مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كلمة سواء: فرصة التقاء

مقابلة مع فضيلة الشيخ شفيق جرادي
حوار: محمّد خليل كركي


قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فإن توَلَّوا فقولُوا اشهدُوا بأنَّا مسلمون﴾ (آل عمران: 64). في أجواء الولادة الطيّبة للنبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وحفيده الإمام الصادق عليه السلام وأسبوع الوحدة الإسلاميّة، نغوص في مكامن الالتقاء بين المسلمين وأهميّة الحوار مع الآخر في هذا اللقاء مع مدير معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة، فضيلة الشيخ شفيق جرادي.

*انطلاقاً من الآية الشريفة، ماذا تعني كلمة (سواء)؟
كلمة (سواء) تعني أن لا نعبد إلّا الله، وأن لا يتّخذ بعضنا بعضًا أرباباً من دون الله. وهذه مسألة مهمّة، وهي تعني أن لا تحكّموا تفسيراتكم وتأويلاتكم وقناعاتكم الخاصّة، بل التزموا بما حدّده الله تعالى، وإلّا فلن نصل إلى التقاء. من هنا، نستطيع أن نتعارف حتّى نتوازن، لذلك، يجب أن يكون ثمّة قاسم مشترك وهو الله، وهذا هو الأصل. وهذا يعني أن لا تسمح لنفسك أن تستعمر عقول الناس وتترأّس عليهم، وإنّما يجب العودة الى الله الذي يهدينا سواء السبيل.

* كيف يمكن أن تساهم كلمة (سواء) في تجاوز الخلافات والالتقاء مع الآخر؟
في الحوار، يوجد نمط يرتبط بأسلوب الحديث بين طرفين مختلفين يتحاوران من أجل تقريب بعض المسافات وتحديد الهويّات الخاصّة بكلّ فئة. والقرآن الكريم انتهج هذا الأسلوب، ولكنّه تعاطى مع الحوار باعتباره قيمة عليا تستحقّ الاحترام إلى حدّ كبير جدّاً. وبناءً عليه، إنّ أسلوب التعامل في الحوار يجب أن يُبنى على نتائج تحقّق الانسجام بين الجماعات.

حينما أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، وهذه الأرض قائمة على الاختلاف بين الناس بأمزجتهم وطبائعهم واتّجاهاتهم، علّم آدم عليه السلام الأسماء وعرضها على الملائكة، فلم يعرفوها طبعاً، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فأعطاهم الدليل على صحّة النتيجة. وقد فتح الله لهم باب الحوار بشكلٍ واسع. إذاً، الحوار يجب أن يذهب بعيداً للوصول إلى نتيجة. وهو يُبنَى على القيم التي لا تتحقّق إلّا بالكلمة السواء، وهذه الأخيرة تعدّ مسلّمة بين كلّ الجهات المتحاورة.

* كيف ساهمت حادثة المباهلة في تجسيد الالتقاء مع الآخر ونبذ الخلاف؟
من المهمّ أن نعرف هنا لماذا دعاهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المباهلة ولم يدعهم إلى الحوار. كان المسيحيّون يتميّزون وقتها بأنّهم ينجذبون إلى المعنويّات، يميّزون الحدث غير العاديّ الذي يحصل في حياة الفرد أو الجماعة، لذلك، اعتقدوا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى هذا الحوار لعلمه بمن يؤثّر. وبالفعل، أحضر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أغلى من يملك، وهي أسرته، ثمّ دعا إلى الابتهال، وهو التوجّه إلى الله، طالباً منه تعالى أن يُظهر عجائبه على من يخطئ. فلمّا رأوا ما رأوا من وجوه تراجعوا. وهذا يسمّى نمطاً من أنماط الحوار، وغايته تحقيق الأصل من قيمته، وهو توحيد المواقف بين الجماعات التي تتعارف في ما بين بينها.

* كيف نستدلّ على الدعوة إلى الوحدة الإسلاميّة من خلال القرآن الكريم؟
يقول تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103). بحسب القرآن الكريم، لو أراد الله أن يجعل الناس أمّةً واحدةً لفعل، ولكنّ طبيعة الوجود على الأرض قائمة على الاختلافات. والقيمة الي يريدها الله هي أن لا نجعل من هذه الاختلافات سبباً لتدمير أنفسنا. من هنا، فإنّ المصدر الوحيد الذي يجعلنا جميعاً نتّقي الله ونوحّد مسارنا وقضايانا هو القرآن الكريم وسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

دعوا الاختلافات والاجتهادات جانباً تحت سقف وحدة مسار الأمّة، وليكن النقاش في المسائل الخلافيّة في المحافل العلميّة البحتة بين أهل الاختصاص حيث تعمّم على الناس الآراء الكلاميّة.

* إلى أيّ مدى تمكّنت غزّة اليوم من توحيد الموقف وتجاوز الخلافات؟
منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر حتّى اليوم، توحّد المسلمون تحت عنوان قرآنيّ هو نصرة المستضعفين وأهل الحقّ، بعيداً عن أيّ خطاب طائفيّ. هذه الوحدة التي نشهدها على طول الساحات العربيّة والإسلاميّة باتت تُقلق العدوّ، الذي يتربّص بنا بكلّ ما يملك من قوّة الفتن والأكاذيب والأضاليل والإرهاب. أمّا حين نتمسّك بحبل الله تعالى، فإنّه عزّ وجلّ سيعزّنا ويقوّينا وينصرنا على أعدائنا. وهذا الواقع سيحوّل غزّة ومحور المساندة إلى جبهةٍ فعليّة هي المقاومة التي تتوحّد تحت راية الإسلام والقرآن والنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

إنّ هذه الأمّة كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، وهو غزة حاليّاً، تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى، أي أنّ وظيفة بقيّة أعضاء الجسد، وهي الدول العربيّة والإسلاميّة، أن تلتحم لتكون جسداً واحداً يدافع عن العضو المريض، فتدفع عنه الشرّ والأذى. والله تعالى يقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ (التوبة: 71)، أي أنّهم ينصرون بعضهم بعضاً؛ هذه هي طبيعة الولاية لمحمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بالإضافة إلى ذلك، نحن ننصر غزة انطلاقاً من ثقافتنا المبنيّة على العبارة الشهيرة للسيّدة الزهراء i: «الجار ثمّ الدار»(1). وغزّة هنا هي جارنا المسلم الإقليميّ والجغرافيّ، الذي إذا وقع في ضيق، يجب أن نهبّ لنجدته. حينما نقف إلى جانب جارنا ونقدّم له يد العون، فإنّ الله يعيننا ويسدّدنا وينصرنا؛ لأنّ هذا السواء الذي بيننا وبينهم هو كلمة الله التي نتمسّك كلّنا بها.

* كيف نكتشف مكامن الالتقاء ونعزّزها؟
لكي نعزّز مكامن الالتقاء، علينا أن نبحث في الأهداف التي تجمعنا. مثلاً: على الرغم من الاختلاف في كيفيّة الصلاة بين السنّة والشيعة، فإذا سألت كِلا الطرفين عن الهدف من ذلك فسيكون الجواب: طاعةً لأمر الله. إذاً، إنّ مورد الاتّفاق بيننا هو أمر الله، الذي يلتزمه كلّ منّا بطريقة.

نطرح مثالاً آخر لتوضيح الفكرة أكثر: إذا كان هناك إنسان فقير بحاجة إلى المساعدة، قد يرى أحدهم أنّ المساعدة الفعليّة تكمن في توفير الطعام له، فيما يرى آخر أنّه يجب توفير الشرب له، ويذهب فلان إلى تأمين الملبس، وآخر يدعو إلى تأمين أقساط المدرسة للأولاد، وهكذا. إذاً، الجميع يتّفق على المساعدة ولكن من منظور مختلف. هذا المثال ينطبق علينا، فنحن نتّفق على الأصل، وهو وحدة الأهداف الإلهيّة في حركتنا الإنسانيّة والبشريّة، ولكن كلّ منّا يعبّر بطريقته.

من هنا، أدعو أصحاب المذاهب الإيمانيّة والأديان التوحيديّة إلى تشكيل جبهةٍ إيمانيّة يكون الأصل فيها الهدف الإيمانيّ. فليحافظ كلٌّ منّا على خصوصيّته، وليحترم خصوصيّة الآخر، ولتبقَ مسألة الأهداف والقيم العامّة هي التي تضبط الجميع.

* كيف يتعاطى الإسلام مع مقدّسات الآخر؟
يدعو الإسلام إلى عدم الإساءة إلى مقدّسات الآخرين من خلال:

أوّلاً: احترام مقدّسات الطرف الآخر: ينبغي احترام هذه المقدّسات وعدم التعرّض لها، سواءٌ كنت مقتنعاً بها أم لا، هذا شأنك، لكنّ احترام آداب العلاقة مع الجماعات أمر مطلوب.

ثانياً: التمسّك بالوحدة الإسلاميّة: لقد أدّت المرجعيّات في الأزهر وقم والنجف دوراً عظيماً في هذا السياق، لكن يبقى أنّ علينا أن نُوجد القضايا المشتركة في ما بيننا. واليوم، لدينا فرصة كبيرة أمام تأدية الطاعة لله، والوحدة الإسلاميّة يجب أن لا نفوّتها، وهي استعادة الحقّ المغتصب في فلسطين. هذه القضيّة هي التي توحّد الأمّة بمذاهبها المختلفة، وليس النقاش في هذه الفتوى أو تلك.

ثالثاً: العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين: يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13)، لذلك، ينبغي إنشاء أرضيّة مشتركة للحوار انطلاقاً من المسألة الأخلاقيّة والعيش المشترك. في الحقيقة، إنّ هذا الشرق العربيّ لا يمكن أن يشكّل حضارة له خارج إطار الإسلام والمسيحيّة، إذ ليس من مصلحة المسلمين أن يخسروا وجود المسيحيّين والعكس صحيح أيضاً.

* هل من كلمة أخيرة في مسألة الوحدة؟
بكملة سواء واحدة، نراهن على غزّة وأهلها، وعلى وعي الإخوة في فصائل المقاومة الفلسطينيّة المختلفة، وعلى حزب الله وحركة أمل، وعلى القوى السنيّة في لبنان، أن يخرجوا من طوفان الأقصى بطوفان وعي كبير، لأنّ هذه القضيّة هي قضيّة وحدويّة توحيديّة بامتياز. يجب أن نغتنم هذه الفرصة الإلهيّة التي أتاحها المولى تعالى للأمّة، وأمامنا الكثير من التحدّيات التي لن نستطيع أن نواجهها إلّا بمثل هذه الحركة الوحدويّة.

1- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 7، ص 113.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع