يقول الله تعالى: ﴿يا أَيّهَا الذينَ آمَنُوا كتِبَ عَلَيكمُ الصِّيامُ كما كتِبَ على الَّذينَ مِنْ قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُون﴾ (البقرة: 138). هذه الـ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُون﴾ هي بمعنى أنّ ثمّة أملاً بحدوث التقوى. والمراد أنّ الله جعل شهر رمضان ليكون أرضيّةً ومجالاً لإشاعة التقوى بين الناس.
* معنى التقوى
التقوى بمعنى «الخشية والخوف»، أو في تعابيرنا العاديّة: «المراعاة»؛ فيقولون مثلاً إنّ فلاناً يراعي فلاناً. ﴿اِتَّقُوا الله﴾ (البقرة: 189) بمعنى راعوا الله في أعمالكم وأقوالكم، وخافوه، وانتبهوا لكي لا تنحرفوا عن هذا الطريق.
إذا سرتم في هذا الدرب، فستحصلون على نتائج حسنة: ﴿اِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكم تُرحَمون﴾(الحجرات: 10)؛ الرحمة، ﴿لَعَلَّكم تُفلِحون﴾(البقرة:189)؛ الفلاح، ﴿لَعَلَّكم تَهتَدون﴾ (البقرة: 53)؛ الهداية. وإذا تحلّيتم بالتقوى كان ذلك لكم فرقاناً: ﴿يجعَل لَكم فُرقانًا﴾ (الأنفال: 29)؛ القدرة على تمييز طريق الصواب من طريق الخطأ، والحقّ من الباطل.
* ﴿أفَغَيرَ اللهِ تَتَّقون﴾؟
إلى جانب الدعوة إلى التقوى في القرآن، طُرحت في المقابل «تقوى غير الله»: ﴿وَلَهُ الدّينُ واصِبًا أفَغَيرَ اللهِ تَتَّقون﴾ (النحل: 52)؛ أتراعون غير الله؟ أن يراعي الإنسان أباه وأمّه وأخاه المؤمن فهذا شيء حسن، ولكن ليس هذا هو المراد، بل المراد هو القوى غير الإلهيّة والمعادية لله.
﴿لا نخافهم﴾؛ بمعنى لا نلاحظهم، لا نداريهم، لا بمعنى أن نغفل ونذهل عنهم. علينا أن ننتبه لكن أن لا نخاف منهم ولا نتصوّر أنّ حياتنا وسعادتنا ومستقبلنا ومصيرنا بأيديهم؛ فهذه من لوازم التقوى. إذا ما توافرت التقوى في الأمّة الإسلاميّة، وفكّرت وعملت على أساسها، فسوف يتحقّق الازدهار والحركة والتقدّم والسموّ والرقيّ حتماً.
* شهر رمضان يبعدنا عن الشهوات
تتحقّق التقوى جرّاء تخلية قلوبكم، بأن لا تسمحوا للشهوات بالنفوذ إليها، وبأن تجتنبوا هوى النفس. لقد كان الإمام الخمينيّ قدس سره حكيماً بالمعنى الواقعيّ للكلمة، أي إنّه عندما كان يتحدّث كانت الحكمة تجري من قلبه دوماً. لقد قال عبارة هي: شهر رمضان يجعلنا نبتعد عن الشهوات، وخصوصاً الشهوات المعنويّة؛ وطلب القوّة والسلطة والجاه، من هذه الشهوات. وثمّة أيضاً الشهوات الظاهريّة والماديّة والأخلاقيّة وما إلى ذلك. من هنا، تبدأ التقوى إلى أن تصل إلى ساحة المجتمع؛ ففي الحرب توجد تقوى، وفي النشاطات السياسيّة والاقتصاديّة كذلك.
إنّ تقوى المسؤولين أهمّ من تقوى الناس العاديّين، فعلينا أن نراقب أنفسنا ونعمل على هذا الأساس. إنّ العامل والمسؤول في الدولة على ارتباط وثيق بحقوق الناس، فإذا كان عديم التقوى هُدرت حقوق الناس، وعندها، لا يمكن التعويض.
لذلك، عندما تريد تعيين شخص في موقع ما وإيكال عمل لشخص ما، فإنّ خصوصيّة التقوى والالتزام في الشؤون المتعلّقة بالناس، من ضمن المؤهّلات الإداريّة التي يجب أنّ يتمتّع بها. فإذا حصل هذا الأمر، سيكون الله العنصر الأهمّ في كلّ قراراتنا، وسيتحقّق معنى أنّنا نعمل من أجل الله، وعندها سيكون عملنا عبادة.
من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في شهر رمضان المبارك 1440 ه. ق.- 14/05/2019م.