍ
دكّ الحصونَ، وفيصلٌ في المعترك‏
في المجد أنت كيوسفٍ، هذي يدي‏
امدد يديك، فكل شعبي بايعك‏

ويخاطب مظفر النواب السيد حسن نصر الله، مستبشراً بالغد الآتي، قائلاً من قصيدة طويلة:
يا سْيدي... في جُبّتك الخوفُ أمانْ‏
يتلفّع "نصرُ اللهِ" إذا جاءَ، بآيات القرآن‏
هذا الفتح ال... من عند اللهِ ومن "مارون الراس"
لا من عند "الأمريكان"
فسبّح بحمد ربك واستغفره‏
لن تبقى "حيفا" هادئةً بعد الآنْ‏

وهذا الشاعر العراقي أحمد مطر يخاطب الجنوبيّ المقاوم، فيقول:
كُلُّ وقتٍ ما عدا لحظة ميلادكَ فينا
هو ظِلٌّ لنفاياتِ الزمانْ‏
كُلُّ أرضٍ ما عدا الأرض التي تمشي عليها
هي سَقْطٌ مِن غُبارِ اللاّمكانْ‏
كلُ معنىً قبل أن تنفُخَ في معناهُ نارَ العُنفوانْ‏
كان خيطاً من دُخانْ‏
لم يكن قبلكَ للعزَّةِ قلبٌ ،لم يكن قبلكَ للسؤددِ وجهٌ‏
لم يكن قبلكَ للمجد لسانْ‏
كلُ شي‏ءٍ حَسَنٍ ما كان شيئاً، يا جنوبيُ‏
ولمّا كنتَ.. كانْ!
كانتِ الساعة لا تدري كم السّاعةُ إلاّ
بعدما لقَّنَها قلبكَ درسَ الخَفقانْ‏
كانت الأرضُ تخافُ المشيَ‏
حتى عَلمتْها دَفقاتُ الدَّمِ في قلبكَ فنَّ الدّورانْ.
لن تتيه الشمسُ، بعدَ اليومِ، في ليلِ ضُحاها
سترى في ضوءِ عينيكَ ضياها
وستمشي بأمانٍ، وسيمشي مُطمئناً بين جنْبَيها الأمانْ!
فعلى آثارِ خطواتِك تمشي،
أينما يمَّمتَ.. أقدامُ الدُّروبْ!
وعلى جبهتكَ النورُ مقيمٌ، والجهاتُ الأربع اليوم: جنوبْ‏
يا جنوبيُّ.. فمِنْ أينَ سيأتيها الغروبْ؟
صار حتى الليلُ يخشى السَّيرَ في الليلِ‏
فأَنّى راحَ لاح الكوكبانْ‏
مِل‏ءَ عيْنيكَ،
وعيناكَ، إذا أغمضَ عيْنيهِ الكَرى، لا تغمضانْ!
يا ابنَ لُبنانَ بمضمارِ العُلا
طالعْتَ طِرْسَ العِزِّ
واستوعبتَ دَرسَ العُنفوانْ‏
قُلتَ: ماذا يجلبُ النَّصرَ؟
فقالتْ نفسكَ الحُرةُ: إيمانٌ وصبرٌ وزِناد وبَنَانْ‏
فتهيَّأتَ، وراهنْتَ على أن تَبلُغَ النَّصرَ وما خاب الرِّهانْ‏

ويمتدح مجيد البرغوثي السيد حسن نصر الله ويعتبره أمة في رجل، فيقول:
رَجُلٌ في أمةٍ يُدعَى "حَسَن"
ثم أضحى أمةً في رَجُلٍ هذا الحسن‏
ما الذي يرفعُ إنساناً إلى هذا المقام‏
غيرُ حُبّ الله والناس مَعاً؟
وصلَ الدنيا بأيام عَليٍّ والعُلا
فتلاشى في المدى بُعدُ الزمن..
لا يرى فرقاً إذا ما عادَ في نعشٍ شهيداً
أو على عرش عزيزاً وسعيداً
فهو في الحالين حَيٌّ وهو في الحالين عِزٌّ للوطن..
ما الذي يَكسبهُ أنصارُه؟
أنهم أنصار "نصر الله" في هذا الزمان‏
والذي يخسرهُ أعداؤه لا يوازيه ثمن!
رَجُلٌ في أمةٍ.. يُدعى "حسن"
ثم أضحى أمة في رَجلٍ.. هذا الحسن‏
ما الذي يرفعُ إنساناً إلى هذا المقام غيرُ حُبّ الله والناس مَعا؟

ويتحدث مردوك الشامي، على لسان مدينة بيروت، واصفاً ما أصابها وأصاب لبنان، فيقول:
أنا بيروت، أطفالي مشّردةٌ
وكلُّ منازلي قصفت‏
وساحاتي غدت مِزَقاً
مهجّرةُ أنا في الأرضِ‏
ذئبُ الأرض مغتصبي‏
ويدرك كلّ عشّاقي نذالتهم‏
إذا قاومتُ أعدائي أخونُ خيانةَ العربِ..
وإن أسلمتُ للطاغي مقاومتي أكون نقيضةَ الإرهابِ‏
راياتي مرفرفةٌ، مسالمةٌ وطيبةٌ
ككل عواصم الخشبِ.
رأنا بيروت، لن تغفو مقاومتي‏
و"نصرُ الله" تاريخي الذي يسمو على الرايات أجمعِها
وكلِّ حكومةٍ كانت كما "حمّالةُ الحطب".
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع