د. نبيه أحمد*
نجد في السينما الإيرانيّة ملامح قيم الثورة الإسلاميّة، الثورة التي أخذت على عاتقها بناء مجتمع إسلاميّ حقيقيّ تحكمه الشريعة الإسلاميّة السمحاء، لا ترضى للقيم الغربيّة أن تأخذ مكاناً لها في ثقافتها، كما سعى الشاه المخلوع إلى تحقيقه.
وقد عرفنا السينما التاريخيّة الدينيّة الإيرانيّة في عالمنا العربيّ عبر مجموعة من الأعمال التي عُرضت على شاشاتنا العربيّة لمرّات عديدة، ولاقت استحسان الجمهور المسلم، العربيّ والإيرانيّ أيضاً، نذكر منها: مريم المقدّسة، أهل الكهف، غريب طوس، يوسف الصدّيق وعشق كوفيّ، والأخير هو ما سنسلط الضوء عليه في مقالنا هذا.
* بطاقة تعريف بالمسلسل
“عشق كوفيّ”، هو مسلسل إيرانيّ تاريخيّ دراميّ تدور أحداثه في عام 61 هـ. في مدينة الكوفة، يروي قصّة حبّ بين فتاة تدعى نائلة (شبنام قرباني) ورامي السهام هلال (سعيد شريف)، وتستمرّ أحداثه حتّى واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
على الرغم من أنّ قصّة الحبّ بأكملها ليست حقيقيّة وتستند إلى خيال المؤلّف، إلّا أنّ بعض الشخصيّات التاريخيّة الحقيقيّة المصوّرة أُدرجت لتوضيح تاريخ تلك الفترة. ويتكوّن المسلسل من 15 حلقة.
- تأليف: فائزة يارمحمدي ويزدان محمد كاظمي.
- إخراج: حسن آخوندبور.
- إنتاج: منظمة بيك ميديا آرت.
- بطولة: لايا زنغنه، نادر سليماني، سعيد شريف، شبنم قرباني، حسين سليماني، نادر فلاح، سوغول طهماسبي، مريم كافياني، مهسا مهجوار، محمد أشكنفر، موجغان أخلاغي، جمال الدين بيات، معصومة زيناتي صافي، إحسان محسني كياساري، عمار تفتي، سيد جواد هاشمي، ثريا قاسمي.
* الحبكة الدراميّة للمسلسل
إبّان بدء عرض مسلسل «عشق كوفيّ»، رأى النقّاد أنّه يقدّم قصّة شبيهة لما قدّمه مسلسل «المختار الثقفيّ»، خاصّة من ناحية تلك الحقبة التاريخيّة التي جسّدها (واقعة كربلاء)، أو من ناحية قصّة الحبّ بين شخصيّتين أساسيّتين. ولكن يجب أن نعرف أنّ إدخال قصّة دراميّة إلى عمل تاريخيّ، ليس بالضرورة أن يشير إلى أنّ هذه القصّة قد حصلت فعلاً، لأنّ السياق الدراميّ في العمل التاريخيّ يتطلّب وجود العديد من العقد الدراميّة لحلّها، ولا يمكن الاعتماد فقط على الأحداث التاريخيّة، لأنّ أيّ قارئ جيّد للتاريخ يستطيع أن يتوقّع نهاية الأحداث بمجرّد تتبّع مسارها، لهذا، نجد في العديد من الأعمال الدراميّة التاريخيّة قصّة إنسانيّة مرافقة للحدث التاريخيّ، وهذا ما يُنجحها.
بالعودة إلى «عشق كوفيّ»، فإنّ فيه نوعاً من العشق الذي يجلب معه المشاكل خلال الخطّ السرديّ للقصّة، نظراً لأنّ هذه المغامرة تنشأ بين عائلتين مختلفتين لناحية المعتقدات والسياسات، فتجلب معها تحدّيات تؤدّي إلى معاناة المشاهد مع القصّة والشخصيّات، ولهذا، تُسرد هاتان القصّتان بطريقة تروق للجمهور.
* شواهد سريعة حول إنتاج «عشق كوفيّ»
كانت المواقع الرئيسة للمشروع في مدينة غزالي السينمائيّة، وبلغ عددها 20 موقعاً، وقد صُوّر في 7 منها. وقد نُفّذ 75٪ من العمل في مجموعات مختلفة، وصُوّر جزء منه في مدينة نور السينمائيّة، ونحو 15٪ في مدينة آبادان في محافطة خوزستان جنوبي البلاد.
واعتُمد أسلوب STAGED PHOTOGRAPHY وهو يحظى بشعبيّة واسعة في عالم التصوير، إذ يصمّم المصمّمون سيناريوهات ثمّ يضعون الشخصيّات في تلك النماذج المصمّمة، وتُخطّط جميع تفاصيل المشهد بما في ذلك الديكور والملابس وحركات الممثّلين بدقّة عالية.
ومن أجل سرد صحيح لذلك السياق التاريخيّ، أُجريت أبحاث حول ما كانت عليه مدينة الكوفة في ذلك الوقت وكيف كان يعيش أهلها، وقد جُمعت كافّة المعلومات المتعلّقة بتلك الحقبة التاريخيّة من أجل اختيار الديكور والملابس وغيرها.
* الرؤية الاخراجيّة للمسلسل
تعدّ مسيرة حسن أخوند بور حافلة بالأفلام القصيرة والأفلام التلفزيونيّة والأفلام الروائيّة، و«عشق كوفيّ» هو تجربته الأولى في المسلسلات. نجح هذا المخرج في خلق مساحة تاريخيّة، ووضع الجمهور بسهولة في أجواء مدينة الكوفة عام 61هـ. الإيقاع السرديّ للقصّة مرتفع في الحلقتين الأوليّين، وهذا ما تابعه المخرج في الحلقات التالية وصولاً إلى الحلقة 15 (الأخيرة)، فوجدنا أنفسنا أمام عمل جدير بالمشاهدة.
يقول أحد منتجي العمل: «بطبيعة الحال، عندما تُسرد قصّة في قلب سياق تاريخيّ، يجب أيضاً مراعاة هذه الإحداثيّات. لكنّ الدراما والقصّة نفسها تعتمد بالكامل على الخيال، وإذا كانت تستند أيضاً إلى الاستشهادات التاريخيّة والكتب الموجودة لمزيد من اليقين، فقد استُعين بحجّة الإسلام حامد كاشاني، الخبير في مجال التاريخ الإسلاميّ».
ويضيف: «إذا أردت أن أدّعي أنّ عملنا قريب نوعيّاً من عمل (المختار الثقفيّ) للمخرج السيّد مير باقري من حيث الجودة، فليس لديّ هذا الادّعاء في السيناريو. سأستمرّ في رؤية (المختار الثقفيّ) وأتعلّم منه، وآمل أن نكون يوماً ما على الطريق الذي سلكها مير باقري؛ لأنّها قويّة جدّاً لدرجة أنّه على الرغم من تكرار عرض (المختار الثقفيّ)، إلّا أنّه لا يزال يُشاهَد ويحظى بإعجاب الجمهور. آمل أن ينال (عشق كوفيّ) هذه الميزة الجميلة».
تبقى الأعمال التاريخيّة تعرّفنا على حقبة إسلاميّة معيّنة، وهي نافذة تجعلنا ننظر بعمق أكبر لما حصل في تلك الفترة، وتكشف كثيراً من الأسرار التي يصعب فهمها من خلال الكتب التاريخيّة؛ لذلك عدّها سماحة الإمام السيّد علي الخامنئيّ دام ظله صدقةً جاريةً تنساب في قلوب المؤمنين، وتنتج غرساً طيّباً يكون موضع رضى قلب مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
(*) باحث في مجال السينما الدينيّة.